التغيير الحقيقي يحدث عندما تتغير منظومة الأفكار وطريقة بناء وإدارة المؤسسات وفلسفة الحكم ومنظومة العمل وقيم الأفراد, ولا يوجد تقدم حقيقي في بلد دون تغيير في منظومة الإعلام, خاصة وأن النظم الشمولية والمستبدة والعسكرية والدينية تعتبر الإعلام أحد المصادر الرئيسية لقوتها ووسيلة هامة لإحكام سيطرتها علي عقول رعاياها حيث إن هذه الدول لا تعرف المواطنة بل الرعايا والتوابع.
فهل تغير فعلا الإعلام المصري بعد الثورة؟.
للأسف الاجابة لا.. نعم زادت حدة الثرثرة الإعلامية المصاحبة لحالة الصخب السياسي الحالي. نعم تحول الكثيرون إلي ابطال وثوار وكتاب ومحللين. نعم زادت المطبوعات والفضائيات.نعم زادت بشدة الاستثمارات السعودية والقطرية عبر الوكلاء المحليين في منظومة الإعلام المصري. نعم تخندق بعض رجال الاعمال حول ما يملكون من وسائل إعلام لحماية أنفسهم من المساءلة.. ولكن كل هذا لا يعني أبدا أن هناك تحولا إيجابيا حقيقيا في منظومة الإعلام المصري.. وتظل الأسئلة الحقيقية المطروحة حول الحريات الإعلامية بلا إجابة أو أن اجاباتها المعروفة لا تدعو للتفاؤل.
لماذا لم يلغ المجلس الأعلي للصحافة ويكون اصدار الصحف والمطبوعات وكذا وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بمجرد الاخطار لمصلحة الشركات كما هو في حالة تأسيس الشركات؟
لماذا تقيد الصحف بحد أدني من رأس المال المكبل والمعوق للنشر؟.
ماذا يعني وجود وزارة للإعلام؟
ماذا يعني ملكية الدولة لهذا العدد الكبير من المؤسسات الإعلامية؟
هل هناك شفافية وسهولة في الحصول علي المعلومات؟
لماذا تقدم الدولة إعانة شهرية لأعضاء نقابة الصحفيين؟ وهل الشخص ينضم لنقابة ليدفع لها عضوية أم ليحصل منها علي إعانة شهرية؟ وما معني أن عضوية النقابة مقصورة علي الصحف دون الصحفيين؟ وهل هي نقابة صحف أم نقابة صحفيين؟ وما معني أن من يرأس تحرير صحيفة يجب أن يكون عضوا في نقابة الصحفيين؟ ما العلاقة بين المهنية والإبداع وعضوية نقابة الصحفيين؟ وفي أي دولة متقدمة في العالم يحدث مثل هذا؟
وأين ما تسمي بمواثيق الشرف الصحفي؟ هل تغير شئ بعد الثورة وزاد شرف الصحفيين واحترامهم لأصول المهنة؟وماذا عن فساد الصحفيين وابتزازهم لرجال الأعمال أو تلميعهم لآخرين بما يعني المشاركة في ارتكاب جرائم مالية ضد القارئ الذي يتلقي معلوماته من هذه الوسائل الإعلامية؟ وأين العقوبات التي تقع علي الصحفي إذا أساء استخدام حرية الكلمة؟ وهل الصحفي علي رأسه ريشة حتي يرتكب الكبائر في حق الناس بدون عقاب؟ وما معني محاولة الضغط علي المستثمرين في وسائل الإعلام لمنع فصل الصحفيين؟ وكيف يستقيم هذا مع حق الملكية الخاصة والإدارة الحديثة للأعمال؟ وإذا كانت وسائل الإعلام مشاريع تجارية تخسر وتكسب وتفلس وتخرج من السوق كما يحدث في اعرق الصحف في الخارج, فلماذا تخسر وسائل الإعلام العربية ولا تخرج من السوق؟ ومن الذي يدفع هذه الخسائر السنوية التي تبلغ بمليارات الدولارات؟ وما الهدف من دفع هذه الخسائر؟.
وإذا كانت الرقابة الأمنية الحقيقية في مصر لم تتغير إلا يسيرا فهل تغيرت الرقابة الذاتية علي القلم والتي اعتادها الصحفيون والإعلاميون حتي صارت قيدا عقليا علي التقدم والإبداع والنهضة؟
وهل حدث تطور حقيقي في المهنية والاحتراف الصحفي والإعلامي بعد الثورة؟,وهل البقاء للأفضل والأكفأ في سوق الإعلام المصري أم لماذا؟, وهل تغيرت عقليات الصحفيين وافكارهم بما يناسب فترة انطلاق جديدة لبناء الوطن؟
عشرات الأسئلة الحقيقة واجاباتها للأسف توضح بجلاء أن التغيير أصغر بكثير من أن نسميه ثورة.