حدثان في يوم واحد شاهدتهم عبر قناة ##أون تي في##, الأول بدء جلسات الحوار الوطني في مقر مجلس الوزراء وبرعاية الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء, والثاني المؤتمر الصحفي للواء ممدوح شاهين عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي أعلن من خلاله عن الإعلان الدستوري المؤقت الذي سيستمر حتي كتابة دستور جديد للبلاد.
في جلسات الحوار الوطني سمعت كلاما كثيرا مهما ومفيدا, ولكن أهم ما سمعت هو السؤال الذي طرحته المستشارة الفاضلة تهاني الجبالي نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا حيث قالت ما الآلية التي صدر بناء عليها الإعلان الدستوري ومن قبله قانون الاحزاب وقانون منع التظاهر, هل هي لجنة البشري أم من خلال وزارة العدل؟… ولم نسمع من الدكتور يحيي الجمل إجابة علي هذا السؤال الهام والرئيسي في هذه الفترة الخطيرة التي تصاغ فيها القوانين والقرارات.
والسؤال علي ماذا يتحاور المجتمعون؟
تم تشكيل لجنة التعديلات الدستورية بلا حوار, وتم الاستفتاء بلا حوار, وتم صدور قانون تشكيل الاحزاب بلا حوار, وتم صدور قانون لمنع التظاهر السلمي بلا حوار رغم أن الثورة ذاتها قامت لكسر حظر التظاهر السلمي ونجحت لأنها تحدت هذا المنع.
إذن تم انجاز آليات العمل في الفترة الانتقالية بلا حوار رغم خطورة ذلك علي مستقبل مصر, بل وآليات العمل بعد ذلك تم تحديدها حيث سيتولي مجلس الشعب الجديد, الإشراف علي إعداد دستور جديد للبلاد وكذا اصدار الكثير من القوانين الهامة…إذن علي ماذا يتحاور المجتمعون؟ وما قيمة هذا الحوار والخطوط الرئيسية تم وضعها سواء في الفترة الانتقالية أو بعد ذلك؟.
لهذا كان سؤال المستشارة تهاني الجبالي هو الاهم في جلسة الحوار كلها… وهنا نكون إزاء طبخة تعد لمستقبل مصر والشعب وضع في دور المتفرج كما كان يحدث سابقا.
ولهذا أيضا لم يكن مستغربا ترحيب جماعة الاخوان المسلمين ومعها التيارات الدينية الأخري بكل ما حدث من إجراءات.
الحدث الثاني في نفس اليوم هو خروج الإعلان الدستوري والمؤتمر الصحفي الذي رافقه, وقد شدني في هذا الإعلان إنه إعلان مطول جدا من 62 مادة, والغريب أن اللواء ممدوح شاهين قال أن الدستور الجديد سيشتمل علي هذه المواد وكأنه حدد الخطوط الرئيسية للدستور الجديد, والأخطر من ذلك إنه وصف المادة الثانية من الدستور والتي جاءت أيضا مادة ثانية في الإعلان الدستوري بأنها ## مادة فوق دستورية## بما يعني أنها مادة تنسخ ما يخالفها من مواد دستورية أو تقيدها بقيد الشريعة, وهو نفس الكلام الذي قاله فتحي سرور أثناء التعديلات الدستورية عام .2005والأهم من ذلك أنه لا يوجد شئ اسمه مادة فوق دستورية وهي موجودة في الدستور, كيف تكون مادة موجودة في الدستور وتوصف بأنها فوق دستورية؟. المبادئ فوق الدستورية هي المتعلقة بالمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان, وهي الموجودة في المواثيق الدولية حاليا, فالمواثيق الدولية تعلو علي كل القوانين المحلية بما في ذلك الدساتير ذاتها, وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من العفو الدولية للحقوق المدنية والسياسية من أنه ## لا يجوز تقييد أي من حقوق الإنسان الحقيقية المقررة في أية دولة طرف في الاتفاقية استنادا إلي القانون المحلي أو الاتفاقيات أو اللوائح أو التحلل منها بحجة عدم إقرار الاتفاق أو إقرارها بدرجة أقل##.
وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا في أمريكا بأنها لا تكتفي بالرقابة علي مطابقة القوانين للدستور, ولكن أيضا تحقق فوق ذلك في عدم مخالفة التشريعات لإعلانات الحقوق.
إن المبادئ فوق الدستورية والتي جاءت في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هي نتاج نضال طويل ضد الإستبداد منذ ما يعرف بـالماجنا كارتا أو العهد الأعظم الصادر عام 1215, ثم جاءت معاهدة وستفاليا عام 1648 لتقر تأسيس الدولة الحديثة كدولة المواطنين وليس الرعايا الدينيين, ثم وثيقة قانون الحقوق في بريطانيا عام 1689,ثم وثيقة الاستقلال الأمريكي عام 1776, والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان في اعقاب الثورة الفرنسية والصادر في عام 1789, تلي ذلك الجهود الدولية لحقوق الإنسان وكانت البداية صدور ميثاق الأمم المتحدة متضمنا في مادته الأولي ## تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين, ولا تفريق بين الرجال والنساء##. وأعقب ذلك إجراء آخر حيث أقرت دول العالم في شبه إجماع ## الإعلان العالمي لحقوق الإنسان## الصادر في 10 ديسمبر عام 1948, كما اقرت أيضا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والملاحق والبروتوكلات المرفقة بهما اللذين دخل حيز التنفيذ عام 1976, هذا فضلا عن عشرات المواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية.
ولهذا فان المبادئ فوق الدستورية المتعلقة بالحريات والمساواة والمواطنة , والموجودة في المواثيق الدولية, هي نتاج نضال الإنسان عبر قرون طويلة ضد الظلم والقمع والاستبداد والفساد والعنصرية.
أما وصف المادة الثانية بأنها فوق دستورية فهذا معناه تدمير الدستور لصالح حكم الشريعة, وتفريغ مواد المواطنة والمساواة والحريات من مضامينها, وتكريس التمييز الديني, ومخالفة المواثيق الدولية,والأهم معناه ضرب كل شعارات الثورة في مقتل والتي كانت ترفع ## مدنية مدنية… سلمية سلمية##.
لقد قامت الثورة من أجل إعادة بناء مصر كدولة حديثة تسعي للمستقبل, ولكن ما حدث حتي الآن يشير إلي محاولة جر مصر إلي الخلف.
[email protected]