نقترب من الذكري الأولي لثورة 25 يناير, ومازال السؤال مطروحا حول توصيف ما حدث, خاصة وأن التغيرات التي حدثت حتي الآن تشكل قلقا عميقا علي مستقبل مصر, حيث الخيارات التي كان يطرحها مبارك علي منتقديه بأن البديل لحكمه سيكون إسلاميا أو علي أحسن الفروض نظاما عسكريا قد بدأت تأخذ طريقها إلي الظهور الفعلي, طبعا لا يمكن إعفاء مبارك من المسئولية عن المشهد الحالي, فهو أحد صانعيه الرئيسيين حيث رفض علي مدي ثلاثة عقود أي إصلاحات حقيقية تقود مصر للديموقراطية والعدالة والشفافية والحداثة وحقوق الإنسان.
علي مدي أسبوعين منذ اندلاع الثورة كان ميدان التحرير مصدر إبهار للعالم كله, وظهر المصريون وهم يضعون بصمة جديدة في التاريخ, وهذا ليس بجديد عليهم فهم يصنعون التاريخ كالمعتاد كما قال رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلسكوني, وانفعل أوباما وطلب من الأطفال الأمريكيين أن يتعلموا من المصريين, ووصل تأييد رئيس وزراء النرويج لميدان التحرير بأن قال كلنا مصريون,أما رئيسة وزراء استراليا فدعت وقتها إلي منح الشعب المصري جائزة نوبل.وبعد ما حدث في ميدان التحرير خرج الغرب بمصطلح الربيع العربي بديلا عن الاستثناء العربي العاصي علي الديموقراطية, ولكن بعد ما يقرب من العام تراجع التفاؤل كثيرا وحل محله القلق وعند البعض الخوف وعند مجموعة ثالثة التشاؤم وعند مجموعة رابعة الرعب من المستقبل.وظهرت مصطلحات أخري مثل## شتاء الإسلاميين##,أو وصف ما حدث بأنه انتفاضة شعبوية كما وصفها هنري كيسنجر وآخرون سحبوا لفظ الثورة واستبدلوه بكلمات مثل ## هبة جماهيرية##,أو ##حركة احتجاجية## أو ## غضبة شعبية## أو ##انقلاب عسكري## , والسؤال هل ما حدث ثورة أم شئ آخر غير الثورة؟.
رغم أن هناك تعريفات كثيرة لمفهوم الثورة إلا أنني أختار أن امزج ما بين العديد من هذه التعريفات لأصل إلي التعريف الذي اراه لمفهوم الثورة حيث يمكن تعريفها علي أنها تغيير عميق جذري وشامل في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفي توزيع مصادر القوة وفي بنية التفكير والثقافة, وهذه التغيرات تعيد تشكيل الدولة لفترة طويلة في المستقبل. ومن ثم فإن الثورة قد تبدأ باحتجاج أو بحرب تحرير أو بإستقلال عن دولة محتلة أو بانفصال عن دولة كائنة أو حتي بانقلاب عسكري, فنظام يوليو 1952 بدأ بإنقلاب عسكري ثم تحول إلي ثورة غيرت وجه الحياة في مصر. المهم في الثورات فكرة التغيير الجذري العميق ويبدأ هذا التغيير بالطبع بالنظام السياسي حيث يتم تفكيكه وبناء نظام سياسي جديد علي أنقاضه.
إذا طبقنا كل ما سبق علي ما حدث يوم 25 يناير نصل إلي أنها ثورة لم تكتمل حتي الآن, فقد خرج الملايين إلي الشوارع لإسقاط نظام مبارك, وكان الشعار المرفوع الشعب يريد إسقاط النظام. كما كانت الأماني المستقبلية تتركز علي دولة مدنية بها خبز وكرامة وعدالة اجتماعية , هذا ما رفعه الثوار طوال أيام الثورة فهل تحقق شيء من هذا؟. الواقع يقول لم يتحقق سوي جزء صغير جدا بإزاحة رأس النظام وبقي النظام كما هو. ومن هنا يمكن القول أن ما حدث يوم 25 يناير إذا توقف عند هذا الحد بإزاحة رأس النظام وبعض من رموزه فأن ما حدث يسقط عنه كلمة ثورة أو يمكن اعتباره ثورة لم تكتمل أو ثورة ناقصة,أما إذا استمرت الموجات الأخري للثورة حتي تستطيع تفكيك أسس نظام مبارك ثم بناء نظام جديد علي أنقاضه وقتها يمكن وصفها بالثورة, وسيتبع ذلك حتما تغيرات اقتصادية واجتماعية تكمل مفهوم التغيير الشامل المصاحب للثورات.
عند هذا الحد يمكن القول بأن الكرة في ملعب الثوار, وأن ميدان التحرير هو الحل,وأن الشباب الواعي الشجاع الذي أبهر العالم عليه مواصلة المشوار حتي النهاية.
ثورة أم انقلاب أم ثورة منقوصة كله يتوقف علي ميدان التحرير.