خطاب أوباما في تركيا عن تقدير الإسلام والصداقة مع العالم الإسلامي قد أثار تعليقات عربية وإسلامية كثيرة, يزعم معظمها بأن أمريكا كانت في حالة حرب علي العالم الإسلامي قبل أوباما وجاء الأخير لتغيير الخط رأسا علي عقب. ولا شك في أن أسلوب ونبرة الخطاب قد شجعا علي هذا التفسير الذي لا تسنده الحقائق, القريبة منها والبعيدة. لقد أكثر الخطاب من عبارات التودد والمديح والتقرب بحيث كادت تضيع الكلمات الهامة الخاصة برفض الأيديولوجية الدينية المتطرفة التي تتخذ من الإسلام راية وعنوانا.
إن المحاولات المستمرة لإدارة أوباما للغمز من إدارة بوش وسياساتها, وكثرة الحديث عن التغيير الجذري في المواقف والسياسات, موقف غير موضوعي, ولن يخدم المصالح الأميركية ولا شخص الرئيس الجديد, خصوصا وأن الإدارة الجديدة مضطرة مستقبلا لاتخاذ مواقف لن تبتعد في القضايا الدولية الساخنة عن سياسات بوش, وإن بعد ضياع وقت ثمين جدا, كالحالة مع إيران مثلا.
إن أمريكا لم تشن حربا ضد العالم الإسلامي, سواء في عهود الإدارات الديموقراطية أو مع الجمهوريين, وليس صحيحا بالمرة هذا النمط من التعليقات التي تنشر, والتي تتحدث عن ##وجود نظرة جديدة للإدارة الأمريكية الجديدة نحو الإسلام والعالم الإسلامي, بعيدة كل البعد عن التعصب والحقد اللذين ميزا المرحلة السابقة, لذا فإن الدعوة المتسامحة الصادقة التي أطلقها أوباما تمثل نقلة نوعية في السياسة الأمريكية, من شأنها أن تمحو من ذهن الأمريكيين ذلك الربط الظالم بين الإسلام والإرهاب. هذا واحد من بين عشرات التعليقات والمقالات بنفس الروح والمنحي.
لقد كانت واشنطن بوست محقة حين تحدثت عن عودة أوباما من زياراته بسلة من الشعور بخطايا أمريكا, وعقدة الذنب, والحرص علي التكفير عن الخطأ, ودون أن يحصل أي شيء في المقابل.
ما هي الحقائق والوقائع؟
منذ الثمانينيات والتسعينيات والإرهاب الإسلامي يوجه للولايات المتحدة ضربة بعد أخري في تفجيرات متتالية بضحاياها الذين وصل عددهم في 11 سبتمبر وحده إلي 3000: تفجير مقر المارينز في بيروت في بداية الثمانينيات, تفجير المدمرة كول في خليج عدن, خطة تفجير المركز التجاري لعام 1993, وكثير غيرها من عمليات الإرهاب التي قام بها مسلمون يقتلون الناس بالجملة باسم القرآن والإسلام, ولذا يصح وصفه بالإرهاب الإسلامي. إن هذا الإرهاب ضرب كل دول الغرب, لا أمريكا وحدها, وخصوصا في تفجيرات لندن ومدريد, وإن التطرف الإسلامي يحارب حرية الرأي والنشر في الدول الغربية, ويمارس عمليات الاغتيال وإشعاال الاضطرابات, مرة باسم إدانة رسوم كاريكاتورية قصد الرسام بها الإرهابيين المسلمين وليس الإسلام, ومرة لفرض الحجاب في المدارس الفرنسية العلمانية خلافا لقانون 1905 الذي يحظر حمل الطلبة لإشارات دينية مهما كان الدين. لم تصدر عن دولة أو مؤسسة دينية غربية فتوي بتكفير المسلم ولكن ترسانة المتطرفين مليئة بتكفير غير المسلمين والدعوة ##للجهاد## لأسلمتهم, فمن المعتدي يا تري؟!!.
نقول إنه إذا لم تكن كل هذه العمليات والممارسات والدعوات حربا علي الغرب, وأمريكا خاصة, فماذا تكون الحرب؟! وهل تقابل حرب الإرهاب المستمرة والشاملة بغير ##الحرب الشاملة##, وهي العبارة التي أدين بسببها بوش وكيل المديح لأوباما لكونه لا يستخدمها؟!
إن القضايا التي تثار دوما لتبرير الحكم بعداء أمريكا للإسلام في مقدمتها حربا أفغانستان والعراق, وكل منهما كانت مبررة كما سبق وعالجناهما أكثر من مرة, وحرب أفغانستان مستمرة مع اوباما. إننا نسأل: هل حقا أن إدارة بوش بعد 11 سبتمبر وصمت الإسلام بالإرهاب, أم إنها بذلت كل الجهود لتشرح للمواطنين وجوب التمييز بين الإسلام وجمهرة المسلمين, وبين حملة أيديولوجيا التطرف والإرهاب الذين يستغلون ورقة الدين؟ كانت الجهود بهذا الاتجاه كبيرة وذلك لإقناع المواطن الأمريكي بذلك وتهدئة الأجواء بعد الصدمة الكبري. إن الإدارة السابقة لم تتخذ من جرائم القاعدة منطلقا للحكم علي الإسلام وجمهرة المسلمين.
في أمريكا ودول الغرب الأخري عشرات الآلاف من المساجد, وحرية العبادة مكفولة, بل أكثر مما في دول إسلامية عديدة, ولكن ما يوتر الجو ويسئ لسمعة المسلمين هي عمليات الإرهاب والخطط المستمرة لتنفيذها, كما حصل أخيرا في حالة الباكستانيين الذين اعتقلوا للتو في بريطانيا.
إن التطرف الإسلامي والإرهاب باسم الإسلام يهددان العالم الإسلامي نفسه, فكم دولة عربية ومسلمة لم تقع فيها تفجيرات وعمليات قتل باسم الإسلام؟؟
الصحيح أن الإرهاب الإسلامي هو أيضا حرب علي شعوب العالم الإسلامي نفسها, سواء جرائم الإرهاب الإسلامي في العراق, أو اليمن, أو باكستان, أو المغرب, أو مصر, أو الجزائر, أو تونس, وفي دول كثيرة أخري, عدا دول الغرب. إنه إرهاب مسلمين, من سنة وشيعة, يحملون عقلية احتقار الإنسان والحضارة وحرية المعتقد والفكر. إنهم متطرفون مؤدلجون يحلمون بقيام الإمبراطورية أو الخلافة الإسلامية الدولية.
إن كراهية أمريكا في العالم الإسلامي متأصلة قبل بوش وفي عهود الرؤساء المتعاقبين, وسوف تستمر إلي أجل غير معلوم, وهذه الكراهية هي جذر أبلسة بوش وسياساته, وأما ##شهر العسل## مع أوباما فلنر كم سيدوم!
هذه كلمة موجزة, ولنا عودة فالموضوع يستدعي وقفات أخري.
كاتب عراقي مقيم بباريس