الوحدة الوطنية لا تترجم من خلال مشاركة مسيحية في إفطار رمضاني أو تهنئة إسلامية في عيد مسيحي بل هي واقع معاش كما كان الحال إبان ثورة 1919 التي مثلت العصر الذهبي للوحدة الوطنية وجاء شعارها يحيا الهلال مع الصليبترجمة لواقع الحال,وعريان يوسف سعد نموذج لما كان عليه المصري.
ولدعريانفي25 مايو 1899 في ميت محسن بالقرب من ميت غمر لأسرة أرستقراطية وترتيبه السادس بين إخوته الاثني عشر,دون تاريخ النضال الوطني لإنقاذ المصريين من وقوع فتنة طائفية وانتقل مع أسرته من عزبتها التي نشأ بها في ميت محسن إلي القاهرة,لمواصلة تعليمه الثانوي في المدرسة التوفيقية حيث تفوق في دراسته والتحق بكلية الطب بجامعة فؤاد الأول,وكانت أولي خطوات عريات في طريق السياسة عندما دعاه زميل في مدرسة الطب للذهاب إلي مكتب شقيقه المحامي في القاهرة ليوقع علي عريضة توكيل للوفد المصريحزب الوفد فيما بعدوكانت صيغة العريضة كالتالي:أوكل سعد زغلول ومن معه للسعي في المطالبة باستقلال مصر ما وجد إلي السعي سبيلاوكان ذلك في عام1919 وفوجيء الجميع في شهر مارس من نفس العام بنبأ اعتقال سعد زغلول وصحبه مما أدي لقيام مظاهرة كبيرة من طلبة الجامعات وانضم فيها العمال والتجار وانتهت بالقبض علي 40 طالبا كان من بينهم عريان وبعد12 يوما تم الإفراج عن الطلبة وبينهم عريان يوسف سعد الذ##ي نفذ خطة مع عدد من زملائه للهروب من القاهرة إلي ميت غمر,لقيام حركة جديدة هناك وهذه الحركة كتب عنها الكاتب أحمد بهاء الدين في كتابه أيام لها تاريخ تحت عنوانجمهورية زفتي وكانت زفتي آنذاك إحدي مدن ميت غمر وهي أول مظاهرة تشتعل في ميت غمر بقيادة مسيحيين ومسلمين وانتهت باستقلال ميت غمر.
وفي أكتوبر 1919 تم الإعلان عن قدوم لجنة إنجليزية برئاسة اللورد ملنر وزير المستعمرات البريطانية لبحث مطالب البلاد في مصر وأعلن سعد زغلول من باريس مقاطعتها وهبت الأمة إلي المقاطعة كرجل واحد كحد قول مذكراته التي نشرها حفيده أشرف شنودة ,وأعلن وقتها محمد سعيد باشا- رئيس الوزراء أنه سيستقيل إذا جاءت لجنة ملنروجاء خبر بأن اللجنة في طريقها إلي مصر واستقال سعيد باشا وتم تكليف يوسف وهبة باشا الوزير القبطي في حكومة سعيد- بتشكيل الوزارة فاعترض الأقباط حتي أرسل البطريرك الأنبا كيرلس الخامس وفدا من أعيان الأقباط يرجوه ألا يقبل الوزارة في ذلك الظرف العصيب حتي لايساء الظن بالأقباط وإيقاع الفرقة بين العنصرين ولكن رفض يوسف وهبة لقاء الوفد وقام بتأليف الوزارة ووصلت لجنة ملنر وهاجت البلاد من جديد وقامت مظاهرات الاحتجاج وعقدت اجتماعات في الأزهر والكنائس وفي أحد اللقاءات استشهد خطيب بآية قرآنية وقال بعدها اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين وهنا خاف عريان عليه مسلم وأن دافعه هو الاعتداء الديني ومن ثم تشوه الحركة الوطنية وتظهر مسألة الأقلية والأكثرية وهو ما يتمناه الاستعمار في ذلك الوقت حتي يجد مبررا لبقائه وأدرك عريان يوسف الخطورة وتخيل أنه عنده واجب لازم يعمله وقرر أن يضحي بنفسه ويهب روحه للوطن ويمنع التقارب الذي سوف يحدث بين يوسف وهبة والإنجليز والذي غالبا ما سوف يؤدي إلي الإضرار بالشعب المصري,وحتي ينفذ هذا الفكر رأي الحل أن يغتاله ويسلم نفسه وانضم إلي منظمة اليد السوداء لكي تساعده في تنفيذ فكرته وهي الاغتيال وتوفير السلاح والقنابل اللازمة للعملية وقال لنفسه إنه سينفذ العملية ويسلم نفسه حتي يعلم العالم أن المعتدي ليس من المسلمين وقال لصاحبه من المنظمة أنا ميت علي كل حال إن لم أمت اليوم فأنا ميت حين تدركني الشيخوخة لكن الوطن حي لن يموت واتفق معاه أن يأتيه بمسدسين وقنبلتين لتنفيذ العملية وأخذ عريان يتعرف علي منزل رئيس الوزراء ومواعيد خروجه وعودته والطريق الذي يسير فيه موكبه وكان يسكن في فيلا في شارع الشواربي المتفرع من شارع قصر النيل,وكان يخرج الساعة التاسعة من منزله إلي شارع قصر النيل إلي ميدان سليمان باشاطلعت حرب حالياإلي أن يصل إلي رئاسة الوزراء في لاظوغلي, واختار عريانميدان سليمان باشا مكانا للمواجهة وبالأخص كافيه ريش بالتحرير لكي تكون نقطة الانطلاق لعملية الاغتيال,ووقت تنفيذ العملية جلس في المقهي يراقب الميدان حتي حانت الساعة وجاءت سيارة رئيس الوزراء ووراءها جنديان علي موتوسيكلين من شارع قصر النيل فوقف في وجهها ثم أخذ قنبلة من جيبه ورمي بها السيارة,وفي هذه اللحظة كان السائق يقظا فاستدار بالسيارة وانفجرت القنبلة بجانب العجلة الخلفية وأمسك عريان بالقنبلة الثانية ورمي بها لتنفجر فوق السيارة لكنها انفجرت بعيدا وسرعان ما أمسك به الجنديان وقبل التحقيقات طلب يوسف وهبة باشا أن يري عريان وسأله:لماذا فعلت ذلك؟فقال له عريان:لقد خرجت علي الأمة بقبولك تشكيل الوزارة وحين سأله عن اسمه قال اسمي عريان سعد وأنا طالب طب وقبطي أردت أن أغسل بدمي ودمك ما وصمت به الأقباط بقبولك تأليف الوزارة وفي التحقيقات اعترف عريان بما قام به وأنكر أن يكون أحد قد ساعده في العملية وادعي أنه اشتري القنبلتين من رجل أجنبي لايعرف ملامحه ولا اسمه وتناولت الصحف الحادث باستفاضة وضمن ما جاء في تغطية جريدة الأهرام بتاريخ 16 ديسمبر 1919 أن الجاني شاب في التاسعة عشر من عمره أسمر الوجه واسع العينين طويل القامة نحيل الجسم لايستطيع الناظر إليه أن يحكم بأنه يقدم علي ارتكاب مثل هذه الجريمة.
وباعترافاته في التحقيقات تعاطف معه جميع المصريين واستطاع المحامي بصعوبة أن يعدل اعتراف عريان من تعمد القتل إلي إرهاب رئيس الوزراء لتخفيف الحكم الذي صدر في يناير 1920 أمام المحكمة العسكرية البريطانية بعشرة أعوام مع الأشغال الشاقة وعندما سمع الحاضرون الحكم هتفوا يحيا الوطن تحيا البطولة تحيا التضحيةوقضي أياما عصيبة في السجن حتي أفرج عنه بعد 4 سنوات ضمن من شملهم العفو في وزارة سعد زغلول وقرر أن يبتعد عن السياسة ويتزوج وخرج من السجن وعمره 23 سنة وتزوج بعدها وعمره يقرب من 30 سنة وعاش في القاهرة وعينته حكومة سعد باشا زغلول في مجلس الشيوخ مما فرض عليه السياسة مرة أخري بعدما كان أقلع عنها,وحصل علي رتبةالبكويةثم انتقل إلي جامعة الدول العربية عام 1945 حيث عمل مندوبا لمصر في لجنة مقاطعة إسرائيل وكان ذلك بدمشق حتي عام1957,وأخيرا عمل في مشروع تجاري لإنتاج الورق وتعاقدت معه العديد من الشركات وتوفي عام 1974 بعدما ترك لنا مثالا للتضحية والبذل ليحتذي به كل مصري ويعرف ما سجله لنا التاريخ من ثروة غنية بالوطنية وعن ترابط عنصري الأمة وانصهارها في بوتقة واحدة.
بالتأكيد كلنا عريان يوسف لنحمي وطننا من نار قد تلتهم وحدتنا.