علي امتداد الأيام الماضية دخلت مشكلة مطرانية الأقباط الأرثوذكس بمغاغة والعدوة منعطفا دقيقا, حتي بدا الأمر للمراقبين أن دخانا كثيفا يكدر العلاقة بين الكنيسة والمحافظة… الأمر لا يخرج عن مجرد خلاف في وجهات النظر بين الدكتور أحمد ضياء الدين محافظ المنيا وبين نيافة الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة إحدي الإيبارشيات الخمس التابعة لمحافظة المنيا… بين تعدد التصريحات وتضاربها ذهبنا نبحث عن الحقيقة…
* * كانت البداية صباح الخميس قبل الماضي -22يوليو2010- عندما عقد مجمع كهنة إيبارشية مغاغة والعدوة اجتماعا طارئا حضره 74 كاهنا ووكيل المطرانية وأسقف كرسي مركزي مغاغة والعدوة, ناقشوا فيه موقف محافظ المنيا بشأن كنيسة المطرانية وملحقاتها بمدينة مغاغة, ووجه المجتمعون استغاثة موقعة من جميعهم إلي الرئيس محمد حسني مبارك وإلي كل المسئولين في الدولة وعلي جميع المستويات -تنفيذية وسياسية وحزبية- يستغيثون من التصرف الغريب لمحافظ المنيا بوقف التراخيص الخاصة بكنيسة المطرانية وملحقاتها. بالرغم من أن هناك اتفاقا كتابيا وشفاهيا بين المحافظة والمطرانية منذ مارس الماضي, وقامت المطرانية من جانبها في أعقابه بالوفاء بالتزاماتها من حيث هدم مبني الكنيسة القديمة بالكامل وإقامة خيمة فوق الأرض تقام فيها القداسات وترفع من داخلها الشعائر الدينية, كما قامت من جهة أخري بتسديد رسم الرخصة وجزء من التأمين علي المباني… يري الأسقف أن المطرانية أوفت بالتزاماتها, وأنه عاني والشعب القبطي الكثير علي امتداد الشهور الأربعة الماضية في انتظار خروج الترخيص ببناء الكنيسة الجديدة من مكتب المحافظ والبدء في تحقيق حلمهم في كنيسة جديدة بعد أن عاشوا لسنوات طويلة تحت أطلال كنيسة آيلة للسقوط… ومع ذلك يبقي كل هذا مجرد نصف الحقيقة.
* * *
* * النصف الآخر للحقيقة فيما يراه المحافظ الدكتور أحمد ضياء يري أن المطرانية لم تف بالتزاماتها, فسور المطرانية مازال قائما, رغم علمه أن المطرانية أزالت أكثر من أربعة عشر مترا من طول السور, واستمر هذا الجزء الكبير متهدما لثلاثة شهور قبل أن تشرع المطرانية في هدم باقي السور, إلا أن المطرانية عادت مضطرة إلي بناء ما سبق هدمه ليس حفاظا علي السور ولكن حفاظا علي ممتلكاتها بعد أن تكشف تسلل اللصوص من الجزء المهدوم وسرقة المعدات المشونة داخل الأرض الفضاء وبعض محتويات الخيمة ومع هذا لا يري المحافظ في ذلك سببا للإبقاء علي السور, ويصر علي هدمه بالكامل… وهكذا تبقي الحقيقة تائهة…
* * *
* * هذا جانب من الحقيقة… الجانب الثاني أن المطرانية بعد إزالتها للكنيسة بالكامل أبقت علي المبني القديم لأسقف الإيبارشية -وهو بيت صغير متهالك مازال يحتفظ فيه بسريره وأمتعته الشخصية, فضلا علي كل مستندات وسجلات المطرانية- كما أبقت علي عدد من دورات المياه, لحين الانتهاء من بناء المبني الجديد… والمطرانية من جانبها تري أنها في هذا لم تخالف بندا من بنود الاتفاق, فليس ثمة مكان يمكن أن يقيم فيه الأسقف غير أرض المطرانية, وهو أب راهب بتول وممثل لقداسة البابا رأس الكنيسة القبطية في إيبارشيته, وقد قبل بكل تواضع النساك أن يقيم في هذا المكان لحين الانتهاء من بناء بيت جديد لنيافته, فضلا عن أن الأنبا أغاثون -كما قال لي- استأذن المحافظ أثناء الاتفاق وأمام جميع الأطراف الحاضرة في الإبقاء علي سكنه, ووافقه المحافظ مشكورا…. من هنا فإن الأسقف يري أنه ليس ثمة خرق لأي اتفاق… وعلي الجانب الآخر يري المحافظ أن بقاء غرفة المطران يعني بقاء المطرانية, ولا يجوز أن تبقي مطرانيتان متجاورتين!!!.
* * *
* * بعد عرضنا لوجهتي النظر في محاولة الوصول للحقيقة يبدو أن الأمر متروك للمحافظ والأسقف والحكماء من أبناء المنيا -للتفاهم حوله وإنهائه- إلا أن ما أغضب الأسقف أنه بعد أن حصل علي موافقة مجلس المدينة في أول يونية الماضي, وبعد أن قامت المطرانية بسداد رسوم الرخصة وجزء من التأمين علي المباني, فوجئ بأن المحافظ أعطي تعليمات للإدارة الهندسية بإيقاف التراخيص!!.
* * من هنا كان اجتماع مجمع كهنة إيبارشية مغاغة والعدوة صباح الخميس قبل الماضي… ومن هنا كانت الاستغاثة التي بعثوا بها إلي السيد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزيري الدولة للتنمية المحلية والشئون القانونية يطالبونهم بالتدخل وحل الأزمة بصورة عاجلة ومحاولة إقناع المحافظ بالتصريح ببناء المطرانية.
* * عن الوقفة الاحتجاجية قال نيافة الأنبا أغاثون: لم تكن أمامنا وسيلة أخري لنعبر بها عن مشاعر غضبنا وليصل صوتنا إلي المسئولين, هذه الوقفات كانت معبرة عن غضب الشعب القبطي, وقد زارني خلال هذه الوقفات الإخوة الأساتذة علاء حسانين وعيد لبيب وعبد الوهاب كريم ومحمد غرياني أعضاء مجلسي الشعب والشوري, ومن القيادات الأمنية العميد أحمد شكري مدير المخابرات العامة والأمن القومي بالمنيا… وشاهدوا كل شئ علي الطبيعة, وأبدوا اقتناعهم بموقف المطرانية, ووعدوا بالذهاب إلي المحافظ للتفاوض في إنهاء الأزمة, ولكنهم ذهبوا ولم يعودوا, فيما عدا الدكتور غاندي قسطور الأمين المساعد للحزب الوطني بالمنيا الذي ظل يعمل كالمكوك بيني وبين المحافظ, ولكن كل محاولاته لم تجد, فالمحافظ مصر علي موقفه… وأضاف نيافته أنه التقي في العاشرة مساء الثلاثاء الماضي مع الدكتور زين الأطناوي رئيس لجنة الصحة بالمحافظة وأمين عام الشباب بالحزب الوطني علي إنهاء الأزمة, واستمر الاجتماع لأكثر من ساعتين وتركه علي وعد بانفراج الأزمة.
في خضم هذه التداعيات المتسارعة حدثت مفارقة غريبة… ففي الوقت الذي كان نيافة الأنبا أغاثون مجتمعا مع العميد أحمد عبد التواب مفتش مباحث أمن الدولة, وبحضور العقيد أحمد الجعلي مسئول الشئون الدينية بأمن الدولة في محاولة لتقريب وجهات النظر… في نفس الوقت -صباح الخميس الماضي- كان الدكتور أحمد ضياء يستقبل بديوان عام المحافظة نيافة الأنبا جوارجيوس أسقف مطاي -إحدي إيبارشيات محافظة المنيا- وعقب اللقاء خرج من مكتب المحافظ بيان هذا نصه وافق الدكتور أحمد ضياء الدين محافظ المنيا علي الترخيص بإقامة مبني إداري تابع لمطرانية مطاي علي مساحة 870 مترا ويتكون من دور أرضي وأربعة طوابق علي ارتفاع 23 مترا يستخدم كسكن لمطران مطاي ومكاتب إدارية علي أن تراعي كافة الاشتراطات الإنشائية والهندسية طبقا لأحكام القانون 119 ولائحته التنفيذية, وكلف المحافظ رئيس مدينة مطاي بإنهاء كافة إجراءات التراخيص الخاصة بالمبني الجديد للبدء الفوري في إنشائه. انتهي البيان ولكنه أثار العديد من التساؤلات!!.
نحن لا نشك في أن محافظ المنيا يريد أن يرضي الأقباط فكلهم أولاد المنيا وأبناء مصر ونأمل أن تلتقي وجهات النظر وأن تنقشع السحابة السوداء من فوق سماء المنيا.