كثرت الأحاديث وتعددت المقالات والحوارات بأجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية عن مشكلة التكدس المروري والازدحام الرهيب في القاهرة.. الأمر الذي يهدد بتوقف المرور تماما خلال عامين علي الأكثر..!
تتفاوت الإحصائيات عن عدد المركبات بالقاهرة بين 700 ألف ومليون سيارة مع تزايد سنوي بمعدل 220 ألف سيارة تمثل حجم مبيعات السوق المصرية سنويا يخص القاهرة منها حوالي النصف لتضخ في الأجواء من السموم القاتلة ما يضيف إلي سحابة حرق قش الأرز سحبا أكثر سوادا وأشد خطورة علي صدور الناس.. كما أن المساحات الخالية في شوارع القاهرة تضاءلت بما لا يتيح لها أماكن انتظار كافية, وبما لا يسمح بحركة المركبات وسيولة المرور الأمر الذي لم يعد عادلا ولا مجديا معه تغليظ العقوبات المرورية اللهم إلا إذا كان الغرض منها الجباية وزيادة السخط الشعبي…!
وذلك في بلد لا يجرؤ أحد علي الاقتراب بشكل عملي من مشكلة تزايد السكان حيث بلغت الزيادة السكانية 1.3 مليون نسمة سنويا مع النزوح المتصاعد للقاهرة وما يترتب عليه من تداعيات مخيفة في جميع المجالات تشكل عبئا متزايدا علي الاقتصاد القومي وعلي مجمل الخدمات والمرافق, وعلي إجمالي الدعم الذي يخطو بخطوات متسارعة نحو رقم 100 مليار جنيه سنويا..
ولن أتناول في مقالي هذا من المشروعات لحل الأزمة مثل ما أعلنته أمانة السياسات بالحزب الوطني ورئاسة حكومة الحزب من إنشاء قاهرة جديدة تنتقل إليها عاصمة اليوم بقضها وقضيضها.. فهذا أمر وإن كان حاسما ومطلوبا, إلا أن الأولوية – كما قال الرئيس مبارك بحسه الوطني المتميز – للعدالة الاجتماعية وليست للإنفاق علي إنشاء عاصمة جديدة.
ولن أطرح في مقالي هذا غير ذلك من المشروعات المعلن عنها مثل القطار الرصاصة وزيادة خطوط المترو, فهذه أمور وإن كانت مطلوبة ومستحبة, إلا أن تنفيذها يستغرق أمدا طويلا ونفقات باهظة.. ولنسارع اليوم بإصلاح الموجود وتجديده وإعادة الوجه الحضاري له..
وينصب حديثي هنا علي اقتراحات قابلة للتنفيذ الفوري مع ضرورة إعادة هيبة الدولة والقانون ومواجهة فوضي الشارع والقضاء علي ثقافة تفشت كالوباء بين الأفراد في أن يمارس الفرد ما يشاء حين يشاء في أي مكان يشاء وبأية صورة كانت…!
هذه حزمة من الإجراءات المقترحة قد يؤيدها ويهلل لها أو لبعضها البعض, وقد يعارضها أو بعض منها البعض الآخر.. قد تساندها أو تتجاهلها الدولة.. قد يعارضها المعارضون التقليديون وقد يحبذها آخرون..
هذه حزمة من المقترحات يرتجي من نتاجها العودة بعاصمة المحروسة إلي الزمن الجميل حيث لا ازدحام متصادم ولا ضوضاء سمعية وبصرية, ولا صف تاني وثالث ورابع, ولا تكدس لسيارات تغلق الشوارع الجانبية تماما ويتحكم فيها مافيا همجية فضلا عن أرصفة طاردة للمشاة إذ يحتلها البائعون والمقاهي والمحلات.. ولا تجمع للشاحنات في الشوارع السكنية ولا ميكروباصات وتوك توك يسيرها أطفال مشردون تعربد في مسيرتها بين السيارات والبشر, ولا شاحنات يقودها مغيبون يزرعون الموت وينثرون الدماء علي الأسفلت.
أولا: منع استيراد سيارات الركوب لمدة زمنية محددة عامين مثلا والاكتفاء بالإنتاج المحلي مما يضاعف فرص العمل والاستثمار المحلي.
ثانيا: عدم السماح بتسيير المركبات المتهالكة وما يزيد عمرها علي خمسة وعشرين عاما للسيارات الملاكي وعلي عشرين عاما لسيارات التاكسي مع دعم سائقيها لاستبدالها بسيارات محلية حديثة مزودة بعدادات ملزمة..
ثالثا: تحديد سير السيارات ذات الأرقام الفردية في الأيام الفردية, وذات الأرقام الزوجية في الأيام الزوجية مع إتاحة الفرصة للراغبين في استبدال الأرقام.. ولعل في ذلك ما يعيد للأسرة ترابطها وللجيرة تعاونها..
رابعا: ولحين استكمال مشروع الجراجات العملاقة, تخصص مساحات خالية لانتظار السيارات في مداخل وسط المدينة وبجوار محطات المترو حيث يأمن المواطن علي إيداع سيارته لينتقل منها إلي مقصده في مواصلات جماعية تحقق له آدميته وتوفر له سبل الراحة.
خامسا: تشجيع استخدام وسائل النقل الجماعية مما يستلزم الوفرة ودقة المواعيد والنظافة والتجديد.
سادسا: تخصيص الأرصفة للمشاة.
سابعا: إيقاف أو تنظيم النزوح إلي القاهرة.
ولاشك أن في تحقيق ذلك المقترحات ما يقضي فوريا علي مشكلة التكدس المروري وما يخفف العبء عن دعم بترولي يصل إلي 40 مليار جنيه سنويا تتطاير في الأجواء غازا ساما يفسد الصدور ويبعث العلل في الجسوم..!
وإذا كان الشئ بالشئ يذكر, فلا بأس من عجالة نتناول فيها ما يثار حاليا من صراعات وأصوات عالية حول الدعم الذي يسير قدما في إجمالية لرقم 100 مليار جنيه سنويا, وهل يستمر عينيا ليتحول إلي كروش الجشعين والخونة وعديمي الضمائر أم نقديا ليزيد من أعباء الجهاز الإداري ومعاناة المستحقين للحصول عليه مع زيادة التضخم وارتفاع الأسعار بشكل عشوائي ومتزايد.. وفي النهاية لا يصل الدعم أيا كانت مسمياته إلي الغلابة والمطحونين..!
والرأي عندي أن الحل قريب المنال وأكرر أنه يتمثل أولا في استعادة هيبة الدولة والقانون ويستلزم حضورا دائما وقويا للحكومة في الشارع المصري ووضع الضوابط القابلة للتنفيذ علي أيدي الشرفاء وذلك لتلافي العادم الرهيب الناتج عن الإهمال واللامبالاة مع ضبط السوق ومحاصرة السماسرة والمرتشين والمتربحين حراما بما يزيد علي 4.5 مليار جنيه سنويا من دعم رغيف الخبز فقط, مع بقاء الدعم العيني بالنسبة لرغيف الخبز والمواد الغذائية والتموينية والزراعية.. حيث لا يفلت من استحقاقها سوي 10% علي الأكثر من أبناء مصر, ومعظم هؤلاء لا يستخدموا المواد التموينية المدعمة وخاصة رغيف الخبز في حين أن حوالي 40% من سكان مصر يعيشون حول خط الفقر, كما أنه لا غناء لباقي أبناء مصر عن استخدام الدعم العيني لرغيف الخبز والمواد التموينية..