يوصينا معلمنا يعقوب الرسول قائلا: ##احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة,عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرا. أما الصبر فليكن له عمل تام, لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء## (يع 1:2-4).
نوعان من التجارب :
هناك نوعان من التجارب 1-تجارب من الشيطان.2- تجارب بسماح من الله.
أولا: تجارب من الشيطان:
وهي التي تدفعنا إلي ارتكاب الخطيئة, لهذا نصلي قائلين: ##لا تدخلنا في تجربة, لكن نجنا من الشرير##(مت 13:6) هذه التجارب ليست من الله, لأن الله منزه عن الشر ##وهو لا يجرب أحدا## (يع13:1). أما التجارب القادمة من عدو الخير, فهي التي تغرينا بارتكاب المعاصي, التي تفصلنا عن الله, وتحتاج إلي توبة صادقة, واعتراف أمين, والرب يسوع وعدنا علي لسان معلمنا يوحنا الحبيب: ##يا أولادي, أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب, يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط, بل لخطايا كل العالم أيضا## (1يو 1:22).
ثانيا: تجارب يسمح بها الله:
مثل المرض والفشل والاضطهادات والخسارة المادية والرسوب في امتحان… إلخ. وهذه التجارب يسمح بها الله, لكي يبني حياتنا الروحية, ويفطمنا عن هذا العالم المادي الفاني, لنتجه بقلوبنا إلي العالم الروحي السمائي. هذه هي التي يقصدها معلمنا يعقوب بقوله: ##احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة## (يع 2:1) ويؤكد لنا أن هذه التجارب هي التي تمنحنا الصبر, والصبر يجهزنا بعمل داخلي مقدس, لحياة أمينة علي هذه الأرض, تمهيدا لحياة أبدية في السماء.
أهداف هذه التجارب:
إن الله يسمح لنا بتجارب مؤلمة, أثناء مسيرتنا علي هذه الأرض بأهداف مقدسة, نذكر منها:
1- التتويب 2-التنقية 3- التزكية 4- الوقاية.
1- التتويب: أي الدعوة للتوبة, فالإنسان حينما يقابل تجربة من هذا النوع, ينتبه أنه بعيد عن الله, ومحتاج إلي التوبة, فيلجأ إلي أبيه في الاعتراف, معلنا توبة أمام الله قائلا: ##أخطأت إلي السماء## (لو 18:15) وحين ينال التحليل من فم الأب الكاهن, يسمع قول الرب: ##مغفورة لك خطاياك## (مت 2:9)
2- التنقية: فلا يوجد أحد بلا خطية, أو معصوم من الخطأ. نحن نجاهد ضد الخطية كي لا نسقط, ولكن ##إذا سقطت أقوم##(ميخا 8:7) وحتي بالنسبة للأتقياء, أحيانا يصابون بالإحساس بالبر الذاتي, أو يحتاجون إلي التنقية من الشهوات والميول السلبية, كما قال الرسول: ##ويحي أنا الإنسان الشقي! من ينقذني من جسد هذا الموت ##(رو 24:7) كان أيوب كاملا وصالحا وبارا, لكن لأنه كان يحس بأنه بار, سمح الله بأن يدخل في تجارب متنوعة, مثل وفاة أولاده, أو خسارة ثروته, أو مرضه الجسدي, ذلك لكي ينقيه من البر الذاتي فصرخ قائلا: ##بسمع الأذن قد سمعت عنك, والآن رأتك عيني, ذلك أرفض (أرذل نفسي) وأندم في التراب والرماد ## (أي 42:6.5) وهكذا تنقي أيوب من البر الذاتي, وصار مثالا لنا: ##قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب. لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف ## (يع 11:5).
3- التزكية: وهذه التجارب يسمح بها الله, لكي يتزكي أولاده في محبتهم له, وتسليمهم حياتهم ليده الأمينة. ومثل ذلك تجربة أبينا إبراهيم, حينما طلب منه الله أن يقدم ابنه الوحيد إسحق ذبيحة له. فلم يتأخر واثقا أن الله يجب أن يطاع مهما طلب, لأنه يأمرنا من أجل خيرنا. وكان واثقا أيضا أن وعد الله صادق إنه إسحق هو ابن الموعد, وسينجب نسلا كثيرا. إذن, فالله قادر ##الله الذي يقيم الأموات##(2كو1:9) لهذا قدم إبراهيم إسحق في رضا تام, مما جعل الرب يشهد له قائلا: ##لا تمد يدك إلي الغلام ولا تفعل به شيئا لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني( تك 12:22) وأرشده إلي الخروف الذي قدمه محرقة عوضا عن إسحق ابنه. ودعا إبراهيم المكان ##يهوه يرأه## أي ##الرب يري (تك 14:22) وهذا ما ذكره لنا الرب يسوع حين قال لليهود: ##أبوكم إبراهيم تهلل بأن يري يومي فرأي وفرح… قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن## (أنا يهوه,أنا الرب) (يو 8:58.56).
4- الوقاية: وهذا هدف رابع من أهداف التجارب التي يسمح بها الله, وهو هدف الوقاية. ونقصد بذلك الوقاية من الكبرياء, وكمثال علي هذا النوع من التجارب, نذكر معلمنا بولس الرسول حين قال: ##لئلا أرتفع بفرط الإعلانات, أعطيت شوكة في الجسد, ملاك الشيطان, ليلطمني لئلا أرتفع##(2كو12:7) أي أن الله سمح بأن يصاب بولس الرسول بمرض, جعله ينسحق ويتضع, خوفا عليه أن يستكبر بسبب نجاحاته في الخدمة وفي الإعلانات الإلهية له. البعض يري أن هذه الشوكة كانت ##حمي الملاريا## أصيب بها في إحدي جولاته, والبعض يراها ضعفا شديدا في الإبصار, إذ كان يملي رسائله علي آخرين, وإذا ما كتب بيده يكتب ##بأحرف كبيرة##.. لكن أرجح الآراء أنها قروح في يديه ورجليه, كانت تستدعي ##غيارات## مستمرة. والعجيب أنهم كانوا يأخذون الخرق, ويضعونها علي أجسادهم, فكانوا يبرأون ##كان الله يصنع علي يدي بولس قوات غير المعتادة. حتي كان يؤتي عن جسده بمناديل أو مآزر إلي المرضي فتزول عنهم الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة منهم## (أع19:11-12).
هذه بعض أهداف الآلام والتجارب, التي يسمح بها الله لنا, كفقد الأعزاء, أو استشهاد الشهداء, وهي كلها تدفعنا إلي التوبة, والنقاوة, والاتضاع, لكي نتزكي أمام الله بنعمته, لأنه ##كيف يتبرر الإنسان عند الله وكيف يزكو مولود المرأة## (أي 25:4).