سؤال ممل مكرر: ما الذي حدث لمصر والمصريين؟ في هذا المكان تحدثت قبلا عن ماض كان جميلا عن إخوة وأصدقاء وجيران وزملاء لم نسأل يوما الواحد منهم: ما ديانتك؟ لم يخطر ذلك بالبال أصلا…ما الذي جري لنا؟
حكايات مملة مكررة: عن الجارة المسيحية التي قامت بإرضاع وربما تربية طفل مسلم…, عن الصديق المسيحي الذي قام بنجدة أخيه المسلم…, عن الجار والزميل المسيحي الذي عاش معنا وبيننا بكل الحب…في وطن حارب فيه الجميع معا من أجل الحرية أو الاستقلال…ما الذي تغير فينا؟ حيث ظهر الإسدال مع اختفاء التسامح…وترددت مقولة:الأقلية القبطية؟ سؤال ألقيته علي مسامع كثيرين في عديد من ندوات في مركز ثقافي أوناد اجتماعي: ما المشكلة؟ ولماذا يعاني المواطن المسيحي مشاعر الخوف من الغد…من المجهول؟
*يفترض أننا نعيش في وطن واحد هو ملك للجميع…دون تمييز, أي تمييز, بين مواطن وزميله…ودون تكرار حواديت الأخوة الوطنية…وقصص الوحدة الوطنية…ووجبات الإفطار الوطني لأن تكرارها يصيب المرء بمزيد من الشعور بالملل وربما البله…
دون ذلك دعونا نتساءل: هل المصري المسيحي زائر لمصر؟ هل هوتزانزيت؟ ألا يخدم في القوات المسلحة؟ ألا يسدد ما عليه من ضرائب؟ ألا ينتج ويكافح ويعمل؟ ألا يحاكم ويعاقب إذا أخطأ وفقا للقانون؟ باختصار ألا يحمل الجنسية المصرية؟
*لماذا تهدم له كنيسة؟ لماذا يحرق له مسكن؟ لماذا تقطع له أذن؟ لماذا يقتل له ابن أو زوج؟ ومائة لماذا؟ ثم…لماذا لايعاقب المخطئ سريعا…حيث العدالة البطيئة تمثل ظلما بينا؟ هذا إذا عوقب أصلا!!(والقائمة طويلة ربما كان أشهرها البلطجي المدعو الكموني المسنود من بلطجي أكبر قاتل الأبرياء يوم عيدهم…والذي قيل إنه تم إعدامه أخيرا بعد طول انتظار وتسويف)…وغيره من البلطجية؟, هذه دولة ياحضرات وليست عزبة عائلية!!
لماذا يتنطع فلان مرددا:إللي مش عاجبه يروح كندا أو أستراليا…في إشارة لأي مسيحي يرفض التتميز…هذا وكأن البلد ميراث شخصي لذلك الفلان المتمسح بالدين…
ثم لماذا السكوت عن ذلك المجرم القائل:لن نكون رجالا مالم نحرق كذا…أو نحطم كذا؟ وكأن الرجولة تعادل الإرهاب والدم والحقد والنار والقتل…دون مبرر أو منطق أو ذرة إحساس أو شبهة آدمية…وكأننا في غابة كلها بشاعة وكراهية بغيضة!! في غياب القانون والعقل والمنطق ومبادئ أي عقيدة أو دين!!!
*ما الذي جري لمصر؟ حتي وصلت ووصلنا معها وبها إلي ماسبيرو؟
عشرات القتلي من أبناء وطن كان ذات يوم جميلا؟!…ومئات اليتامي والثكالي والأرامل…ليس دفاعا عن وطن…وإنما بفعل خلل وارد…وخبل ضاغط؟! هذه ياسادة جثت مصرية…لمواطنين مصريين…دون ذنب أو جريرة!!
*ثم..هناك دائرة مفرغة…الدستور والقانون والعرف كلها تؤكد:المساواة في الحقوق والواجبات حسنا…المصري المسيحي له الحق في بناء دار عبادة يصلي فيها…لماذا الرفض بعد التعقيد؟ لماذا رفض المبدأ..وتعقيد الحياة…ومعها الحرمان من حق تكفله جميع القوانين والدساتير؟…ما الذي يضير البلد لو تم بناء ألف كنيسة؟ المفارقة أن الدولة تمنح تصاريح بناء لملهي ليلي وترفض منح نفس التصريح لكنيسة؟ والمضحك المبكي أن نقرأ عما يسميالخط الهمايوني المقيد لبناء وترميم كنيسة…في الألفية الثالثة هذا بينما يحق لأي صاحب عمارة مخالف للتنظيم بناء مسجد أو زاوية أسفل عمارته وفي أي شارع أو حارة مصرية…ومع تسهيلات في قبول المخالفة, وفي توصيل المرافق والإعفاءات وبينما يجري بناء مركزا إسلاميا ومسجدا قرب موقع 11سبتمبر في نيويورك وبينما يستمع خطيب جمعة متشنج بالصياح عبر الميكروفون, بإهانة جار قبطي, وبينما يهتف البعض بسذاجة أو عن طيب خاطر:مسلم ومسيحي إيد واحدة أويحيا الهلال مع الصليب.
*دعونا نتساءل: لو قام مصري مسيحي متهور بحرق مسجد أو سب معتنق ديانة أخري…أو اعترض- مجرد اعتراض- علي العديد من صور التمييز الواضحة…هنا وهناك…ماذا كان يحدث…ما الذي كان من الممكن أن يقع؟
*في مقال…نشر لي منذ سنوات…وكنت مازلت متفائلا تساءلت: لماذا لا نجد في مصر أسماء شوارع مسيحية؟…أو نسمع أسماء أشخاص مسيحيين في مسلسلات التليفزيون المصري؟ أو نشاهد نماذج مسيحية في إعلان أو رسم أو مركز رسمي مؤثر؟
*الآن…لن أتقدم باعتذار للأصدقاء:جورج وفوزي وأنطوان وملاك وروماني ورأفت ومعهم أرملة صديق العمر: رءوف مسيحه أثناسيوس…لن أعتذر…حيث فقد الاعتذار مضمونه بفعل التكرار الممل غير المجدي…تكرار الحرق والقتل والترهيب…والقديسين ونجع حمادي…إلخ. ربما اعتذر فقد عن مقالات عديدة في الأهرام والجمهورية وروز اليوسف….نشرت لي ولم تغير من الواقع المرير شيئا…حيث غاب العقل وفقدت الكلمات مضمونها بتأثير تعصب مستورد أو مستحدث…
*أخيرا…أفيقوا يا سادة…من الحضانة وحتي الجامعة, من الوزير وحتي الخفير, من رجل الأمن حتي رجل الدين…هذا وطن الجميع لاتحرقوا أنفسكم…لا تدمروا بلدا كان جميلا ذات عهد…افيقوا يرحمكم الله….وأرحب مقدما بهجوم متكرر معتاد سوف أجده علي الإيميل…بكل الأسف.
[email protected]