لا يزال السؤال المحير إياه. لماذا قررت الولايات المتحدة اجتياح العراق في عام 2003 ردا علي العمليات الإرهابية التي تفذتها ##القاعدة## واستهدفت واشنطن ونيويورك؟ لماذا ذهب الجيش الأمريكي إلي العراق قبل الانتهاء من مهمته في أفغانستان حيث كانت ##القاعدة## ولا تزال وحيث قادتها علي رأسهم أسامة بن لادن؟ هل كانت الإدارة الأمريكية تدرك وقتذاك ما الذي تفعله وأبعاد العمل الذي ستقدم عليه؟
كان اجتياح العراق نقطة البداية علي طريق تغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط تمهيدا لحصول تغييرات ذات طابع جغرافي تطال حدود الدول مستقبلا. اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن قرارا في غاية الخطورة علي مستقبل الشرق الأوسط والتوازنات القائمة فيه وذلك تحت شعار أنها تريد نشر الديموقراطية في المنطقة. سمت المنطقة ##الشرق الأوسط الكبير## الممتد من باكستان إلي موريتانيا. بعد أقل من سبع سنوات علي الحرب التي أدت إلي تفتيت العراق, يتبين أن الهدف الذي تحقق لا علاقة له بنشر الديموقراطية. لم يكن هناك أصلا مشروع لنشر الديموقراطية. علي العكس من ذلك, كان هناك هدف واضح كل الوضوح لدي شخصيات معينة في واشنطن. يصب هذا الهدف في سياق عملية ##إعادة تشكيل المنطقة## لمصلحة القوي غير العربية فيها علي رأسها إسرائيل ومشروعها الاستعماري في الضفة الغربية. أليست هذه العبارة التي استخدمها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي بين عامي 2001 و2005 في مرحلة ما قبل الغزو؟
لم يكن بأول متورطا في مشروع تفتيت المنطقة. كان في أحسن الأحوال رجلا لا يعرف شيئا عن العراق وطبيعة العراقيين وما الذي يمكن أن تؤدي إليه عملية الانتهاء من حكم مركزي قوي في بغداد. لم يكن باول يدرك حتي أن النظام العائلي ـ البعثي الذي أقامه صدام حسين قضي علي النسيج الاجتماعي للعراق في المدن والضواحي والقري, في الريف والمدينة, وأن سقوط النظام سيعود بالويلات علي البلد وسيغير طبيعة العلاقات بين دول المنطقة. لم يفهم حتي لماذا بدرت كل تلك الحماسة الإيرانية للحرب الأمريكية علي العراق. كان النظام الإيراني الشريك الفعلي في الحرب الأمريكية علي العراق. لم يكتف بتقديم تسهيلات عسكرية للأمريكيين بل شجع المعارضة الشيعية علي الانخراط في المغامرة الأمريكية بعدما ضمن أن يكون العراق ##دولة فيدرالية##, إرضاء للأكراد خصوصا, وأن يتحكم شعار ##الأكثرية الشيعية في العراق## بكل الخطوات السياسية التي ستشهدها مرحلة ما بعد الاجتياح ودخول الجيش الأمريكي بغداد والجيش البريطاني البصرة. هل صدفة انعقاد مؤتمر للمعارضة العراقية في لندن في ديسمبر من عام 2002 بتنسيق تام بين واشنطن وطهران وأن يقر المؤتمر في وثيقة صدرت عنه مبدأي ##الفيدرالية## و##الأكثرية الشيعية## وذلك للمرة الأولي منذ قيام العراق الحديث في العشرينيات من القرن الماضي؟
ما هي النتيجة الفعلية للمغامرة الأمريكية في العراق؟ إذا وضعنا جانبا الفشل الذريع في أفغانستان وباكستان نتيجة الاندفاع العسكري الأمريكي المبكر في اتجاه العراق, نجد أن العد العكسي لتراجع نفوذ الولايات المتحدة في العالم بدأ في العراق. يجسد ذلك, ما آل إليه الوضع في أفغانستان وباكستان. تبين مع مرور الوقت أن هناك منتصرا وحيدا في الحرب الأمريكية علي العراق. هذا المنتصر هو إيران التي بسطت نفوذها في معظم الأراضي العراقية باستثناء تلك التي تحت سيطرة الأكراد. الأهم من ذلك كله أن إيران استخدمت العراق لتؤكد أنها صارت القوة الإقليمية الأبرز في المنطقة. خطفت القضية الفلسطينية وحولتها رهينة لديها وملأت الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري من لبنان في أبريل من عام 2005 وأثبتت في مايو 2008 أنها قادرة علي احتلال بيروت ساعة ما تشاء وذلك بعدما أكدت في صيف 2006 إنها تتحكم بقرار الحرب والسلم في لبنان.
في الإمكان الاستفاضة في الحديث عن الدور الإيراني في تشجيع الفتنة في اليمن, عبر الدعم الذي تقدمه إلي الحوثيين, والعمل علي ضرب الاستقرار في البحرين وحتي عن التعاون مع ##القاعدة## في غير مكان ومجال, خصوصا في الصومال. يمكن بالطبع إعطاء أمثلة لا تحصي عن الدور الإيراني الجديد علي غير صعيد, بما في ذلك المثابرة علي تهريب الأسلحة إلي مصر بحجة دعم ##حماس## في غزة. بكلام مختصر, تتصرف إيران بشكل مختلف في ضوء ما شهده العراق من تطورات!
كان الدخول الأمريكي إلي العراق نقطة التحول. لم يكن في استطاعة إيران تحدي المجتمع الدولي حاليا لولا شعورها بأنها قوية في العراق وإنها تتحكم بمصير قسم من هذا البلد وأن الجنود الأمريكيين الموجودين فيه رهائن لديها, مثلهم مثل معظم السياسيين العراقيين. نجح الإيراني في استغلال التغيير الذي حصل في العراق إلي أبعد حدود.
هناك واقع جديد في الشرق الأوسط. إنه التركة الثقيلة لجورج بوش الابن. هل في استطاعة باراك أوباما التخلص من العبء وإثبات أن أمريكا لا تزال أمريكا وأنها انتصرت فعلا في الحرب الباردة؟ ربما هناك حاجة إلي أن يعرض الرئيس الأمريكي عضلاته في مكان ما كي يقول إن الولايات المتحدة لا تزال تمتلك أنيابا. الوقت يضيق أمامه. أقل من سنة تفصل عن انتخابات الكونجرس. هل ينتفض أوباما أم يخضع لمشيئة القوي الصاعدة في الشرق الأوسط بفضل ما فعله جورج بوش الابن في العراق؟