عندما قامت الثورة في التحرير أنبهر العالم بوعي الشباب الذي لم يرفع شعارا أيديولوجيا… لا قومي ولا إسلامي ولا ماركسي, ولم يحمل مشاكل البلد علي طرف خارجي مثل أمريكا وإسرائيل في لعبة تصدير المشاكل إلي الخارج, ولم تستهوه نظرية المؤامرة لتفسير ما وصل اليه حال البلد, وإنما كانت الرؤية واضحة تماما من أن مصدر البلاء الاول هو الاستبداد والفساد والدولة الأمنية والبوليسية وحكم الشلة والظلم الاجتماعي وغياب العدالة الاقتصادية, أي أن النظام هو المسئول الاول والأساسي عن تدهور مصر في كافة المجالات, ولهذا فأن الحل هو اسقاط هذا النظام
بدلا من الالتفاف علي الحل.
سقط حكم مبارك وتولي المجلس العسكري المرحلة الانتقالية واستمرت المظاهرات من آجل إسقاط نظام مبارك, فالشعارات في التحرير كانت واضحة وهي إسقاط النظام وليس مجرد عدة أفراد, وإسقاط النظام يعني تفكيك كافة المؤسسات التي كانت تخدم النظام وليس الوطن ومواطنيه, فجأة ونحن نعمل من أجل اسقاط هذه المؤسسات ظهرت نغمة جديدة علي الثورة هي نفس النغمة التي كانت سائدة أيام مبارك وهي تحميل الخارج المسئولية وتخوين القوي الوطنية. ضبطنا 3 أجانب في التحرير, قبضنا علي امريكي وانجليزي في الاسكندرية, وجدنا مصور اجنبيا يصور مناطق حساسة في العباسية, جاسوس في التحرير…..وأجنبي في السويس, رغم أن كل هؤلاء الاجانب طبيعي أن يتابعوا تطورات الثورة المصرية التي شاهد العالم كله فصولها عبر الاقمار الصناعية.
الثورة المصرية لم يقم بها العسكر بل قوي المجتمع المدني, وقوي المجتمع المدني عالميا تتعاون فيما بينها وتتبادل الخبرات ونجحت بالفعل في تفجير ثورات عصرية راقية سلمية ملونة في عدة دول,فإذا كانت قوي المجتمع المدني المصري تعاونت مع نظيراتها العالمية وحتي تدربت لدي بعضهم من أجل تفجير الثورة المصرية فهذا يحسب لها لأنها فجرت في ميدان التحرير ثورة سلمية رائعة أشاد بها العالم كله وغيرت صورة مصر عالميا , معني هذا أن قوي المجتمع المدني المصري عليها أن تفتخر لاكتسابها هذه الخبرات المميزة والتي أدت إلي عمل إعجازي في 18 يوما.
إن من أهم ما جاءت به الثورة أنها اسقطت الوصاية علي العقل المصري, وما كان المصريون يقولونها سرا في بيوتهم أصبح يذاع علنا ويقرأه الملايين علي صفحات الفيس بوك وتويتر, أن الفيس بوك هو الذي أسقط مبارك وهو الذي رفع الوصاية عن العقل المصري وهو الذي يستحق أن نقيم لمؤسسه تمثالا في ميدان التحرير.
إن العودة لزمن مبارك في التشكيك والتخوين وفرض الوصاية علي العقل واتهام الخارج لم تعد مجدية وأنما تعبر عن حالة الإفلاس وغياب الرؤي المستقبلية. علينا أن نتعامل باحترام مع مواطنينا ونحترم حقوقهم في المواطنة وعقولهم المنفتحة علي العالم, أما المصطلحات الخشبية فلم تعد تجدي الآن.
الفلول الحقيقيون هم من يحاولون العودة بنا لنقطة الصفر بالالتفاف علي الثورة.