بسم الله الفتاح وكفي بالله معينا..باسمك اللهم نبدأ العمل ومن فيض جودك نستمد,ونشكرك علي ما وفقتنا إليه من الخير ويسرته لنا من عمل صالح…
دلت التجارب الحديثة والمواقف الكثيرة علي أن المرأة كفء لمجاراة الرجل في كثير من شئون الحياة وأعمالها,وقدر الرجل والمرأة قدرها فأخذها يعطيها مكانتها اللائقة في المجتمع بعد أن كانت فيما مضي محتقرة مهانة إلا عند المصريين القدماء-ينظر إليها الرجل نظرة السيد ويراها أقل منه في الخلق والقوة,وبالرغم من التضييق عليها نبغ من الجنس اللطيف كثير,فكن ملكات وكن سياسيات وكن أديبات لاتزال صحفهن وآثارهن المجيدة مرآة العصور…كنت من اللواتي صرفن وقتا ثمينا من حياتهن في التدريس وخلال تلك المدة عرفت ما تحتاجه الفتاة المصرية من العلم والتربية,وكتبت كثيرا في الصحف المتداولة والمجلات النسائية في موضوع المرأة ثم وجدت فراغا كبيرا في عالم الأدب لا يملؤه غير وجود مجلة نسائية مصرية بحتة لترقية الجنس اللطيف,ولتكون ميدانا تتسابق فيه أقلام ربات البيوت من المصريات,فقمت بإنشاء هذه المجلة وأسميتها مجلةالمرأة الجديدة,وذلك بمساعدة كثيرات من سيدات العائلات الشريفة المصرية اللواتي شجعنني ماديا وأدبيا وستكون مباحثتها بمشيئة الله تعالي متضمنة مايساعد علي ترقية العائلة المصرية والتدبير,كما ستشتمل علي ملاحظات أخلاقية,ونبذات تاريخية عن كيفية تربية الطفل وواجب الأمومة,وكل ما يتصل برقي الجنس اللطيف وإعلاء شأنه.
كان هذا نص المقال الافتتاحي في المجلة النسائيةالمرأة الجديدةالتي صدر العدد الأول منها في يناير عام1920.وظلت المجلة تواصل صدورها وعطاءها المتنوع لمدة عشرين عاما تقريبا, فكان العدد الأخير منها في ديسمبر عام1939 حيث توقف تماما عن الصدور بمجرد وفاة صاحبة المجلة ومحررتهابلسم عبد الملك..المجلة شهرية بصورة تصدر في الخامس عشر من كل شهر وتطبع في المطبعة المصرية الأهلية بالقاهرة وتوزع بالقاهرة,عنوان المكاتبات شارع شبرا العمومي رقم199,وتقع في40صحفة بالحجم المتوسط. اشتراكها السنوي تبلغ قيمته ستين قرشا,وتباع للطلبة والطالبات بأسعار خاصة مخفضة تبلغ قيمتها أربعين قرشا فقط.
استقبلتبلسم عبد الملكعبر صفحات مجلتها الجديدة سلسلة من المقالات المهمة الخاصة بأوضاع المرأة المصرية قديما وحديثا لعدد من الكتاب الرجال المؤمنين بالفعل بقضية المرأة,واستقطت أيضا المجلة الكثير من الرائدات والكاتبات المصريات ليعبرن فيها بمنتهي الحرية عن أنفسهن ويبدين رأيهن في كيفية النهوض بحال المرأة المصرية والعمل علي رقيها وتقدمها الدائم.
ففي العدد الأول من المجلة الصادر في يناير عام 1920 مقال عن علاقة الرجل بالمرأة في مصر القديمة يذكر فيه الكاتبجرجس فيلوثاؤس عوض أن المصريين القدماء كانوا يحترمون المرأة ولا يتزوجون إلا بواحدة فقط,وتضمن العدد الثاني من المجلة الصادرة في فبراير عام1920 ردا احتجاجيا من السيدةبلسم عبد الملك علي المقال المنشور في المجلة الأمريكيةTimesفي يناير عام1920 للسيرفالنتين تشيرولبعنوان النساء في مصر.حيث قدم طعنا عنيفا لأوضاع المرأة المصرية بصفة خاصة بناء علي ذلك طالبت السبدة بلسم في ردها بضرورة عقد اجتماع عاجل في بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة,وكانت هذه الدعوة الاحتجاجية بمثابة نواة أساسية لإنشاء جمعيةالاتحاد النسائي المصريوتكوين وفد من السيدات المصريات يمثل المرأة المصرية في مختلف المسائل السياسية والاجتماعية وكافة الشئون العامة الأخري الخاصة بها.
في نفس العدد من المجلة أيضا نشر مقال آخر بعنوانواجبات المرأة نحو الله والوطنللكاتبة تفيدة نظيم,وفي عدد أبريل في السنة الأولي من الصدور مقال آخر بقلم جليلة البحراوي بعنوانالمرأة المصرية ونهضتهاواحتوي عدد فبراير عام1930علي عدد من الموضوعات في نفس الإطار كان أهمها مقال للكاتب أنطون الجميل (رئيس تحرير الأهرام فيما بعد)بعنوانالمصائب محلك الرجال ,مقال آخر للدكتور عبد العزيز بك نظمي أستاذ أمراض العيون الشهير في تلك الفترة,وفي عدد مارس سنة 1930 مقال بعنوانمسألة المرأة موضوع نزاع في جميع العصوربقلم طاهر الطناحي,وصدر آخر عدد من المجلة في ديسمبر عام1939 يحمل اللون الأسود حدادا علي صاحبة المجلة بلسم عبد الملك,وبه رثاء من كريميتها ماري برسوم مديرة المجلة وصوفي برسوم رئيسة التحرير,وكلمة في وداعها بقلم السيدة هدي شعراوي زعيمة النهضة النسائية في مصر.
مجلةالمرأة الجديدةعدد ديسمبر عام1939 وهو عددخاص بمناسبة رحيل السيدة بلسم عبد الملك.
بلسم عبد الملك-رمز المربية والكاتبة-نجيب المنقبادي
ولدت بلسم عبد الملك في صعيد مصر-مركز أبنوب التابع لمديرية أسيوط,وهي تنتمي إلي عائلة ثرية تسمي بعائلة أبي الخير اهتم والداها بتربيتها وتعليمها فالتحقت بمدرسة أخوية الراهبات الفرنسيات التابعة للإرسالية الكاثوليكية الفرنسية حيث نالت أرقي الشهادات الدراسية وأتقنت في تلك الفترة المبكرة من حياتها اللغتين الفرنسية والعربية وعقب تخرجها مباشرة من الجامعة التحقت بمجال التدريس فتم تعيينها في مدارسة بنات طنطا القبطية,وظلت تتدرج في المناصب الوظيفية المتعددة في وزارة المعارف المصرية ليتم تعيينها بعد ذلك ناظرة لمدرسة البنات المرقسية الإسكندرية, وفي الفترة التي تولت فيها بلسم هذا المنصب عملت علي تنظيم عدد من المدارس في محافظات الجمهورية مثل بني سويف والمحلة الكبري والقاهرة وسوهاج.لتجعل منها آية واضحة في الرقي والنظام والتحضر ثم عينت في وظيفة أستاذة فنية في مدرسة النبات السنية الأميرية بالقاهرة.
أقباط في ذاكرة الصحافة المصرية.
كانت بلسم عبد الملك واحدة من أهم وأبرز رائدت العمل السياسي في مصر,وصوتا فعالا من أصوات الحركة الوطنية المصرية في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين, وهي أيضا من أوائل النساء المصريات اللائي شاركن بالخطب والمظاهرات السياسية النسائية التي كانت تلقي في الأزهر والمساجد والكنائس المختلفة,وكانت في كثير من الأحيان تجوب الشوارع والأحياء والميادين مطالبة بالاستقلال التام والجلاء الإنجليزي عن مصر.
صحفيات ثائرات
عن علاقتها الوثيقة بالزعيم الوطني مصطفي كامل نذكر نص الخطبة الوطنية الرائعة التي تحدثت بها بلسم عبد الملك أثناء الاحتفال الضخم بذكراه في يوم13 فبراير عام1920 حيث احتشدت النساء في ساحة الأزهر واعتلت السيدة بلسم المنصة قائلة:كنت عائدة من الإسكندرية إلي مصر في مهمة رسمية تتعلق بعملي المدرسي,وأردت أن أقطع الوقت في القطار بقراءة إحدي المجلات العلمية الفرنسية,وكان الزعيم مصطفي كامل باشا جالسا أمامي في نفس الديوان,فسألني بالفرنسية اسمحي لي ياسيدتي بسؤال صغير إني أري زيك أوربيا وجلستك جلسة سيدة أوربية راقية,تحترم نفسها وفي يدك مجلة فرنسية لي الشرف بصلة الصداقة مع أصحابها ,وفي الوقت نفسه أري وجهك يكاديكون مصريا.فهل حضرت فرنسية فأجبته بالعربية:لي الفخر بأني مصرية صميمة لحما ودما من الآباء والأجداد إلي فجر التاريخ.فوثب واقفا من الدهشة وأبدي استغرابه من وجود امرأة مصرية في زي أوربي في هذا الوقت المبكر وطلب أن يعرف اسمي بعد أن قدم إلي نفسه فأجبت اسمي بلسم عبد الملاك ومهنتي ناظرة مدرسة البنات القبطية المرقسية بالإسكندرية .فاسترسل معي في الحديث العذب والثناء المستطاب ,وقدم إلي رجاء أن يكون اسمي فيما بعدبلسم عبد الملكوليسعبد الملاكبدون إبداء أية مبررات مقنعة فقبلت مغتبطة وصار هذا اسمي من تلك الساعة,ومازلنا نتزاور ونتعايد ونتراسل إلي أن اختاره الله إلي جواره وهو في قمة جهاده…