عندما صدر إعلان بأن محادثات السلام في الشرق الأوسط ستبدأ في الثاني من سبتمبر; لم يقابل ذلك البيان بحماس متدفق, ولكن التقدم المحرز في الموضوع الأمني وغيره من القضايا يوحي بأن هناك سببا للاعتقاد بأن محادثات السلام يمكن أن تسفر عن نتائج.
كانت هناك زيادة في التعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ أن قامت حماس باستبعاد المسئولين في شئون الأمن وحركة فتح — التي هي التيار السائد — من قطاع غزة قبل أكثر من ثلاث سنوات. وقد مكثت مؤخرا خمسة أسابيع في المنطقة, التقيت خلالها بعشرات المسئولين الإسرائيليين والفلسطينيين, بمن فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ويتضح التعاون بشكل متزايد في مجالات عديدة.
لقد شهد التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تحسنا جوهريا. ففي عام 2002, لقي 410 إسرائيليين حتفهم في تفجيرات انتحارية وغيرها من الهجمات التي انطلقت من الضفة الغربية; وفي السنوات الثلاث الماضية, عانت إسرائيل من مقتل شخص واحد من هجوم من هذا القبيل. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قد صرح في حديث له في واشنطن هذا العام, بأن الموقف علي أرض الواقع ##أفضل من أي وقت مضي##. ولم نعد نسمع الاتهامات الإسرائيلية بأن الفلسطينيين يتبعون طريقة ##الباب الدوار## للإفراج عن إرهابيين في أعقاب عمليات اعتقال سريعة — بعد أن كان هذا النهج متفشيا في عهد عرفات. لقد انبثقت حركة احتجاج فلسطينية غير عنيفة.
ومن جانبها, لم تعد السلطة الفلسطينية تحاول إخفاء تعاونها الأمني اليومي مع إسرائيل, حتي أنها استضافت في الأشهر الأخيرة كبار مسئولي الأمن الإسرائيليين في مدن السلطة الفلسطينية, جنين وطولكرم وأريحا. وخلال صراع غزة في نهاية 2008 وبداية 2009, حافظت السلطة الفلسطينية علي الهدوء في الضفة الغربية. ونظرا لتحسن الأوضاع الأمنية, قامت إسرائيل بخفض عدد نقاط التفتيش الرئيسية المأهولة بالجنود في الضفة الغربية من 42 نقطة في عام 2008 إلي 14 نقطة. وتشمل نقاط التفتيش المتبقية عددا من ممرات عبور أكثر من السابق, مما أدي إلي خفض كبير في أوقات الانتظار. ولقد أدي تحسن الأوضاع الأمنية وجهود أخري قام بها رئيس الوزراء الإصلاحي سلام فياض إلي زيادة معدل النمو الإقتصادي في الضفة الغربية بنسبة 8.5 في المائة.
لقد تم البدء بإصلاحات دينية وتعليمية, بما في ذلك الجهد الكبير الذي يبذل لتحديد أولئك الأئمة الذين يدعون إلي القيام بتفجيرات انتحارية. وأخبرني وزير الأوقاف في السلطة الفلسطينية محمود الهباش — وأكد ذلك مسئولو أمن إسرائيليون — بأنه قد تم إبعاد مثل هؤلاء الأئمة من جميع المساجد الفلسطينية التي تقع تحت السلطة القضائية للسلطة الفلسطينية. وأضاف الهباش قائلا, ##لقد كانت حماس تسيطر علي مساجدنا لمدة 30 عاما, ونحن نحاول الآن استرجاع المساجد بحيث لا يتم استخدامها إلا للصلاة##.
بدأت السلطة الفلسطينية في تعديل المناهج الدراسية للمؤسسات الفلسطينية التي تمنح إجازات الأئمة, ويجري القيام أيضا بعملية تصفية لإبعاد معلمي المدارس الذين يدعمون تطرف حماس. ويقول مسئولو أمن في السلطة الفلسطينية بأنه قد تم استبدال 1100 من أصل 28000 معلم فلسطيني في الضفة الغربية. وستنخفض أعمال التحريض في حالة إنهاء ممارسة تسمية ميادين المدن والمخيمات باسم قتلة الأمس, من بين آليات أخري.
أظهر الإسرائيليون أيضا تغييرا في سياساتهم. ففي الصيف الماضي, أيد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو حل الدولتين بصورة علنية, كما أن تعليقه للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية لمدة 10 أشهر أثبت بأنه أكثر ضبطا للنفس من أي من أسلافه. ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم تمديد فترة تعليق بناء المستوطنات المقرر انتهاؤها في الشهر الجاري أم لا — وهو موضوع قد يعرقل الجهود حديثة التولد. وفي حين كان رئيس الوزراء السابق أرييل شارون قد سعي إلي الاحتفاظ بالسيطرة علي أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لمنع شن هجمات من الشرق, يشير مسئولون إسرائيليون بأن نتانياهو معني بقيام إجراءات أمنية فعالة حول حدود الضفة الغربية لمنع ذلك النوع من التهريب القائم من مصر إلي قطاع غزة, أكثر بكثير من اهتمامه بضم الأراضي.
ويريد المفاوضون بدء محادثات السلام بنقاش قضايا الأمن والحدود, حيث يعلم كلا الطرفين جيدا ما يريده الطرف الآخر. ومن غير المرجح أن تكون — حتي الخلافات علي الأراضي — مستعصية علي الحل. وفي المرة الأخيرة التي حاول فيها الطرفان إجراء محادثات هادئة في عام 2008, كانا قد اختلفا حول 4 في المائة فقط من أراضي الضفة الغربية. وقد صرح الرئيس عباس بأنه يعرف أن إسرائيل ستحتفظ بمستوطنات الضفة الغربية المتاخمة للمدن الإسرائيلية, ومن المرجح أن تقدم إسرائيل تعويضا للفلسطينيين من الأراضي الواقعة داخل الحدود الإسرائيلية, بقدر مساحة المستوطنات التي ستحتفظ بها.
وهناك قضيتان لا تتعلقان بتحولات سياسية هادئة, لكنهما ستتطلبان تهيئة السكان: القدس واللاجئين — القضيتان الأزليتان للصراع, اللتان تشكلان جزءا لا يتجزأ من التعريف الذاتي لكلا الطرفين. وقد أدت الصعوبات المحيطة بهاتين القضيتين إلي أن يستفسر البعض عن جدية دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لإكمال المحادثات خلال عام واحد. بيد, ينصب الأمل أن يؤدي التقدم في مجال الأمن والحدود إلي تسهيل الجذب السياسي حول هذين الموضوعين الشائكين.
ولكن, مع هذا, إذا لم يحدث ذلك, سيحتاج الطرفان إلي ايجاد سبل للتعامل مع هاتين القضيتين النهائيتين علي نحو لا يؤدي إلي تلاشي التقدم في مجالات أخري.
هل تحدق المخاطر بالمحادثات؟ بالطبع. لقد أخبرني الرئيس عباس أن إيران تمنح حماس 500 مليون دولار سنويا, ومن المرجح أن تحاول طهران إفساد المفاوضات المرتقبة.
بيد, يشكل التقاعس أيضا بعض المخاطر. وتتكلل جهود فياض في بناء المؤسسات الفلسطينية والتعاون الأمني بالنجاح بسبب تجميعها كجزء من الجهد المبذل لبناء دولة. كما أن الجهد العنيف الذي يبذل من الأسفل إلي الأعلي ويركز علي المؤسسات الأمنية والاقتصادية لن يكون قابلا للاستدامة ما لم يتم ربطه بجهد يبذل من الأعلي إلي الأسفل.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل متميز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني, ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط التابع للمعهد. وشارك مع دينس روس في تأليف كتاب ##الأساطير… الأوهام والسلام: البحث عن اتجاه جديد لأمريكا في الشرق الأوسط##.
واشنطن بوست