منذ 25 يناير وحتي كتابة هذه السطور رصدت أكثر من 50 حادثة اعتداء علي الأقباط, وسوف استمر في الرصد حتي 25 أبريل 2011 لتكتمل ورقتي البحثية عن ## أوضاع الأقباط في ظل ثورة 25 يناير## بعد ثلاثة أشهر من اندلاعها كمرحلة تقييم أولي, وبالطبع فإن هناك عوامل كثيرة سوف نأخذها في الحسبان عند تحليل نتائج هذه الحوادث منها, إن الفترات الأولي في عمر الثورات تكون في معظم الأحيان فترات اضطراب تقع علي المجتمع بأسره وبالطبع تحصد الأقليات الجزء الأكبر من هذه الحوادث, وثانيا أن السنتين السابقتين للثورة كانت معدلات الحوادث التي تقع علي الأقباط متزايدة بشكل واضح وتورطت أجهزة الدولة فيها بشكل لم يعد خافيا علي أحد وبلغت قمة مأسيها في الحادث المروع الذي وقع علي كنيسة القديسين قبل اندلاع الثورة بأسابيع, وترددت أنباء عن أن جهاز أمن الدولة كان وراء هذا الحادث, وثالثا أن توقعاتي الشخصية لما قد يحدث للأقباط في ظل الفوضي كانت أكبر بكثير مما وقع عليهم بالفعل, ورابعا أن مناطق الاضطرابات الطائفية هي هي تقريبا لم تتغير ومعظم أشكال الاعتداءات لم تتغير أيضا.
ورغم هذه الاعتبارات فإن هناك أمورا مزعجة ما كنا نتوقعها في ظل عهد جديد وثورة جديدة.
1- إن معالجة المسائل المتعلقة بالوحدة الوطنية لم تتغير, وكأننا في عهد مبارك وجهاز مباحث أمن الدولة, فهذا التهاون في تطبيق القانون واستمرار الجلسات العرفية هو ضرب للثورة في مقتل.
2- إن روح ميدان التحرير كانت نقلة نوعية مميزة في فهم المصريين للتحديات الحقيقية وبعدهم عن الملفات الطائفية, والتي هي صناعة النظام السابق وأجهزته الأمنية, ولكن هذه الروح لم تنتقل من ميدان التحرير إلي الشارع المصري, وحدثت انتكاسة بشكل سريع عن هذه الروح المصرية الوطنية الوثابة, ولم نر مظاهرة واحدة لهؤلاء الثوار ضد هذا التخريب المتعمد للعلاقة بين المسلمين والأقباط.
3- حدوث اختلاف نوعي عما سبق في بعض هذه الحوادث مثل قطع أذن قبطي في قنا وتطبيق الحدود علي آخر ورميه من الدور الرابع في قنا أيضا وقد مات علي الفور من جراء ذلك ,والغريب أن يتم كل هذا في غياب تام للدولة وللقانون.
4- إن الاحتجاج المجتمعي علي هذه الحوادث ما زال محدودا ولم يرتق لمستوي اللحظة الثورية ولا إلي مستوي الجرائم, وخاصة في ظل الحريات الواسعة المتاحة الآن.
5- إن المجتمع المصري ما زال يعيش تحت ما يسمي ## ثقافة أمن الدولة##, وهي ثقافة غرسها هذا الجهاز في المصريين ومفادها أن المسلم في إمكانه الاعتداء علي القبطي دون أي عقاب قانوني, مما شجع حتي البسطاء للاعتداء علي جيرانهم.. وما زالت هذه الثقافة اللعينة مستمرة حتي الآن.
6- إن هناك تيارا سلفيا جديدا تحول من السلفية الكلاسيكية إلي السلفية الجهادية وبدأ علي الفور يطبق هذا التحول علي شركاء الوطن من الأقباط.
7- إن ما حدث بشأن محافظ قنا,بصرف النظر عن رأي البعض فيه, هو انتقال مسئولية استبعاد الأقباط من المناصب السياسية من أجهزة الأمن وأجهزة الحكم إلي سلطة الشارع المتطرف, وسلوك الأول هو الذي شجع الشارع علي هذا التطرف.
وهذا يقودنا إلي الفكرة الرئيسية لهذا المقال, وهي أن هناك دولا محددة في المنطقة تريد وقف تيار الثورات العربية عن طريق تدفقات مالية هائلة لبعض الفرق المتطرفة لعرقلة وصول موجة هذه الثورات إلي أرأضيها. أنني لا أبالغ إذا قلت إن مليارات الدولارات بدأت تتدفق علي مصر لدعم تيارات متطرفة بعينها لإعاقة نمو الدولة المصرية كدولة مدنية ديموقراطية حديثة, وهذه الدول تعلم أن نقطة الضعف في مصر هي العلاقة بين المسلمين والأقباط, ولهذا بدأت تغذي كل ما من شأنه تردي هذه العلاقة.
إن مصر أمام مفترف طرق ,وكل القوي السياسية والمجتمعية ,سواء التي تحكم أو التي تتطلع للمشاركة في الحكم, تقع عليها المسئولية الرئيسية فيما يحدث, فهل يعقل أن تقطع أذن شخص ويقذف آخر من فوق السطوح دون عقاب أو حتي تجري تحقيقات في ذلك في حين يسجن شاب ثلاث سنوات لأنه كتب مقالة علي مدونته الخاصة… نحن لسنا في أفغانستان ولن نقبل الممارسات الطالبانية في دولة بعراقة وتاريخ مصر وتنوعها الديني.
ختام القول:
## إن قاع جهنم محجوز لأولئك الذين يقفون علي الحياد عندما تتعرض القيم للخطر##
دانتي