رغم موافقة اللجنة التشريعية بمجلس الشعب علي مناقشة قانون محاكمة الوزراء من حيث المبدأ,إلا أن هناك عددا كبيرا من نواب المعارضة والمستقلين أبدوا مخاوفهم من تجاهل البرلمان لمثل هذه القوانين,ووضعها في الأدراج دون أن يتم إقرارها وتفعيلها,وهذا يرجع إلي هيمنة الحزب الوطني ,واختيار الوزراء تبعا لرغباته وسياساته,وبالتالي ستظل الأمور علي ما هي عليه.
قدم ثلاثة نواب بمجلس الشعب مشروعات قوانين لمحاكمة الوزراء,تضمنت حق رئيس الجمهورية ومجلس الشعب في إحالة الوزير للمحاكمة عما يقع منه من جرائم أثناء تأدية أعمال وظيفته, ويوجه له مجلس الشعب الاتهام بتوقيع عدد معين من النواب, ولا يحول وقف الوزير من العمل أو انتهاء خدمته دون إقامة الدعوي عليه أو الاستمرار فيها, وتكون محاكمة الوزراء وضماناتها والعقوبات التي تفرض عليهم مبينة بالقانون.
حاولنا من خلال هذا التحقيق التعرف علي رؤي مقدمي المقترحات,وأهميتها,والعائد الذي سيعود علي المجتمع جراء إقرار مثل هذا القانون.
قانون للمحاكمة
من جانبه قال جمال زهران عضو مجلس الشعب إن مشروع القانون هو محاولة لتفعيل المادة (159) من الدستور التي تنص علي سلطة رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان في تقديم الوزراء للمحاكمة,ورغم وجود قانون صدر أثناء الوحدة مع سورية عام 1958 لمحاكمة المسئولين إلا أنه لم يطبق وبالتالي لابد من وضع قانون جديد,ويستشهد بتجربة اليمن التي يوجد بها قانون لمحاكمة كبار رجال السلطة التنفيذية في الوقت الذي لا يوجد فيه مصر مثل هذا القانون,وهو ما دعاه إلي التقدم بمشروع قانون لمجلس الشعب.
أشار زهران إلي أن وجود قانون لمحاكمة رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم أمر مهم , وأن مشروع القانون أحيل لمجلس الشوري ومع ذلك سيظل حبيس الأدراج حتي تنتهي الدورة البرلمانية,ولو حدث ذلك سيقوم مرة أخري بتقديم طلب لتجديد مشروع القانون.
من جانبه قلل الدكتور أحمد أبو بركة عضو مجلس الشعب من أهمية موافقة اللجنة التشريعية بمجلس الشوري علي قانون محاكمة الوزراء ,خاصة وأن المشروع تقدم به أكثر من نائب خلال السنوات الست الماضية, وكان يتم الموافقة عليه من اللجان, وتظل المماطلة في عرضه في الجلسة العامة لإقراره حتي ينتهي دور الانعقاد ويتم إجهاض مشروع القانون, وتعاد الكرة من جديد بعرض المشروع علي اللجان.
أضاف أبو بركة أنه## لو كانت الحكومة جادة بالفعل في محاكمة وزرائها المفسدين فلماذا لا تسارع إلي عرض مشروع القانون علي مجلس الشعب ثم تطرحه علي الجلسة العامة؟وتساءل هل تمثل هذه الخطوة صعوبة لديها؟ ألم تقم الحكومة مرارا بتمرير قوانين أشد حساسية وتعقيدا من هذا القانون في يوم أو يومين؟##.
إحالة الوزير للمحاكمة
أوضح الدكتور إبراهيم العناني أستاذ القانون الدستوري أن المادتين 159 , 160 اللتين أضيفتا إلي الدستور في التعديلات الدستورية الأخيرة تستلزمان ضرورة إقرار قانون جديد لمحاكمة الوزراء ,مشيرا إلي أن المواد المذكورة تؤكد علي حق رئيس الجمهورية ومجلس الشعب في إحالة الوزير للمحاكمة عما يقع منه من جرائم أثناء تأدية أعمال وظيفته ,ويوجه له مجلس الشعب الاتهام بتوقيع عدد معين من النواب,ولا يحول وقف الوزير عن العمل أو انتهاء خدمته دون إقامة الدعوي عليه,أو الاستمرار فيها,وتكون محاكمة الوزراء وضماناتها والعقوبات التي تفرض عليهم مبينة بالقانون.
من جانبه أكد المستشار رجاء العربي رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشوري أن هناك ضرورة لإصدار قانون محاكمة الوزراء ,خاصة وأنه من القوانين المكملة للدستور,ومن حق أعضاء اللجنة التشريعية بالمجلس تقديم اقتراحات جديدة تضاف علي اقتراحات نواب الشعب حتي تقدم اللجنة مشروعا متكاملا إلي المجلس لإقراره في إطار اختصاصاته الدستورية,وأوضح وأن موافقة هيئة مكتب اللجنة علي ضرورة إصدار قانون محاكمة الوزراء بعد انتهاء العمل بالقانون القديم الصادر في عام 1958 أيام الوحدة مع سورية,مشيرا إلي أنه طلب من وزير العدل موافاة اللجنة بالقوانين المماثلة في الدول العربية والأجنبية حتي يتم الأخذ بها أثناء صياغة القانون.
أكد العربي أن عدم تطبيق قانون محاكمة الوزراء الحالي لا يعني وجود فراغ تشريعي, مبينا إمكانية محاكمة الوزراء طبقا للقانون العادي,مستندا إلي أحكام محكمة النقض التي صدرت خلال محاكمة كل من الوزيرين السابقين أحمد سلطان وأحمد نوح, حيث تضمنت حيثيات الحكم أن محاكمة الوزراء من اختصاص القضاء العادي.
فحص البلاغات ضد الوزراء
شدد علاء عبد المنعم##نائب مستقل## علي أهمية وجود قانون لمحاكمة الوزراء وتفعيله,وقال إنه تقدم بمشروع قانون يتضمن 14 مادة تشمل تشكيل لجنة تحقيق من ثلاثة قضاة لفحص البلاغات التي تقدم مكتوبة ضد الوزراء وتخطر بها النائب العام, ويعتبر الوزير في إجازة بمرتب كامل من تاريخ إبلاغه بقرار المحكمة. كما تضمن المشروع تشكيل محكمة خاصة من سبعة أعضاء من بينهم 4 قضاة وعضوان من مجلس الشعب وعضو من مجلس الشوري .
من ناحية أخري أكد حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان علي ضرورة إقرار قانون لمحاكمة الوزراء,لترسيخ مفاهيم الديموقراطية والحكم الرشيد,وعدم إفلات المخطئين من العقاب موضحا أن المجتمع المصري شهد تعديلات عديدة مؤخرا,وأنه من المفيد إقرار مثل هذا القانون للمساواة بين المواطنين والمسئولين,وعدم التمييز بينهم.
ترسيخ مفاهيم الديموقراطية
من ناحية أخري قال نبيل عزت المحامي والباحث بالمعهد الديموقراطي المصري إن مشروع اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة ويشمل ذلك أيضا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء ونوابهم خطوة جيدة وفعالة وإن كانت متأخرة في ظل هذه الأوضاع التي يعيشها المجتمع من كوارث تحدث بصفة دورية مرورا بتردي الأوضاع الاقتصادية دون محاسبة أي مسئول عن هذه الأخطاء مما رسخ في الأذهان أن الوزراء في مصر معصومون من المحاكمة والحساب كما أنهم لا يستقيلون ولا يعترفون بأخطائهم ,كما أن هذه الظاهرة لا تحدث للأسف إلا في مجتمعنا, في ظل تخمة القوانين الموجودة وغير المفعلة.
أشار عزت إلي أنه إذا استقال أي وزير فلابد أن تكون هذه الاستقالة ليست من باب المسئولية والاعتراف بالخطأ بل حفظا لماء الوجه للنظام السياسي ,أو لدوافع سياسية كما حدث في عام 1971 بإحالة عدد من الوزراء للمحاكمة في محاكم خاصة والمعروفة بمراكز القوي بعد هذا الحادث الاستثنائي, وبعد مرور 40 عاما لم يتم تقديم أي وزير للمحاكمة حتي الآن رغم الانحرافات التي شابت عمل بعض الوزارات .
ومن المقترحات المقدمة للبرلمان هي تعديل المادة( 1) من الباب الأول من القانون 79 لسنة 1958 لتنص علي##أن تتولي محاكمة الوزراء محكمة عليا تشكل من ستة أعضاء ثلاثة منهم من أعضاء مجلس الشعب,يختارون بطريق القرعة,وثلاثة من مستشاري محكمة النقض يختارون بطريق القرعة,ويختار بذات الطريقة عدد مساو من أعضاء مجلس الشعب والمستشارين بصفة احتياطية##.
وتنص المادة 21 بعد التعديل علي أن##يقوم بوظيفة الاتهام أمام المحكمة ثلاثة من أعضاء مجلس الشعب من ذوي التخصصات الشرعية والقانونية يتم انتخابهم بالاقتراع السري المباشر بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس ويجوز أن يعاونهم أحد أعضاء النيابة العامة لايقل مستواه الوظيفي عن محام عام وذلك استكمال للنواحي الفنية والإجرائية##.
كما تنص المادة 22 من القانون المقترح علي أن## جلسات المحكمة علنية وللمحكمة أن تقرر جعلها سرية إذا اقتضت المصلحة العامة لذلك##,وتنص المادة 28 ## علي أن كل من ثبت إدانته بارتكاب جريمة الخيانة العظمي أو خرق الدستور أو المساس بسيادة واستقلال البلاد أو أي جريمة أخري واردة في هذا القانون أو القوانين النافذة تصدر المحكمة المختصة حكمها بمعاقبته وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة