أنا باضرب ابني علشان أربيه.. الولد اضطر يسيب المدرسة ويشتغل في ورشة علشان يساعد أمه الأرملة. البنت اتجوزت قبل ما تكمل تعليمها علشان تخفف الحمل علي أبيها الفقير.. المدرس ضرب التلميذ ضربا مبرحا لأنه أصلا مضغوط في عمله ومش واخد حقوقه.. البنات بيتعرضوا للتحرش لأن الشباب مكبوت ومش قادر يتجوز.. الأم اضطرت تختن بنتها علشان ضغط حماتها.. هذه بعض من أشكال العنف الكثيرة التي يواجهها الأطفال تحت حجج ومبررات واهية.. وفي أحدث دراسة قامت بها الأمم المتحدة عن العنف ضد الأطفال علي مستوي العالم قالت إنه ليس هناك عنف مبرر.
وفي منتدي المجتمع المدني العربي للطفولة الذي عقد مؤخرا بالقاهرة وحمل عنوان المعرفة من أجل الحق أراد المشاركون أن يكسروا حاجز الصمت الذي يحول دون كشف أشكال العنف العديدة التي يتعرض لها الأطفال, وهذا ما قاله د. حسن البيلاوي المشرف العام علي المجلس العربي للطفولة والتنمية. إذ اعتبر أن هذا المنتدي العربي أحد آليات متابعة مسار العمل العربي من أجل الطفولة, فالمنتدي الأول الذي عقد بالمغرب في عام 2001 استهدف استعراض أوضاع الطفل العربي واستشراق الأهداف ووضع البرامج, في حين جاء المنتدي الثاني في القاهرة 2005 يستعرض تجارب المجتمع المدني لصالح من أجل الأطفال, بينما ركز الملتقي الأخير علي دور المجتمع المدني في كسر حاجز الصمت ضد قضايا العنف ضد الأطفال ودوره في جمع البيانات لاستخدامها في التخطيط الواقعي لبرامج حماية الأطفال.
لفت نظري الدراسة التي عرضتها السيدة مارتا سانتوس الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال, إذ كشفت أنه بالرغم من قصور قاعدة البيانات حول حوادث العنف ضد الأطفال فهناك ما بين 500 مليون إلي 1.5 مليار طفل حول العالم يتعرضون للعنف سنويا (!!), وأن 85% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سنتين إلي 14 سنة يتعرضون للإيذاء البدني والنفسي, وفي بعض الدول يتعرض ثلث الأطفال إلي الضرب بوحشية وعنف, والمشكلة الأكبر أن الأطفال يتعرضون إلي العنف في المدارس والمنازل من أشخاص يثقون فيهم أو بمعني أدق مسئولة عن رعايتهم وحمايتهم, بينما تتعرض الفتيات لمخاطر من نوع آخر مثل التحرش والاستغلال الجنسي, والزواج في سن الطفولة, وممارسات أخري ضارة مثل الختان أو القتل من أجل الشرف.
واعتبرت الدراسة أن وضع تشريعات ملزمة لحماية الأطفال من الأمور الحاسمة لمنع العنف, مع العلم بأن هناك 25 دولة علي المستوي العالمي فرضت الحظر القانوني الشامل لكافة أشكال العنف ضد الأطفال, وعديد من الدول تسير نحو تحقيق الهدف.
وقامت دول كثيرة بتعديلات علي القوانين لحماية الأطفال من التعرض لأشكال محددة من العنف مثل التهريب والاستغلال الجنسي والعنف في المدارس والزواج القسري والمبكر وختان البنات واستخدام العقاب البدني.
كلنا يعرف أن التعديلات التي أجريت حول قانون الطفل المصري لسنة 2000 جرمت بعض أشكال العنف المتجاهلة قبلا مثل ختان البنات, وجرمت الزواج المبكر بل ورفعت سن الزواج للبنت إلي 18 سنة مثل الولد وقصد من ذلك أن تكمل البنت أقل تعليم وهو الدبلوم أو التعليم الثانوي وللحق فإن هناك متابعة لمحاولات خرق هذه القوانين وتم ضبط عدة مخالفات لسن الزواج وأيضا لختان البنات وربما ساعد خط نجدة الطفل الذي أنشأ المجلس القومي للطفولة والأمومة 16000 بلاغ عن هذه المخالفات ومازال كل مواطن عليه واجب الإبلاغ علي هذا الخط بأي عنف يرصده في شارعه أو بين جيرانه ضد أي طفل.
ولن ننسي أن مقترح تجريم ضرب الأبناء من أولياء الأمور لم يجد طريقة للنور وسط ثقافة مجتمع مازالت تعتقد أنه من حق الآباء ضرب أبنائهم لتقويمهم وتربيتهم ونسنيا أن العنف الأسري من أسوأ أنواع العنف وأشدهم ضررا علي نفسية الأبناء لأنه يصدر عن اليد المسئولة عن الحماية, فإذا تعرض الطفل لأي عنف خارجي يلجأ إلي أهله ليدافعوا عنه أما إذا صدر من الأهل فإلي من يلجأ؟! ونتناسي أن العنف والقسوة ضد الأبناء يفرز شخصية إما ضعيفة مقهورة لا تشعر بكرامتها ومن ثم لا تستطيع أن تكون لها أية مبادرات ولا ابتكارات أو شخصية عدوانية تسقط قهرها علي آخرين وتهدد أمن المجتمع.. إن نظرة حازمة من أم تغدق أطفالها حنانا أقوي في العقاب من صفعة قلم.. إن كنا ندرك كأهل أن عقاب أبنائنا هدفه هو تقويمهم وليس إذلالهم.
[email protected]