بمناسبة مرور 90عاما علي ثورة 1919 بزعامة سعد باشا زغلول صاحب شعار الدين لله والوطن للجميع,تلك الثورة الشعبية الأولي في تاريخ مصر,وكان الشعب المصري هو صاحب تلك الثورة.
ونحن نحتفل بهذه الذكري وما قدمته الثورة من أساس للدولة الحديثة وإرساء للمواطنة…أجرت وطني هذا الموضوع.
في البداية قال منير فخري عبد النور سكرتير عام حزب الوفد إن البعض يري أن ثورة 1919 كانت مجرد مظاهرات براقة,ولم تحقق لمصر الاستقلال التام وهذه نظرة سطحية للثورة التي تعد المارد الذي أيقظ الأمة من السبات الذي كان سائدا في بداية القرن العشرين,فقبل الثورة والحرب العالمية الأولي كانت مصر في حالة سبات,حتي جاء الحزب الوطني بقيادة مصطفي كامل باشا بثورة حقيقية,وبدأت حركات التحرر تظهر علي الساحة,ما بين سياسية وثقافية وأحزاب حتي بداية الحرب العالمية الأولي 1914,التي أعلنت بعدها بريطانيا العظمي الحماية علي مصر,وتوقفت الحركات السياسية تماما داخل المجتمع المصري,فجاءت ثورة 1919 لتوقظ الشعب من سباته العميق.
أما عن بداية ثورة 1919 قال سكرتير عام الوفد إن الثورة بدأت بمظاهرات احتجاج في القاهرة والمدن الكبري قوامها طلبة المدارس,وانضم إليهم الفلاحون والعمال والموظفون,فانقلبت لثورة وطنية عارمة,قطعت فيها السكك الحديدية,وتمت مهاجمة المقار الحكومية,واحتلها المتظاهرون,وأعلنوا الجمهورية في زفتي والمنيا وأسيوط.
أضاف عبد النور بقوله: تركت ثورة 1919 مبادئ وقيما من ثوابت المصريين أهمها الرغبة الأكيدة في الاستقلال,والوحدة بين المصريين دون تفرقة أو تمييز,والوحدة بمعناها الاجتماعي أي بما تحمله من معاني التضامن والتكامل ورفض تهميش أي فئة من فئات المجتمع,فكانت تلك الثورة بمثابة انتفاضة ونهضة شاملة,تهدف إلي الارتقاء بمستوي المعيشة ومستوي التعليم.
علي الرغم من مشاعر الفخر والاعتزاز الذي يشعر بهما سكرتير عام الوفد إلا أن تلك المشاعر سرعان ما تبدلت إلي نبرة حزن عندما سألناه…أين روح ثورة 1919 الآن؟! فأجاب: بالقطع حدثت ردة وانتكاسة فسعد زغلول نادي بالوحدة الوطنية واستطاع أن يوحد بين قطبي الأمة,وذلك لكونه مواطنا مصريا,ولكن أين هو المصري الآن الذي يفكر في الآخر,ويطالب بحقوقه,لذا فنحن في أمس الحاجة لاستعادة روح ثورة 1919,والمناداة بالحرية والمواطنة,واستعادة الثقة في الإصلاح والتغيير.
إبقاء الوضع علي ما هو عليه!
من جانبه قال الدكتور وحيد عبد المجيد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن ثورة 1919 تعتبر أول ثورة قومية في تاريخ مصر الحديث,وبداية لظهور مصر كأمة موحدة بين المسلمين والمسيحيين,خاصة بعد التفاف الشعب حول سعد زغلول قبل وبعد نفيه ورفاقه إلي جزيرة مالطا,والذين كانوا يعبرون عن التيار الوطني,الراغب في بناء هذه الدولة الحديثة المحررة والقائمة علي الوحدة الوطنية بالذات.
أكد الدكتور وحيد علي أننا نحتاج إلي استكمال مهام ثورة 1919 ووضع برنامج وطني اجتماعي لاستكمال تلك المهام,وأبرز المعوقات حاليا التي تقف حائلا أمام تلك الإنجازات هي السلطة القائمة والتي ليست مع استكمال تلك المهام,والتي ترغب في تجميد الوضع علي ما هو عليه.
ميلاد الوحدة الوطنية
وعن الدروس المستفادة من ثورة 1919 قال الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان: ثورة 1919 هي التي تسببت في ميلاد الوحدة الوطنية في مصر وكان لها الفضل في ترسيخ هذا المبدأ,فلأول مرة تجتمع الأمة كلها في وصف واحد,لا فرق بين مسيحي ومسلم,وساد شعار الدين لله والوطن للجميع وفي هذه الفترة بدأ الشيوخ في التردد علي الكنائس لإلقاء الخطب,واعتلي القساوسة منبر الأزهر الشريف,والتف حولهم جموع الشعب المصري من مختلف الطوائف,ومن هنا عرف المصريون معني الوحدة الوطنية.
أشار الدكتور عاصم إلي المشهد الرائع الذي اعتدنا علي مشاهدته في الدراما العربية القديمة وهو الشعار الذي رفعه المصريون الهلال يعانق الصليب,ونري القمص جورجيوس,وهو يعتلي منبر الأزهر الشريف ملتفا حوله جموع الشعب مسلمين وأقباطا ليخطب خطبته أمامهم,بالإضافة إلي وجود المرأة في المظاهرات جنبا إلي جنب مع الرجل,ومشاركتها في الحياة السياسية,بقيادة صفية زغلول,وهدية بركات,وهدي شعراوي,التي كانت رئيسة لجنة السيدات في اللجنة المركزية للوفد,وكان هذا بداية خروج المرأة في المجتمع المصري.
أما من الناحية الاقتصادية قال الدكتور عاصم: هناك تأثير كبير لثورة 1919 علي الحياة الاقتصادية في مصر,ونجاح المصريين في إنشاء بنك مصر أهم دليل علي ذلك.
مدنية التعليم
أما أمينة النقاش -كاتبة صحفية ونائية رئيس حزب التجمع قالت إنها حققت تحول مصر من دولة خاضعة للحماية البريطانية إلي دولة مستقلة,مما مهد للأرض لاستقبالها وهي التي فتحت الباب أمام إلغاء الامتيازات الأجنبية,التي تمنح الحق للأجانب في ارتكاب الجرائم ومثولهم أمام قضاء خاص,مما جعل وجود تمييز بينهم وبين أبناء الوطن,فكان الفضل للثورة في إلغاء ذلك,كما حولت المجتمع المصري من مجتمع شبه طائفي إلي مجتمع وطني,وبلورت فكرة الوطنية المصرية,ورسخت لفكرة المواطنة علي أساس الانتماء للوطن,وليس الانتماء للدين.
أضافت النقاش أن الثورة هي التي فتحت الباب أمام تمصير الإدارة المصرية لكي يتولي المصريون الإدارة العليا في بلادهم والتي كانت قاصرة قبل ذلك علي الأجانب وهذه نقطة مهمة,كما فتحت الباب أمام تمصير التعليم المصري,والذي كان قبل ثورة 1919 تعليما دينيا,ففتحت الباب أمام مدنية أو تمدين التعليم في مراحلة المختلفة,فلم يعد مقتصرا علي الجانب الأزهري فقط,مما فتح المجال أمام المرأة وتعلمها بشكل واسع,كما ساهمت في تحديث مصر وتقدمها في المجالات الفكرية والصناعية والتجارية,ومهدت الأرض لكي نستمر علي أسس صحيحة.
دور المرأة المصرية
أشارت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس إلي دور المرأة الذي برز في القضايا الوطنية,حيث كان خروج النساء أبلغ دليل علي إيمانهن بالثورة واستشهادهن دليلا علي انخراطهن في الحركة الوطنية,وظهرت هذه المشاركة بصورة لم يشهدها المجتمع المصري من قبل.
وأكدت الدكتورة سامية علي أن هذه الروح لابد أن تعود للمرأة المصرية من جديد,وللمواطنين كافة,مسلمين وأقباطا من أجل حياة أفضل,وقالت: لا ننسي الاجتماع الذي عقد في الكنيسة المرقسية في ديسمبر عام1919,ردا علي الإنجليز الذين كانوا يقومون بالوشاية والتفرقة بين عنصري الأمة.
الاحتقان الطائفي
أما الدكتور عبد الرحمن أبوعميرة عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر قال إن الوحدة الوطنية تتحقق بالتزام كل من المسلمين والمسيحيين في مصر,كل بتعاليم دينهم وتعاليم الأديان السماوية سواء الإسلام أو المسيحية تحض علي التسامح والبعد عن التعصب وقبول الآخر,أما ما يحدث الآن فهو حالة من الشقاق وعدم التوحد,مما أدي إلي الفرقة وإحداث العنف والاحتقان الطائفي التي تظهر من وقت لآخر,فلابد من العودة إلي الدين حتي تتحقق الوحدة الوطنية الحقيقية بين قطبي الأمة.
الوضع الحالي
أما فتحية العسال الكاتبة الصحفية فضلت أن تتحدث عن الواقع المصري الحالي أكثر من وقت ثورة 1919 بقولها: المجتمع المصري تاريخه يكمن بداخله وكذلك ثورة 1919 سكنت قلوب جميع المصريين,لكن الشعب المصري قادر علي التطور الدائم,ولكن نحن الآن في أشد الاحتياج إلي تحقيق أهداف ثورة 1919 التي تحقق لنا الكثير من المطالب ويأتي في مقدمتها الاستقلال الاقتصادي وأهمية وضع قانون يحجم الاستثمار الأجنبي المسيطر علي السوق المصرية,كما أننا في أشد الحاجة إلي إلغاء القوانين المقيدة للحريات ومن حق الجميع المطالبة بالديموقراطية.
وعن المرأة قالت العسال: بعد 90عاما علي مرور ثورة 1919 حدثت نكسة للمرأة,فأصبح دور المرأة مختزلا فقط في الزواج وإنجاب الأطفال وهذا غريب علي ثقافة المجتمع المصري,ويرجع ذلك نتيجة سفر الأزواج للخارج خاصة الدول العربية,مما جعل الرجل متأثرا بثقافة الخليج التي فيها المرأة تمكث في البيت وليس لها أي دور في المجتمع.
أما عن المواطنة فأشارت العسال إلي إصابتها أيضا بالنكسة بسبب الفتن الطائفية والجميع لا يتذكر التاريخ الذي يقول إن الكنيسة لابد أن تكون بجوار المسجد,وعلي المصريين أن يدركوا أن الديانات السماوية كافة تحثنا علي الإخاء والمساواة وقبول الآخر,فلماذا تحدث تلك الفتن؟!,وأطالب الجميع بأن يدعو إلي المواطنة حتي تزدهر مصرنا الحبيبة.