سؤال: كيف أعطي السيد المسيح للتلاميذ العشاء السري قبل الصلب, لأن العشاء هو نفسه ذبيحة الصليب لغفران الخطايا؟
الجواب:
في الحقيقة بالنسبة للمسيح كواضع السر لأول مرة, وفي نفس الوقت يقول:خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يكسر عنكم, هنا الذي يكسر تعني الذي سيكسر عنكم لمغفرة الخطايا, أو الذي يكسر دائما بلغة الحاضر والمستقبل, يكسر تعني يكسر باستمرار, لم يقل الذي كسر لأنه لم يكن كسر, الذي يكسر باستمرار في الحاضر وفي المستقبل,فالمسيح هو المعطي في كلا الحالين, قبل الصلب وقبل القيامة أو بعد الصلب وبعد القيامة, فهو واضع السر وهو مؤسس السر, وكان لابد في هذا اليوم بالذات أن يقدم هذا السر كبديل عن الفصح, لأنه كان في مجال تقديم الفصح, قدم الفصح وختم هذا الفصح القديم وأعطي البديل عن هذا الفصح وهو العشاء الرباني. ولذلك عمل المسيح في الحقيقة ثلاث عمليات في هذا اليوم, أولا عمل الفصح القديم. ثم غسل الأرجل… وغسل الأرجل دلالة وإشارة إلي بدء العهد الجديد في المعمودية, ولذلك قال:الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلي غسل رجليه بل هو طاهر كله ولهذا السبب أن في طقس اللقان في يوم الخميس العهد تجد تعبيرات الكنيسة عن خميس العهد ليست مجرد النظر إليه كفضيلة غسل أرجل, هذه التعبيرات لو تأملتوها تجدوا أن الكنيسة تري فيها أكثر من أن تكون فضيلة غسل أرجل, إنما تشير إلي المعمودية, ولابد أن الكنيسة رأت في غسل المسيح أرجل التلاميذ تعميدا لهم بيده, لأن التعبيرات أقوي من أن تكون مجرد فضيلة مثل واحد يغسل للضيف رجليه,لدرجة أن هذه التعبيرات تسمي هذا سرا, فتعطيها لقبا أو تعبيرا طقسيا أنه سر, فغسل الأرجل ليس مجرد غسيل عادي, لأن كلام المسيح معناه أن هذا الغسل تم فيه تطهير, ليس مجرد غسل رجلين كفضيلة روحية, أو كما قال أنا غسلت أرجلكم ينبغي أن يغسل بعضكم أرجل بعض كرمز للتواضع, نعم فيها التواضع لكن فيها أقوي من التواضع, وأقوي من الدلالة الروحية ومن الفضيلة نفسها, فيها كلمة التطهير, فطبعا لأن هذا العمل تم بيد المسيح, فكون المسيح يلمس أرجل تلاميذه ويغسلها, هذا شئ رأت فيه الكنيسة أنه أجمل وأعمق من أن تكون فضيلة غسل أرجل, إنما رأت فيها تطهيرا للتلاميذ, ولذلك رأت فيها إرهاصا للمعمودية أو رأت فيها تعميدا من المسيح لتلاميذه, ولذلك طقوس الصلوات فيها كلام عن المعمودية أو فيها إشارة واضحة إلي أن هذا تعميد, وأيضا إلي أن الصلوات فيها كلام عن المعمودية أو فيها إشارة واضحة إلي أن هذا تعميد, وأيضا إلي أن هذا سر. وبعد ذلك قدم العشاء الرباني. فالمسيح تمم الفصح القديم أولا, ختم عليه وبعد ذلك قام عن العشاء وغسل الأرجل, وائتزر بمئزرة, هنا العشاء يقصد به عشاء الفصح, بعد ذلك أخذ كأسا وأخذ خبزا إلي آخره وهذا هو العشاء الرباني.
فالمسيح كان بصدد تأسيس العهد الجديد, ولذلك نسميه خميس العهد, فهو ليس مجرد خميس ولا مجرد أن المسيح غسل فيه الأرجل, بل نسميه خميس العهد لأن به بدأ العهد الجديد, وكان لابد أن يتممه في ليلة آلامه, وبعد أن ختم العهد القديم في الفصح القديم, ختم هنا بمعني أغلق عليه وأنهاه, وفتح العهد الجديد بدمه, ولهذا السبب الكنيسة تتطلب من الرجل والمرأة يوم الزواج أن يتناولا, وهناك تعبيرات أنهما يتناولان مع الإكليل, هذا معني جميل جدا, مربوط بفكرة خميس العهد, لأنه كان معروفا أن الناس تقول:نأكل عيش وملح مع بعض, حتي لا يخونوا بعض, فهنا هذا العهد علي جسد الرب ودمه, فهنا يكون الرباط عظيما بين الرجل والمرأة أنهما يعيشان بالأمانة, لأنهما علي جسد الرب ودمه كان العهد بينهما, فكلمة خميس العهد, لأن هنا عهد جديد يبدأ بسر التناول أو بتأسيس سر التناول, سيدنا له المجد هو المؤسس للعهد الجديد, فأسسه علي هذا الوضع بعد أن ختم العهد القديم, لكي يبين العلاقة بيم الاثنين والرباط الذي بين الاثنين. أما كونه يسلمه قبل الصلب أو بعده؟ هذا لايفرق بالنسبة للسيد المسيح, لأنه هو المعطي وهو الذي يقول وهو الذي يأمر, عندما يقول خذوا كلوا هذا هو جسدي, يكون هذا هو جسده مباشرة, المسألة لا تنتظر بالنسبة للسيد المسيح الارتباط بالقيامة أو عدم الارتباط بالقيامة, قد يكون هذا بالنسبة لنا نحن, لذلك الكهنة في العهد الجديد بدأ عملهم بعد قيامة المسيح, لكن المسيح نفسه باعتباره هو المعطي وهو العطية, هو واهب الخبز وهو الخبز نفسه, وهو موجود, فسواء أكان قبل القيامة أو بعد القيامة ليس لها بالنسبة للمسيح فرق, بل بالعكس كونه أنجزها في الليلة التي أعطي فيها الفصح القديم, أو بعد أن ختم الفصح القديم, تكون أكثر قوة وأكثر فاعلية.
الأمر الثاني كما يبدو لي أن الربط ما بين تسليم المسيح جسده ودمه, وما بين الآلام المقبل عليها, الحقيقة الإنسان عندما يرفع عقله روحيا يشعر بأن عبارة المسيح عبارة مؤثرة, وأنا أحسب أن المسيح وهو يقول هذا الكلام كان يقوله وهو حزين, كما قال نفسي حزينة حتي الموت ففي ليلة الآلام عندما يقول:خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور من أجلكم وفي نفس الوقت في ذهنه هذه الآلام وهو داخل فيها ومقبل عليها, وكما قال الكتاب:خرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه فأنا أريدكم أن تتأملوا بأفكاركم وتذوقوا معني الكلمة في الجو الذي قيل فيه, خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور من أجلكم تأملوها في جوها الحقيقي الطبيعي الذي قيلت فيه, إذن هي مربوطة بالجو الحزين المؤلم الذي كان يختم علي التلاميذ في العلية في ذلك الوقت, عندما يقول:خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم, من غير المعقول كان هناك تهليل, إنما كان هناك حزن, ونفس الكتاب المقدس قال إنهم كانوا متذمرين وهم يسمعون هذا الكلام. الشئ الثاني عندما يقول:خذوا اشربوا هذا هو دمي الذي يسفك من أجلكم هنا علاقة بين الألم والكأس, حتي في قوله لتلميذيه يعقوب ويوحنا,أما كأسي فتشربانها وبالصبغة التي اصطبغ بها أنا تصطبغان.
وهنا يقصد كأس الألم. فهنا توجد علاقة روحية ومناخية وسياقية, بين الكلمة خذوا كلوا هذا هو جسدي وبين الجو الذي كان فيه التلاميذ والمسيح نفسه في هذا الوقت. وأيضاخذوا اشربوا هذا هو دمي الذي يسفك عنكمفطبعا عندما يسلم هذا الجسد في نفس وقت الآلام أفضل مما لو سلمه بعد القيامة, لأنه سيضيع المعني من الألم المقصود هنا, ولهذا السبب أن هذه العبارة أوردها بولس الرسول في رسالته إلي كورنثوس, عندما قال:كلما أكلتم من هذا الخبز وشربتم من كأس الرب تخبرون بموته وبقيامته, ونحن نقولبموتك يارب نبشر إلي آخره. فهنا الربط ما بين التناول والألم, فكون أنه يقدم هذا السر في ليلة الآلام فهذا أكثر منطقية, أن يكون مربوطا بالآلام أكثر مما يكون مربوطا بعد أن يقوم من بين الأموات.