تحتفل الكنيسة القبطية في اليوم الحادي عشر من شهر طوبة كل عام بعيد الغطاس المجيد(عيد الظهور الإلهي).
وكانت الكنائس القبطية تعيد عيدي الميلاد والغطاس معا في عيد واحد اسمه الإبيفانياباعتبار أن العيدين معا يحملان رسالة واحدة هي استعلان لاهوت السيد المسيح,وفي مصر كان عيد الغطاس عيدا رسميا يشترك فيه حاكم البلاد,وكان ذا شأن عظيم في أيام الدولة الأخشيدية إذ أمر محمد الأخشيدي بهذه المناسبة القومية أن تقام الزينات وتنشر الورود أمام قصره الذي يطل علي نهر النيل,كما أوقد أكثر من ألف مشعل بالإضافة إلي ما يسرجه في هذا الوقت أهل مدينة الفسطاس القديمة من الشموع والمشاعل,إلي جانب العزف الموسيقي علي آلات الطرب المختلفة,وكانت جميع بوابات المدينة تظل مفتوحة لا يتم غلقها حتي إشراقه صباح اليوم التالي للعيد,ويتم تغطيس معظم الناس المشاركين في هذا الاحتفال في نهر النيل سواء كانوا كبارا أو صغارا.أما في عهد الدولة الفاطمية فقد أراد الفاطميون أن يحولوا جميع الأعياد التي يحتفل بها الشعب المصري إلي أعياد رسمية قومية وهي كثيرة للغاية حيث يشترك فيها الخلفاء الفاطميون مع الشعب مثل أعياد الميلاد والغطاس والنيروز وكذلك عيد خميس العهد ويوم الجمعة العظيمة,وكان الخلفاء الفاطميون أنفسهم يخرجون جميعا من خزائهم الخاصة الكثير من الأموال والعطايا الثمينة والشموع,ثم يتم توزيعها علي عامة الشعب وجميع الأفراد المشاركين في الاحتفالات القومية سواء كان هؤلاء الأفراد مسيحيين أو مسلمين بدون استثناء أو تمييز,هذا بالإضافة إلي أنواع الحلوي الفاخرة الكثيرة التي كانوا يقومون بتوزيعها علي الشعب المصري كله,وكان الخليفة الفاطمي يحتفل بهذه المناسبة العظيمة مع الرهبان والقساوسة المشاركين,ويقيمون أيضا القداسات والألحان والتراتيل علي شاطئ نهر النيل,ومع انتهاء القداس الإلهي المقام وسط الشموع والقناديل والفوانيس المضاءة والأنوار الكثيرة يغطس الناس في النهر,ويروي المقريزي في مخطوطاته أنه رأي بنفسه شمعة صنعت في فترات سابقة في عهد الخلفاء الفاطميين في عيد الميلاد المجيد,ثمنها يزيد علي سبعين مثقالا من الذهب.ولعل الخلفاء في الدولة الفاطمية أرادوا من وراء هذا التقليد الجديد أن يظهروا بمظهر العظمة وتحقيق الألفة والمحبة والتأفي بين أفراد المجتمع الفاطمي جميعا سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين.
ومن التقاليد المتبعة في عهد الدولة الفاطمية الخاصة بعيد الغطاس هي خروج الشعب القبطي كله إلي كنيسة الملاك ميخائيل في قصر الشمع وهم يحملون معهم الشموع والمصابيح المشتعلة,ومنهم من يركب الزوارق,ومنهم من يقف علي شاطئ نهر النيل,وكانوا جميعا يحضرون معهم كل ما يمكنهم من الطعام والشراب والملابس الجديدة وآلات الفرح من مزمار وناي.
أما الأفراد الذين كانوا يسكنون ضفاف نهر النيل فكانوا جميعا يقومون في هذه الليلة بإضاءة آلاف المشاعل والأنوار الداخلية في منازلهم,وكان الأسقف والشمامسة يحضرون وهم يرددون الألحان والتراتيل والصلوات,والجميع يحملون معهم الصلبان,وعند شاطئ النيل كان الأسقف يلقي عظته الخاصة بهذا الاحتفال ويدعو للسلطان بعد ذلك ويشكره علي مشاركته معهم,ثم يغطس الشعب في النيل إحياء لذكري عماد السيد المسيح في نهر الأردن علي يد القديس يوحنا المعمدان,جرت العادة أن يضاء سوق للبضائع يطلق عليهسوق الشماعين وأن تفتح كافة حوانيته حتي منتصف الليل حيث لا يكف الشعب القبطي في تلك الليلة عن التسوق والشراء والبيع الذي ينشط وقتها,كما كان يركب صاحب شرطة مدينة الفسطاط في موكب مهيب ضخم توقد فيه الأنوار والمشاعل ويطوف الشوارع داعيا بالحب والألفة والمودة بين قطبي الشعب المصري .
وبشكل عام كانت مظاهر احتفالات الخلفاء الفاطميين في هذا الوقت تقديم أشهر المأكولات والحلوي والفطائر من مطاعم خاصة,فكان لها وقع إنساني وشعبي بين الفقراء والغرباء.وكانت الدولة الفاطمية بالإضافة إلي ما سبق تقدم أثناء طقوس الاحتفالات الخاصة بعيد الغطاس أموالا وفيرة توزع علي أهل الحاجة من الشعب المصري,أي فئة الفقراء والمحتاجين والمساكين علي سبيل الصدقة,واعتادت أيضا أن توزع في هذا اليوم المقدس علي موظفيها الرسميين الليمون والقصب ونوعا معينا من السمك هو السمك البوري تحديدا,ويجب أن يخرج الخليفة الفاطمي بنفسه والوزير معه مشاركين في مشاهدة وممارسة كافة طقوس ومظاهر عيد الغطاس في نهر النيل,وهذه هي مصر واحتفالاتها القومية في عصر الأخشيد والفاطميين.
*المراجع:
**المقريزي -الخطط والآثار-الجزء الأول
**الأعياد والاحتفالات الفاطمية-محمد حسين محاسنة.
**عيد الغطاس في العصر الفاطمي-وطني-2007
**أعداد مختلفة من مجلةالكرمة.