ما أجمل أن يشعر طفلك بتقدير الذات وأهمية دوره في الحياة, فضلا عن الحب والدفء العاطفي, مما يخلق منه طفلا سويا, بحيث لا تستقيم أموره وتستوي حالته النفسية والمعنوية دون أن تتملكه تلك الأحاسيس.. لكن ماذا يحدث إذا تملك الطفل أحاسيس الضآلة وعدم تقدير الذات والحرمان العاطفي.. في هذه الحالة يصاب الطفل بالاكتئاب, الذي يظنه البعض يصيب الكبار فقط, والذي قد يصل في أشد صوره إلي حالة من الرغبة في الموت والانتحار.
حول الاكتئاب عند الأطفال وأعراضه والعوامل المؤدية إليه تحدثنا إلي الأستاذ الدكتور ثروت إسحق عبدالملك أستاذ علم الاجتماع الذي قال:
ينشئ الاكتئاب عندما يشعر الطفل بالظلم الاجتماعي بسبب تهميش دوره وعدم أخذ رأيه في الأمور التي تخص حياته فيما يتعلق بالمدرسة التي يلتحق بها أو الأنشطة التي يزاولها خلال فترة الصيف أو حتي في اختيار ملابسه, وقد يصل الأمر إلي إقصاء الطفل اجتماعيا بحيث يمنع الطفل من الجلوس مع الضيوف بحجة أن ذلك يعطله عن المذاكرة, فضلا عن ذلك قد يتلفظ الأبوين بألفاظ تؤثر بالسلب علي نفسية أطفالهما وتشعرهم بالضآلة مثل: إنت جيت غلطة, إنت فاشل, متعرفش تتكلم كلمتين علي بعض.
ويضيف أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بعض الأسر تلعب دورا في اكتئاب الأطفال, فالأب يضطر الالتحاق بأكثر من عمل لتحسين الدخل, والأم تعمل أيضا, مما يقلل من فرصة وجود حوار بينهم وبين أطفالهم لمناقشة الأمور الحياتية وهو ما يشعر معه الطفل بأنه مجرد أداة يفكر له الآخرون.
ويستطرد قائلا: إن هناك شكلين للاكتئاب عند الأطفال, الأول الانسحاب الاجتماعي حيث يفضل الطفل العزلة عن الآخرين والجلوس بمفرده فمثلا نجده يجلس في آخر الفصل حتي لا يتكلم مع أحد من زملائه, أما الشكل الآخر للاكتئاب فيظهر في شكل العدوانية الشديدة من خلال الصوت العالي وتوجيه الضرب لمن حوله.
ويتأسف د. ثروت علي أن الاكتئاب عند الأطفال قد يصل إلي حالة من الشذوذ الجنسي تعويضا عن الحرمان العاطفي ومحاولة من الطفل لإشباع رغبته في الحب والدفء العاطفي, وأحيانا يتعلق الطفل بشخص معين ويريد أن يتملكه هو وحده دون غيره مما يكون الرد عنيفا ممن يعتقد أنه يحبهم ويبدأون في السخرية منه والاشمئزاز من ارتباطه الزائد بهم.
ولذلك ينصح بأهمية الحوار بين الآباء والأبناء لمناقشة الأمور التي تخص حياتهم وإعطائهم مساحة لإبداء الرأي. كما يجب تشجيع الطفل علي التعبير عن ذاته وانفعالاته من خلال التواصل معه واحترام آرائه ومشاعره, فلابد من تغيير وجهة النظر في تربية الأطفال التي تعتمد علي الترقب الدائم لتصرفاتهم فتشعرهم بالضآلة.
ومن الناحية النفسية تقول الدكتورة ناريمان عزت استشارية الأمراض النفسية والعصبية: إن الاكتئاب يحدث نتيجة تناقص التدعيم الإيجابي للطفل وتزايد الانتقاد المستمر وتوجيه اللوم بصفة دائمة له ويكون العرض الأساسي لذلك هو شعور الطفل بالتدني وعدم تقدير ذاته وينعكس ذلك علي إهماله لمظهره الخارجي وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والتدهور الدراسي فضلا عن الحساسية الزائدة من أية كلمة تقال له.
وتضيف أن طريقة العقاب الخاطئة والعنف مع الأطفال التي يتسمون بهما بعض المدارس تكون السبب في تعقد الطفل من الدراسة وعدم رغبته في الذهاب للمدرسة ويصاحب ذلك التوتر الشديد والبكاء التي من أعراض الاكتئاب.
وعن طرق الوقاية والعلاج تقول د.ناريمان: إنه يجب إشعار الطفل بالحب والعناية الكافية من خلال معانقته وإظهار البهجة عند رؤيته, ويجب تدعيم الأشياء الجميلة في الطفل وتجاهل الأشياء السيئة, والاستماع لأخطاء الطفل ومناقشتها بطريقة هادئة حتي يتعود علي الحكي دون تخويف أو ترهيب, كما يجب مساعدة الأطفال علي التخلص من الطاقة الزائدة عن طريق المشاركة في أنشطة جماعية واللعب والهوايات كالموسيقي والأشغال اليدوية والفنية.
وتنوه إلي أن الطفل المكتئب قد يتجه إلي السرقة تعويضا عن الحرمان العاطفي, فمثلا يسرق أدوات زملائه في المدرسة, ولعلاج ذلك يجب تعويد الطفل علي احترام ملكيته وملكية الآخرين وعدم اتهامه بالسرقة إذا استولي علي شيء ليس له وعدم تأنيبه أو معايرته أمام الغير حتي لا يشعر بالنقص وينطوي علي نفسه.