من تونس بدأ ماراثون الربيع العربي ومن تونس أيضا تزدهر الثورات العربية, ويبدو أن المقولة في مكانها الصحيح حيث اتسمت الانتخابات التونسية الأخيرة لاختيار المجلس التأسيسي (217 عضوا) بقدر كبير من التوافق الوطني وسط باقة كبيرة من الأحزاب علي اختلاف أطيافها, حتي التيار الإسلامي الذي يتصدر مشهده السياسي حزب النهضة الإسلامي المعتدل يختلف عن التيارات الإسلامية الأخري بالبلدان العربية من خلال نظرته المتقدمة للمرأة وللديموقراطية..
حول ثورة اللوتس التي بدأت أولي خطواتها الراسخة -من وجهة نظر المحللين- نحو الدولة الديموقراطية بكل ما تحمله من إشراقات ودلالات للدولة المدنية الحديثة يدور هذا التحقيق:
أوضح د.عماد جاد الخبير الاستراتيجي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: معركة الدستور الآن هي معركة التحول الديموقراطي سواء في تونس أو في مصر ولكن تونس حددت طريقها منذ اللحظة الأولي من الثورة لأنها تسير علي خريطة وإدارة واضحة حيث إنها أقرت قانون تصويت التونسيين بالخارج منذ بداية الثورة, والآن وبعد نتيجة الانتخابات التي أجريت بشأن المجلس التأسيسي لصياغة الدستور وفوز حزب النهضة الإسلامي أصبح وجوده أمرا واقعا في اللجنة التأسيسية فإن الأمر لا يشكل مشكلة سواء للأحزاب العلمانية الموجودة أو المواطنين نظرا للنظرة التقدمية التي ينبني عليها الحزب وأيضا لأن طرحه السياسي غير صدامي مع باقي القوي السياسية فهو ينادي بأن تكون تونس دولة علمانية ذات مرجعية دينية وهو شئ يمكن أن تتفق عليه القوي السياسية وأن تكون دولة تضمن جميع حقوق المواطنين علي حد سواء وتسير قدما نحو الديموقراطية.
أضاف د. عماد: التجربة التونسية تجربة ليس بها اضطرابات أو صراعات والدليل علي ذلك الأجواء التي دارت فيها الانتخابات والتي تعتبر نموذجا يحتذي به وتعتبر هذه التجربة أقرب للتجربة التركية التي تعترف بكل القوي وتتضافر معها.
قامت تونس بعمل هيئة عليا لتحقيق أهداف الثورة لرعاية كل مراحل التحول الديموقراطي ولكن في مصر يصعب إنشاء هيئة عليا هذا ما ذكره الدكتور سامر سليمان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية: الجيش التونسي يختلف عن الجيش المصري حيث إن المجلس العسكري المصري رفض منذ البداية أن تشاركه أي قوي في حكم المرحلة الانتقالية إلا بصفة مستشار ففي الشهور الأولي من الثورة رفض العسكري تغيير الحكومة ورفض أيضا محاكمة مبارك ولكنه اضطر أن يرضخ لتلك الطلبات بسبب الضغط الشعبي من القوي السياسية.
أضاف د. سليمان: المسار التونسي الديموقراطي أفضل بكثير من مصر فتونس ليس لديها متحكم وله سلطة وهي أيضا أعلي من مصر في نسبة التعليم, وتنخفض فيها نسبة الأمية أكثر بكثير من مصر وهي أعلي في مستوي المعيشة بالإضافة أن القوي المدنية العلمانية أقوي والتيار الإسلامي متقدم ومتطور وتاريخ الجيش التونسي وتأثيره في السياسة أقل من مصر وفي النهاية كل هذه العوامل تجعل تونس تسير نحو التقدم الديموقراطي بعكس ما يحدث في مصر والتي لم نستطع من البداية عمل هيئة عليا لتحقيق أهداف الثورة.
متفائلة بتونس
علقت أمينة النقاش نائبة رئيس حزب التجمع علي حصول حزب النهضة الإسلامي بتونس علي 40% في الانتخابات وأيضا تعدد الأحزاب التونسية بعد ثورة اللوتس والذي وصل إلي 100 حزب: في كل الثورات وفي معظم البلاد الأخري سواء في دول أوربا الشرقية أو أمريكا اللاتينية تظهر الأحداث بعد الثورات بظاهرة تعدد حزبي واسع المدي وعندما تتبلور التجربة الديموقراطية كانت الأحزاب تواصل داخل المناخ السياسي وهذا ما حدث في مصر بعد ثورة 25يناير حيث وصل عدد الأحزاب لأكثر من 40 حزبا وهي ظاهرة طبيعية.
أضافت النقاش: حزب النهضة الإسلامي بتونس مختلف عن كل الأحزاب الإسلامية في الدول العربية وذلك لعدة أسباب الأول: قيادات الحزب تعلمت في الدول الغربية والأوربية, الثاني: حزب النهضة هو أقرب الأحزاب إلي حزب العدالة والتنمية في تركيا وهو حزب ديني يقود دولة علمانية لكنه يفصل بين الدين والسياسة, وأن الدين الإسلامي لا يتعارض مع العلمانية, الثالث: تونس دولة تؤمن بالعلمانية وتقف علي مسافة متساوية من كل الأديان ولا تخلط بما هو ديني وما هو إسلامي, وبالتالي فإن الانزعاج في تونس من صعود حزب النهضة ليس كبيرا والأحزاب التي فشلت في الانتخابات هناك كلها متفائلة ويعلوها الأمل الكبير في اعتدال التيار الإسلامي.
استطردت النقاش الحديث: أنا متفائلة بما حدث في تونس ولكن لست متفائلة بما يحدث في مصر وما يحدث من هجمة دينية كبيرة من قبل الإخوان المسلمين.