إن المسرح هو في الأساس استكشاف ,فحتي سوفوكليس العجوز لم يكن يعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك.فكان يتحتم عليه أن يجد طريقه من خلال مناطق غير معروفة .وفي الوقت نفسه كان المسرح دائما عملا نقديا ينظر فيه نظرة شاملة علي المجتمع الذي يعيش فيه محاولا أن يعكس ويضفي الطابع المسرحي علي هذه الأكتشافات.إننا لانتحدث عن القمر.
هارولد نبتر
بعد صراع مع سرطان المريء دام سبع سنوات رحل الأديب البريطاني العالميهارولد نبترالحائز علي جائزة نوبل للآداب عام 2005 وصاحب الإبداعات الشعرية المتعددة والذي يعتبره كثير من النقاد إنه أعظم كتاب المسرح في جيله وهارولد بنتريعتمد أسلوبه علي ما يسمي التهديد(mence)حيث يجد الشخص نفسه وسط مجموعة من الأفراد الأغراب عنه والذين تجمع بينهم رابطة ما فيتعرض إلي نوع من التهديد علي أيديهم وهو أسلوب اعتبر تأثيرا واضحا لمسرح العبث,وهي مدرسة أنطلقت من أوربا في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي,ومن أعلامها بالإضافة إلي هارولد بنتر يوجين يونسكو و صاموئيل بيكت وإدوارد أودلبي وغيرهم,ومسرح العبث مسرح يعبث بكل المقومات التقليدية للعمل المسرحي ,فلم تعد هناك بداية ووسط ونهاية كما لايمكن الحديث عن حبكة درامية والحوار هو العبث بعينه فهو ليس صالحا للتواصل أو لإيصال أي مضمون مباشر للطرف الآخر والأحداث في مسرح العبث تتطور بالتداعي كما في الأحلام وليس وفقا لأي منطق سائد,فالحركة التي قادها هؤلاء الكتاب في مجال الأدب هي في الأصل حركة رفض غضب,ففي بداية الخمسينيات من القرن الماضي بعد أن كانت أوربا تلملم شتات جراحها بعد حربين عالميتين نشبتا في أقل من ربع قرن نشأ جيل غاضب عابث فاقد ثقته بالأخلاق والنظم السياسية ولم يعد يؤمن بالأديان ولا بالأيديولوجيات ,في وسط هذا المشهد الدامي وغير المشجع بزغ نجم هارولد بنتر.
روح متمردة
كذلك تميز أسلوبه كشاعر باستخدام لهجة لندنيه شعبية بعد تنقيتها واستكشاف شاعريتها,كذلك شارك بنتر في كتابة العديد من سيناريوهات أفلام مقتبسة من أعماله المسرحية.
ولد بنتر في 10 أكتوبر عام 1930 وتوفي في 24 ديسمبر عام 2008 عشية عيد الميلاد ,كتب سيناريو لثلاثين مسرحية,بدأ حياته المهنية كممثل وكانت مسرحيته الأوليالغرفة عام 1957 والثانية-والتي تعتبر من أفضل أعماله المسرحية-حفلة عيد الميلادعام 1958 وقد تفرغ بنتر للإخراج تماما في عقد السبعينيات وعمل كمساعد مخرج في المسرح الوطني عام 1973,وفي 13 أكتوبر عام 2005 أعلنت الأكاديمية السويدية بفوزه بجائزة نوبل للآداب,معللة ذلك بأن أعماله تكشف الهاوية الموجودة خلف قوي الاضطهاد في غرف التعذيب المغلقة وفي نفس العام 2005 أعلن هارولد نبتر اعتزاله الكتابة وتفرغه للنشاط السياسي.
قد أصيب مؤخرا بسرطان المريء وذلك عام 2002,إلا أنه رغما عن ذلك كان حريصا علي العمل بدون انقطاع.
وحال انتشار خبر وفاة هارولد بنتر تتابعت البيانات الصادرة عن جهات ثقافية وسياسية بارزة في العالم فالرئيس الفرنسينيكولا ساركوزيحيا فيه الإنسان المتبصر الذي لا يستكين ولا يساوم مثنيا علي طباعه المتمردة والخارجة عن الأنماط التقليدية,وأضاف في بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية:أن جائزةنوبلالتي منحته عام 2005 كانت تكريما متأخرا لنتاجه الهائل,وإنما أيضا تكريما لشجاعة رجل والتزامه ضد كل أشكال الوحشية,رجل تخلي عن الشهرة مفضلا السير دوما علي حافة الهاوية,أما الرئيس التشيكي السابق والكاتب المسرحي فاكلاف هانيل فقد ذكر عواطف التذمر والرفض التي كان يبديها بنتر حيال حياته ضد النظام الشيوعي الذي سقط عام 1989 في تشيكوسلوفاكيا,كذلك كلاوس شتيك رئيس أكاديمية الفنون في برلين في بيان له نشر في برلين ننحني أمام كاتب أثرت روحه المتمردة ومشاهداته بشكل عميق علي المستوي الدولي,وأكد شتيك أن الأكاديمية التي كان بنتر أحد أعضائها تري أن الكاتب الحاصل علي جائزة نوبل هو أحد أهم كتاب المسرح البريطاني خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.