ليبدأ عمله كراع ولد في حظيرة: أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف (يوحنا 10:11) لم يقبل السيد أن يسمي بالمعلم ولكنه شدد في أكثر من موضع علي أن يسمي بالراعي الصالح. فقد قال القديس أوغسطينوس لقد صار الراعي الصالح خروفا داخل رعيته ليقبض علي الذئاب المنتشرة في حظيرته بدأ الراعي الصالح حياته الرعوية من داخل الحظيرة. بدأ كطعام في مذود ثم كحملا ثم كراع صالح. ثم بابا للخراف. إنه بالحقيقة حملا وديعا فها هو يوحنا المعمدان يشهد عنه قائلا هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم كله ورآه يوحنا اللاهوتي خروف قائم كأنه مذبوح فصرخت السماء قائلة هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا (رؤيا 5:5) فهو بذلك الخروف الذي له قوة الأسد التي تخيف الذئاب.
يقول القديس كيرلس السكندري وجد الله الإنسان قد انحط إلي مستوي الحيوانات لذلك وضع نفسه كطعام في المذود فتعالي إلي المذود إلي مائدته الخاصة لا لتجد طعاما ماديا بل خبزا سماويا الذي هو الجسد السماوي الحي ويقول القديس بولس إنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره إنها وداعة وتواضع أن يولد ابن الله في مذود للبقر علي التبن والقش لا علي الفراش الوثير أو الأسرة الناعمة لكنه تسربل بالتواضع والتحف بالمجد فأخلي ذاته من المجد والبهاء لا من اللاهوت. آخذا صورة العبد وهو صورة الله صائرا في شبه الناس وهو رب الناس ولد في المذود رضي به متواضعا فقيرا بلا عرش في الأرض وهو الذي تقف أمامه العروش..
ليشارك الغني الفقراء ولد فقيرا..!.. ولد المسيح في مذود ليقدس الفقر وليرسم هالة من الشرف علي جبين المساكين فلم يعد الفقر بعد ذلك جريمة الفقراء بل جريمة الأغنياء علي الفقراء بل وعلي أنفسهم.. وبهذا شرف المسيح الفقر وطرح غني العالم الكاذب وأمجاده وأغنانا بفقره, أحب الفقر حتي أنه اختار تلاميذه من الفقراء لا من الأغنياء فكانوا في شخصه الفقراء الأغنياء واختارهم من الصيادين البسطاء الضعفاء فكانوا في شخصه الضعفاء الأقوياء.
ليخلص العالم من القيود ولد بلا قيود: بميلاده في مذود تحطمت قيود الطبقات وفتحت قبة المذود فاجتمع فيها الغني والفقير. رعاة الغنم الفقراء. وعظماء المجوس الأغنياء. لقد خلص العالم بميلاده بهذه الطريقة من قيود العنصرية ففي المذود اجتمع الرجل جنبا إلي جنب مع المرأة.. العذراء ويوسف النجار. ولد المسيح من امرأة فشرفت بولادته منها وفي نفس الوقت ولد رجلا فرسم هالة من الشرف علي جبين الرجال.
ليمنح الإنسان أعمق درس عن الاتضاع ولد في الموضع الوضيع: ألم يقل هو عن نفسه ليس لابن الإنسان أين يسند رأسه إنه جاء ليجعل الراحة الحقيقية ليست للجسد بل للقلب كما نوي بالفعل أن يجعل من تعبه راحة للمتعبين.
إن أعظم درس عن الاتضاع نجده بين ربوع المذود المذود حملك كمسكين.. والخرق لفتك.. الأذرع حملتك وركب البتول عظمتك. الفم قبلك. اللبن قوتك. أنت الذي تقوت الخليقة كافة بنعمتك. وهذا هو العجب في اتضاعك.. شتت الله المستكبرين بفكر قلوبهم وانزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين وهكذا بدأ المسيح حياته بأعظم درس عرفته البشرية ألا وهو الاتضاع.
أسقف نجع حمادي وتوابعها