الفن عموما والجداريات خصوصا هي شكل قوي من أشكال الاتصال الاجتماعي حيث يمكن تقبل هذه الأعمال بغض النظر عن درجة التعليم أو الأصل أو اللغة… فالجداريات فن له رسالة مباشرة وملموسة لعامة الشعب في كل مكان وزمان.
المصور الجداري يلعب دورا مهما في المشاركة لإيجاد الحلول التصميمية والتشكيلية في المجالات العديدة مثل واجهات المباني العامة والمدارس والمستشفيات والمصانع والكنائس ذلك علي سبيل المثال لا الحصر, ومن هنا نجد الفنان ناجي رياض استخدم لجدارياته أدوات من قطع الموزاييك الصغيرة جدا والمتناثرة لعمل أجمل الأيقونات الدينية بالكنائس بترتيب وتقنية خاصة جدا وبجمال منقطع النظير.
علي سبيل المثال نجد أن الفنان ناجي رياض أبدع في تكوين هو الوحيد من نوعه من الموزاييك, وفيه يحاكي الفنان قصة المجئ الثاني للسيد المسيح في قبة كنيسة مارجرجس (بميت برة) ببنها ومساحتها 80مترا مربعا, وهي عبارة عن قبة مرتكزة علي أربعة أعمدة بها أربعة مثلثات فوق الأعمدة, والقبة اسطوانية الشكل بارتفاع 2متر, ثم نصف كرة. وفي هذا الموضوع المؤلف من قصة المجئ الثاني سيطر الفنان علي التكوين بأسلوب خاص فقد تعامل مع شخصيات متعددة منذ بداية الخليقة حتي نهاية العالم في إطار تكويني بديع استخرجه من رؤية خاصة خلال الكتاب المقدس.
وكما نري في اللوحة الموضحة نجد الفنان يرتكز أولا في بداية عمل التكوين أسفل قاعدة القبة بدءا بالأربعة البشاير للقديس متي والقديس مرقص والقديس لوقا والقديس يوحنا, رمزا لنا أن هذه القصة المجئ الثاني لم تكن من وحي خياله فحسب بل من الكتاب المقدس الذي يرمز له بالأربعة بشاير, ثم انتقل الفنان لقاعدة القبة الرئيسية وبها 8شبابيك من الزجاج المعشق بالجبس في قاعدة القبة وبين كل شباك والآخر مسافة لا تقل عن متر واحد, فقد اختار الفنان وبعناية فائقة ثمانية أشخاص منهم أربعة في الاتجاهات الرئيسية شرق وغرب وشمال وجنوب وهم رؤساء الملائكة المرسلين من السيد المسيح في نهاية الزمان والأربعة اتجاهات لكي يحصي المسكونة بها ويفرزهم أبرارا وأشرارا.
والأربعة الآخرون هم من العهد القديم موسي وإليا رمز الناموس والمجئ الثاني وبولس وبطرس رمزا للكرازة والكنيسة للعهد الجديد.
ثم انتقل الفنان إلي المركز العلوي من القبة, حيث يأتي السيد المسيح له المجد بقوة وجبروت وسط هالة ضخمة في مركز القبة من الموزاييك الذهب, مشيرا بهذا للمجد الإلهي وتمتد هذه الهالة لتشق القبة الرئيسية إلي أربعة أجزاء وفيه إشارة لعلامة الصليب رمز للخلاص وبهذا تنقسم القبة إلي أربع مجموعات كبري رئيسية بين كل واحد والآخر ضلع من أضلاع الصليب المذهب ليحاكي لنا الفنان قصة المجئ الثاني, ففي الربع الأول العهد القديم صور فيه الفنان آدم وحواء وإفرايم وإسحق ويعقوب ونوح وداود النبي, وفي الربع الثاني العهد الجديد ونري فيه السيدة العذراء في المركز وحولها الاثني عشر تلميذا, والربع الثالث المنتصرين منهم القديسين والشهداء والرهبان, والربع الأخير المنتظرون أمثال كل الشمامسة والرهبان والشعوب التي تسعي إلي السيد المسيح.
وبهذا نجد أن الفنان قد صور وببراعة كيف يأتي السيد المسيح له المجد في المجئ الثاني ببهائه ومجده لكي يحاسب المسكونة منذ بداية الخليقة حتي المنتهي التصميم مترابط والألوان تعبر عن صفاء الشخصيات المنتظرة للسيد المسيح في المجئ الثاني ببهائه ومجده.
أما اللوحة الثانية فهو موضوع ملئ بالحركة والإيقاع وفيه صور الفنان بداية أخري للعالم وهي (لوحة نوح والطوفان) هذه اللوحة في صحن كنيسة مارمينا بدير مارمينا بصحراء مريوط ومساحتها 12مترا مربعا, وفيها نري أن نوح هو الشخصية الوحيدة في اللوحة التي تكتمل كل تفاصيلها, فنراه وهو يمسك بيده اليمني عصي الرعاة واليسري يشاور بأصبعه تجاه السفينة وكأنه يقول هنا تم الخلاص, ويرتدي عباءة حمراء ساخنة وجلباب أزرق رمزا للصفاء الداخلي فبهذا التباين يشير الفنان, كما يشير نوح بأصبعه للانتقال من الظلمة إلي النور من الخطيئة إلي البر من الأرض إلي السماء وتقف خلفه زوجته وكأنها تقول كما قالت السيدة العذراء هوذا أنا أمة الرب, فنري الشخصيات تدور في فلك اللوحة من أسفل إلي أعلي بشكل دائري لتصل في النهاية إلي الأمان إلي الفلك, فتسير كل الشخصيات في اللوحة اثنين اثنين أولاد نوح زوج وامرأة, والحيوانات ذكر وأنثي في نسق عجيب فتصغر شيئا فشيئا حتي تتلاشي فتصل إلي الفلك الكنيسة وهو في قمة اللوحة ونهايتها.
كما لم تكن الشخصيات في اللوحة كاملة المعالم حتي يترك الفنان للمشاهد العنان لخياله لكي يري ويعمق أن هذا التكوين ممتد ولم يحكم بإطار, كما نري أن التباين في اللوحة من حيث اللون والحجم يعطي إيقاعا قويا لنهاية مرحلة وبداية أخري, كما نري أن الحيوانات المرسلة إلي الفلك تسير بطاعة فائقة ووداعة كما لو كانت هذه الحيوانات تعلم إلي أين تذهب وما هو مصيرها الآتي, أما السفينة بلونها الخشبي فقد استخدم الفنان خامته بشكل جديد, بحث نري أن الألواح الخشبية ممتدة بطول السفينة وقوية وغير مفتتة لكي تصبح السفينة كتلة قوية متماسكة لن تتأثر بالطوفان بل تكون كالقوقعة التي تحمي المحار بداخلها وفي هذه اللوحة أيضا نجد أن الفنان قد استخدم كل الألوان بشكل متناغم تعبيرا منه عن أن العالم كله سوف يدخل إلي الفلك ليبدأ من جديد.
أما عن الزجاج المعشق هذا الفن الجميل الذي يعتمد في رؤيته علي نقاء الضوء المار من خلاله, هذا الفن برع فيه الفنان ناجي رياض من خلال عمل الأيقونات المستديرة حول كاتدرائية مارمينا بمريوط للقديسين والشهداء.
كما برع الفنان في تكوينات جديدة لمراحل قصة السيدة العذراء بدير العذراء بالبياض ببني سويف وفيه صور الفنان حياة العذراء مريم من الولادة حتي التجلي بأشكال مبتكرة جديدة من الزجاج المعشق.