أطلقت كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا صرخة أقل ما يقال فيها إنها صرخة إنذار, وطالبت بعقد مؤتمر دولي حول أفغانستان قبل نهاية العام الجاري. وتعكس هذه المبادرة التي تستحق الثناء, خطورة الوضع الراهن.
ثمة اعتراف واسع النطاق في أوربا, ومتزايد في الولايات المتحدة, بأن الحرب ضد حركة طالبان تسير بشكل سيئ وأن حصيلة القتلي في صفوف قوي الائتلاف والتكاليف التي تتكبدها ترتفع بوتيرة مخيفة; وأن الرأي العام الغربي المتململ بدأ يطالب بوضع جدول زمني للانسحاب.
وعلي رغم بعض التصاريح المتفائلة الصادرة عن زعماء غربيين, بمن فيهم الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي أندرس فوح راسموسن, يبدو أنه لا توجد بارقة أمل في نهاية هذا النفق المظلم. فالحرب في أفغانستان هي شرك مميت يمكن أن يلحق ضررا كبيرا بجيوش واقتصاديات البلدان التي شنتها, وبمستقبل حلف شمال الأطلسي, وحتي بولاية الرئيس باراك أوباما. كما أنها تتسبب بضرر كبير في أفغانستان.
ويبدو أن الغارة الجوية التي شنها حلف شمال الأطلسي مؤخرا علي شاحنتي وقود تمت سرقتهما في محافظة قندوز, وأودت بحياة حوالي مئة شخص من بينهم عدد كبير من الأطفال, تدل علي حصول نقطة تحول في النزاع. وقد أثار ذلك غضبا عارما في صفوف الأفغان, بدءا من الرئيس حميد كارزاي ووصولا إلي رجال القبائل العاديين. وهي تشير إلي فشل ذريع في التكتيكات العسكرية الغربية فضلا عن ضعف في الاستراتيجية السياسية العسكرية بشكل عام.
وتكمن المفارقة في أن الغرب يستخدم الوسائل العسكرية ضد حركة الـالطالبان, مع أن كل الأطراف المعنية, بمن فيها الرئيس أوباما, تقر أن الحل العسكري وحده للمشكلة غير ممكن. ومن بين القوات الغربية المنتشرة في أفغانستان, والتي يصل عددها إلي مئة ألف جندي, 68 ألف جندي أمريكي وقد يتم استدعاء المزيد منهم. وأنفقت الولايات المتحدة 220 بليون دولار علي الحرب في أفغانستان منذ عام .2001
ما العمل إذن؟
تكمن العقدة الأساسية في قلب النزاع الأفغاني في كيفية التعاطي مع قبائل الباشتون, وهي مجموعة كبيرة تضم أشخاصا قبليين مسلحين وفقراء, ولكنهم حريصون جدا علي استقلاليتهم, ويعيشون في أعالي الجبال الجرداء وفي الوديان المعزولة التي تربط جنوب أفغانستان بشمال غرب باكستان, وذلك عبر خط دوراند الذي رسمته بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر.
وإذا رغب القراء في معرفة المزيد عن المشكلة القائمة بفعل هذا الخط, لا يوجد مصدر أفضل من مقال مهم كتبه بيجان عمراني بعنوان ##خط دوراند: تاريخ الحدود الأفغانية – الباكستانية ومشاكلها## الذي نشر في عدد يوليو من مجلة Asian Affairs الصادرة في لندن.
يشرح عمراني أن قبائل الباشتون المتواجدة علي جانبي هذا الخط لا تملك مؤسسات سياسية موحدة. فهي تعيش علي مبادئها القبلية البسيطة المعروفة بالـباشتون والي أو طريقة الباشتون. وتعني كلمة ملماستيا حسن الضيافة والحماية اللتين يجب توفيرهما لكل ضيف. أما كلمة ناناواتي فتدل علي الملجأ الذي يجب تقديمه إلي كل فار, حتي لو كان عدوا لدودا. فيما تشير كلمة بدل إلي قانون الثأر الذي يعتمد عند تعرض عائلة إلي شتيمة أو سرقة أو اعتداء أو قتل. ويمكن التوصل إلي حل قضية الثأر خلال اجتماع قبلي أو جيرجا من خلال دفع فدية أو تسليم فتاة من العائلة إلي الفريق الذي تعرض للاعتداء لتكون زوجة أو جارية.
وفي حال فشل المضيف من الباشتون في حماية ضيفه الفار, فيعتبر ذلك وصمة عار. والمضيف يفترض أن يكون مستعدا للتضحية بحياته حتي لا يتم القبض علي ضيفه. ويساهم ذلك في فهم طبيعة العلاقة بين قبائل الباشتون وأعضاء تنظيم القاعدة الذين يحظون بحمايتهم.
في عام 1839, اجتاح البريطانيون أفغانستان وعينوا عليها ملكا كان دمية بين يديهم. وكان هدفهم يكمن في إنشاء دويلة تكشل حاجزا بينهم وبين خصومهم الروس الذين كانوا يتقدمون نحو آسيا الوسطي. إلا أن الملك الأفغاني لم ينجح في حماية نفسه فتمت تصفيته بعد أن رحلت القوات البريطانية.
وبين عامي 1857 و1881, أطلق البريطانيون أكثر من 23 عملية عسكرية في الجبال, بما في ذلك خلال الحرب الأفغانية الثانية ( 1878 – 1880), لمحاولة ترويض القبائل ومنعها من شن غارات علي السكان في سفوح الجبال, إلا أنها فشلت كلها. وفي عام 1893 قام البريطانيون برسم حدود رسمية بين أفغانستان والهند البريطانية.
وبين عامي 1893 و1896, تم ترسيم حدود علي طول 3 آلاف كلم عرفت بخط دوراند الذي شكل حدودا سياسية مصطنعة تمر عبر القري والعائلات والقبائل. وبما أنه كان سهلا اختراقه, كان هذا الخط يسمح للأشخاص أن يمروا عبره بسهولة, فأصبح مصدرا لعدم الاستقرار وهو لا يزال كذلك الي اليوم.
وفي الثمانينيات, استخدمت باكستان المناطق القبلية لإطلاق المجاهدين ضد السوفيات في أفغانستان. وتم تدريب عناصر طالبان هناك فضلا عن المقاتلين من كشمير. ولم تتوقع باكستان أن تصبح حركة طالبان الأفغانية حركة متطرفة تعارض كابول وإسلام أباد علي حد سواء.
تشعر قبائل الباشتون بعدائية كبيرة حيال أي أمر قد يؤثر في طريقة عيشها. وعلي رغم أن أفراد القبائل فقراء ومتخلفون إلا أنهم محاربون اشداء. وقد ذكر بيجان عمراني في مقاله بعض الإحصاءات المحبطة, إذ لا تصل المياه الصالحة للشرب إلي 57 بالمئة من سكان المناطق القبلية, اما نسبة من يتقنون القراءة والكتابة فلا تتجاوز 17 في المئة بين الرجال, وتنخفض إلي 3 في المئة بين النساء. وهناك طبيب واحد لكل 7670 شخصا.
والمطلوب بحسب عمراني إرساء رؤية واسعة النطاق للمنطقة الأوسع التي تضم أفغانستان وباكستان والهند وإيران ودول آسيا الوسطي. ويبدو أنه لا أمريكا أو بريطانيا أو أي عضو من قوات حلف شمال الأطلسي لا تملك هذه الرؤية.
وكتب عمراني ما يلي:
ثمة حاجة إلي إرساء تعاون فوري بين أفغانستان وباكستان وإلي الحصول علي مساعدة القوي الإقليمية وإيجاد بعض الوسائل لنزع السلاح من المناطق القبلية وإجراء استثمارات علي جانبي خط الحدود. ويجب أن يكون إنشاء منطقة تجارية حرة تمتد من الهند مرورا بباكستان وأفغانستان وصولا إلي آسيا الوسطي هدفا طويل المدي. ويضيف من الصعب التوصل إلي ذلك في المستقبل القريب. فلن تشارك حركة طالبان إلي أن يتم إخراج كل القوات الأجنبية من البلد.
يجب أن يعلن المؤتمر الدولي حول أفغانستان الذي دعت القوي الأوربية الرئيسة إلي عقده قبل نهاية العام, هدنة مع حركة طالبان, وأن يدعو إلي وقف العمليات العسكرية والاستعداد لمعالجة المشاكل الحقيقية في أحد أكثر الأجزاء المهملة من العالم.
* كاتب بريطاني متخصص في شئون الشرق الأوسط
** الحياة اللندنية