في واحد من أهم الأحداث الفنية العالمية, ووسط أجواء الماضي الساحرة.. حملتنا الاحتفالية التي أقيمت في إطار مئوية المتحف القبطي.. عبر العصور القبطية الأولي حيث أعقبها افتتاح معرض كشف الستار عن الفن القبطي علي أنغام الموسيقي المستوحاة من الألحان القبطية بقصر الأمير طاز الأثري.. الذي ضم عددا من الكنوز القبطية التي لا تقدر بثمن حيث تعرض للجمهور لأول مرة – بعد أن كانت مدفونة بالمخازن – لتشع الحضارة القبطية نورا ومنارة للعالم.
حضر المعرض حفيد مرقس سميكة باشا مؤسس المتحف القبطي ولفيف من الشخصيات المعروفة المصرية والأجنبية.
تنوعت المعروضات من روائع الفن القبطي وآثاره إلي حد يدير الرأس وبهرت الحاضرين من أجانب ومصريين, حيث اشتملت علي المخطوطات النادرة الملونة والمرسومة والمكتوبة, والمجوهرات وأدوات الزينة, والأيقونات البارعة, والأفاريز الحجرية والخشبية والأدوات الطقسية, والنسيج القباطي, والأدوات التي تستخدم في الحياة اليومية التي اشتملت أيضا علي لعب الأطفال.. والأوستراكا شقافة الفخار.
المخطوطات النادرة
وتعد من أروع الكنوز التراثية, ومن بين أبرز معروضاتها مخطوط من جزئين, يسجل الجزء الأول إنجيل القديس متي وهو مزين بزخارف قبطية بديعة ملونة تظهر البراعة الفائقة للمزخرفين الأقباط. في حين يسرد الجزء الثاني رحلة العائلة المقدسة في مصر, والمخطوط باللغتين القبطية والعربية ومزين بالصور.. ويرجع تاريخه إلي عام 988 شهداء بالسنة القبطية, 1272 ميلادية, وقد كتب المخطوط بيد أحد الآباء الكهنة ومصدره الكنيسة المعلقة.
أما مخطوط إنجيل القديس مرقس الرسول فهو مدون باللغة العربية, وزخارفه ترجع إلي العصر الإسلامي, وتاريخ كتابته عام 1512 قبطية 1796 ميلادية, وهو يحتوي علي رسم ذي قيمة تاريخية بالغة للقديس مارمرقس ورمزه الأسد, وهو يعطي البشارة للأنبا بطرس.
ومن بين روائع المخطوطات أيضا مخطوط الأبصلمودية صلوات التسبحة الملون المصور وهو مدون باللغتين العربية والقبطية ويحوي رسما بديعا للثلاثة فتية في أتون النار ويعلوهم الملاك الذي أرسله الله لإنقاذهم, وهو من مقتنيات المتحف القبطي ويرجع إلي القرن الثامن عشر.
في حين ترجع الأهمية التاريخية لمخطوط الليثورجية صلوات القداس لاستخدامه في صلوات أسبوع الآلام المقدس وعيد القيامة المجيد وهو مدون باللغتين القبطية والعربية ومزين بزخارف قبطية ملونة وصلبان بديعة, ويرجع تاريخه لعام 1421 قبطية 1705 ميلادية.
وكذلك مخطوط آخر للإبصلمودية مكتوب باللغتين القبطية والعربية ويحتوي علي صلاة باكر من النهار المبارك وفي الصفحة المقابلة الملاك ميخائيل أثناء التسبيح, والإبصلمودية ملونة ومزينة بالزخارف القبطية ويرجع تاريخه للقرن الثامن عشر.
وأيضا مخطوط الليتورجية المصور بالألوان مكتوب لأجل القس سميكة كاهن كنيسة المعلقة ويحتوي علي شرح بالصور الملونة لسر الإفخارسيتا وسر المعمودية ويرجع تاريخه لعام 1403 قبطية 1687 ميلادية.
كنوز ومجوهرات
ضمت أيضا المعروضات عددا من الصلبان ذات القيمة الفنية والتاريخية الرائعة والمصنوعة من الفضة والنحاس والبرونز, وترجع أهمية الصليب إلي أنه رمز للمسيحية حيث صلب فوقه السيد المسيح له المجد قبل موته وقيامته من الأموات.
كما ضمت مجموعة مدهشة من الصلبان الخشبية متنوعة الأشكال وخواتم وأقراط مصنوعة من الذهب والفضة, من بينها خاتم ذهبي مزين أعلاه بصليب, وختم للتوقيع من الفضة محفور عليه كلمات باللغة اليونانية تقول: أيها المسيح أعن يوحنا في اليونان.
الأيقونات بالغة التميز
من أبرز الأيقونات أيقونة للقديس العظيم مارجرجس وهو يعد من بين أشهر الجنود الشهداء في المسيحية وتظهر الأيقونة شجاعة القديس في مواجهة التنين الذي يرمز إلي الشر والانتصار عليه, وهي مذيلة بتوقيع إبراهيم الناسخ وترجع إلي القرن الثامن عشر.
وأيضا أيقونة الصلب البديعة فهي تحكي أحداث الصلب بالرسم والكلمات ومذكور فيها أسماء اللصين اللذين صلبا مع السيد المسيح, طيطس اللص الشرير, وديماس اللص الذي فاز بالفردوس, وهي أيضا مذيلة بتوقيع الفنان إبراهيم الناسخ.
أحجار وآثار
كما تم عرض مجموعة متنوعة من الأفاريز متعددة الأشكال حجرية وخشبية, من بينها إفريز حجري يحتوي علي الكرمة والعنب وهو من الرموز المسيحية المعروفة, وإفريز خشبي بموتيفات مختلفة ملونة من بينها صليب ووجه بشري ويمامتين في الكورثر ما بين القرنين الخامس والسابع الميلادي.
أدوات طقسية
ومن بين الأدوات المستخدمة في طقوس الصلوات الكنسية تم عرض العديد من المسارج الزيتية بعضها مزين بالصلبان وموتيفات الورود وترجع إلي القرن الخامس وحتي السابع الميلادي. كما تم عرض نموذج رائع لمسرجة زيتية من العصر البيزنطي, وهي مصنوعة من البروز الذي يعد من المعادن المفضلة لتصنيع المسارج, ويعلوها صليب يزين أعلاه ديك رمزا لشروق النهار.
وأيضا عرضت ملعقة كبيرة الحجم يعتقد أنها كانت تستخدم في الطقوس الكنسية الليتورجيا, كما عرض الدف الصنج وهي من الآلات الموسيقية المعروفة المستخدمة في القداس القبطي وعند العزف يصاحب الأوزان اللحنية في الصلوات القبطية, وبدأ ظهورها في العصور الوسطي, أما كرسي كأس الإفخارسيتا عليه صورة القديسة العذراء والسيد المسيح وهو مصنوع من الخشب ويرجع تاريخه إلي منتصف القرن الثامن عشر.
تعد المجمرة المبخرة المعروضة مصنوعة علي درجة فائقة من الجودة ومن البرونز ويعلوها صليب وهي من العصر القبطي, القرن 5-6 الميلادي ومصدرها مدينة هابو.
الأوستراكا
ترجع أهمية الأوستراكا إلي أن بعضها يعكس حالة الناس في مصر ففي الحقبة ما بين 619-629 ميلادية عثر علي أوستراكا كتبتها سيدة تشرح كم هي حزينة ومحطمة القلب وبائسة لوفاة زوجها, وهي سيدة من قدماء المصريين, كما توجد أوستراكا ربما ترجع للفترة من القرن السابع إلي التاسع الميلادي تخاطب موضوعات متنوعة مثل التعليم والاقتصاد والصحة وشئون الكنيسة مثل فاتورة دفع ضريبة لصاحبها سنتوم ابن ديوس من مدينة هابو, وأخري مدون عليها تحرير للأبجدية, وأيضا وصفة طبية ضد مرض الكبد, من دير إبيفافيوس.
إبداعات النسيج
كذلك تم عرض مجموعة من قطع النسيج القباطي, التي قد تكون أجزاء من ملابس من الكتان وهي مزينة بالزخارف الملونة من الصوف والكتان غير المصبوغة, يرجع بعضها إلي القرن من الثامن إلي العاشر الميلادي بأشكال حيوانية ونباتية محورة وبعضها اتخذ شكل ميدالية بداخلها شجرة محورة تعلوها الطيور, ربما ترجع إلي القرن السادس إلي الثامن الميلادي, وبعضها الآخر بأشكال هندسية وامرأة مجنحة قرن 6 إلي التاسع الميلادي, كما توجد قطع نسيج مزينة بشكل صليب محاط بالطيور وأخري مزينة بصليب بهيئة علامة عنخ وترجع إلي القرن الثامن إلي العاشر الميلادي.
أدوات حياتية
وهي تعد من طرائف المعروضات الجميلة والتي تحملنا إلي الحياة المنزلية البسيطة الأنيقة, فمنها الأطباق المتنوعة وأحدها مرسوم فوقه الأسماك والورود ويرجع إلي القرن السادس أو السابع الميلادي من كيليا.
ومن المعروضات التي بهرت الحاضرين أحد الأمشاط الذي يرجع تاريخه إلي القرن السادس الميلادي وهو دقيق الصنع من العاج ومحفور عليه معجزتين للسيد المسيح له المجد إحداهما إقامة لعازر من الموت والثانية معجزة تفتيح أعين المولود أعمي, وأيضا دولاب أو غطاء صندوق خشبي من دير القديس أبوللوباويط, ولأن وظيفة الكاتب احتلت مكانة شديدة الاحترام في المجتمع المصري منذ أقدم العصور, فقد تم تصوير الكاهن فوق هذا اللوح الخشبي علي هيئة الكاتب وهو يحمل جعبة أقلام معلقة فوق كتفه أما الهالة حول رأسه تؤكد أنه أحد الرهبان أصحاب المرتبة العليا الروحية قديس, وبالقرب منه يظهر مذبح يعلوه طاووس رمزا للبعث أو القيامة, ويرجع تاريخه إلي القرن 6-7 الميلادي, وكذلك عرضت جعبة حقيبة أفلام جلدية بداخلها خمسة أحزمة من الأقلام علي نفس الطراز الذي يحمله الكاهن, في الغطاء الخشبي.
كما احتوت المعروضات علي العديد من العناصر الخشبية متنوعة الاستخدامات اليومية من أكثرها طرافة لعب الأطفال مثل لعبة بشكل حصان فوق ثلاث عجلات ترجع من القرن الخامس إلي السابع الميلادي, وأيضا مشط خشبي للأطفال علي أحد جانبيه أسنان واسعة وعلي الآخر أسنان ضيقة لتنعيم الشعر وهو مزين بموتيفات دائرية وأشكال عرائس وحيوانات ويرجع إلي العصر البيزنطي.
نجح المعرض في إبراز الصورة الحضارية القبطية وإظهار الجهد الكبير في استخراج هذه الكنوز وتقديم الفن القبطي في أرقي صورة أذهلت الحاضرين خاصة الأجانب الذين بهرتهم التقنية العالية التي استخدمها الفنان القبطي علي مر العصور بجودتها وثرائها.