لا شك أن أفة الحكم هي الإستبداد والفساد والغرور والقسوة, ومنذ بدء الخليقة وحتي الآن لا يتعظ حاكم من عبرات التاريخ ولا من عبرات من سبقوه,فالسلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة تعمي الأبصار وتغلق العقول وتقتل الضمير وتطفئ نور القلوب وتجعل الإنسان أقسي من الحيوانات.
كان القذافي يتحرك كالطاووس مصدقا نفسه بجد أنه ملك ملوك أفريقيا حيث شاهدنا وضع التاج علي رأسه, وفي آخر زيارة له إلي ايطاليا كان يشاور بأصبع واحد لمن حوله من مرافقين وصحفيين ومسئولين ايطاليين. فهل اتعظ القذافي من تاريخ الحكام من نبوخذ نصر إلي صدام حسين؟,بالطبع لا وإلا لما كان هذا مصيره, وهل يتعظ الحكام المعاصرون والقادمون بما حدث للقذافي؟. الإجابة بالتأكيد لا,وإلا لما كانوا هرسوا الناس المسالمين بالمدرعات وهللوا وكبروا حول الجثث المشوهة والجماجم البشرية المفرغة من أمخاخها.
يتشابه المستبدون في كثير من الأمور وبعضهم في شكل النهايات أيضا, فصدام حسين كان مختبئا في حفرة, والقذافي في ماسورة للصرف الصحي, وموسوليني وعشيقته في مؤخرة سيارة نقل بضائع, وشاويشسكو هاربا متخفيا هو وزوجته من باب الخدم, ومثله أيضا زين العابدين بن علي. يتشابهون أيضا في أنهم جميعهم مغيبون عن الواقع,فشاوشيسكو كان يري نفسه خالدا في رومانيا رغم سقوط سور برلين حوله وظهور البروسترويكا في الاتحاد السوفيتي إلا أنه كان يتصرف وكأن الجماهير لن تطوله, القذافي كا يستهزئ بما حدث في تونس ومصر, وبشار يتصور أن الشعارات الثورية الفارغة ستبعد عنه الثورة, ومبارك لم يتخيل أن الترسانة الأمنية الضخمة ستنهار فجأة. المستبدون لم يستعينوا بأجهزة الأمن والمخابرات ورجال الدين والبلطجية والمجرمين لتثبيت حكمهم بل هم تحولوا أنفسهم إلي زعماء عصابات, فموسوليني كان زعيما لعصابات الفاشست ذات القمصان السوداء, وصدام كان يتصرف كزعيم عصابة دموي وبلطجي, والقذافي كان بلطجي مجنون, وبن علي أقرب إلي زعماء المافيا, ومبارك زعيما لعصابة فاسدة استحلت ثروة مصر. شاوشسكو كان يعد ابنه المدمن والمنحط اخلاقيا ليرث حكمه, ومبارك كان يعد ابنه الفاسد, والقذافي ابنه الموتور وبن علي يعد زوجته وعلي عبد الله صالح ابنه, وبشار هو نفسه وارث وبالطبع سيورث عندما يأتي الوقت… فهكذا تخيلوا أن هذه البلاد قطعة من أملاكهم الخاصة.
ورغم أن نهاية شاوشيسكو كانت رميا بالرصاص هو وزوجته بعد محاكمة صورية, وموسوليني أعدم مع خمسة من رفاقه منكس الرأس بدون محاكمة, وصدام أعدم صباح يوم العيد بعد محاكمة هزلية,إلا أن ما حدث للقذافي فاق كل تصور…لقد حولوا جثته إلي متحف مفتوح يرقصون حولها كحفلات الزار.
ما أبشع هذه النهاية, ولكن قراءة التاريخ توضح لنا بجلاء أن المستبدين لا يتعلمون, وهذا للأسف من سوء حظ البشرية أن تدفع أثمانا باهظة قبل أن يسدل الستار علي حياة هؤلاء.