في مقال سابق بعنوان ##تركيا إلي أين؟##, علقت علي الترحيب الحار, في كثرة من مؤسسات الإعلام العربي, بما يعتبرونه ##نيو عثمانية## وما يعتبرونه ##عودة تركيا إلي الأصل##. وعندما قام أردوغان بحركته المدروسة والاستعراضية ضد بيريز, استقبلته الجماهير التركية بهتافات ## عاد الفاتح من جديد##- في إشارة للسلطان محمد الثاني, الذي فتح القسطنطينية [إسطنبول] عام .1453 وتحدثنا عن انتشار ظاهرة ارتداء شبان أتراك لقمصان عليها شعارات ## الإمبراطورية ترد الضربات##, و##الأتراك المرعبون##! واليوم, وصل التهليل بتركيا أردوغان الإسلامي لحد رفع الأعلام التركية في الدول العربية,ولاسيما في غزة. أما السيد إسماعيل هنية, فقد تحدث بافتخار عن ##أرض الخلافة.##
عجيب لمن يرحبون بما يعتبرونها: ##عثمنة جديدة##, ويحنون لأيام الخلافة. وهؤلاء هم, في الغالب, الإسلاميون من الإخوان وغيرهم, الحالمون بمحو إسرائيل مرة واحدة, وهم الذين جمعت حماس وأردوغان بضع مئات منهم في السفن التي سموها بأسطول الحرية, ولاسيما في سفينة مرمرة, بعد رفضهما عرض مصر وإسرائيل بإيصال المواد الغذائية إي مصر لإيصالها عبر معبر رفح برا, فالغرض كان ##كسر## الحصار, إلي ##التحدي##.
هاجت وسائل الإعلام العربية بالمقالات والتعليقات الصاخبة, ونشر اتحاد الكتاب والأدباء العرب بيانا يدعو لمحو إسرائيل من الخارطة! وتظاهر إخوان مصر مطالبين بالجهاد, وصار الهتاف الأكبر ##اقبروا كل مفاوضة مع إسرائيل ورفض المبادرة العربية##.. إلخ
إن الاحتجاج علي الحماقة الإسرائيلية الدموية ضد ##مرمرة## مشروع ومطلوب, مع الحاجة إلي تحقيق جدي ومحايد جدا, وتمحيص الروايات, والتدقيق في مصداقية ما نشر من صور عند الإنزال. نعم, الاحتجاج مبرر, ولكن المزايدات والغوغائية الجامحة مرفوضة, وهي ضارة أولا بالقضية الفلسطينية نفسها. وإذا قال أردوغان إن حماس ليست إرهابية, فما يكذبه هو ما حصل في غزة منذ انقلاب حماس علي السلطة الشرعية, واغتيال الفتحاويين بإلقائهم من أعلي العمارات. وما يكذبه أصلا رفض حماس لكل حل سلمي, وتسليم القضية لطهران مرة, واليوم لأنقرة. وما يكذبه تحرشات حماس بمصر التي هي الدولة العربية التي قدمت أكثر التضحيات من أجل فلسطين. واستفزازات حماس لمصر بحفر الأنفاق لتمرير السلاح أمر معروف, وهذه الاستفزازات حملت مصر علي بناء جدار فاصل, مع أنه يبقي هناك معبران, أحدهما للغذاء والدواء والثاني لمواد الإنشاء. ونعرف أيضا أنه, قبل سطو حماس علي غزة, وإقامة دويلة طالبانية فيها, وتحويلها لقاعدة إيرانية, لم يكن هناك حصار بحري علي غزة, ولكن صواريخ إسرائيل, التي كانت تقابل بأعنف الردود الدموية من إسرائيل, والمحاولات الكثيرة لتهريب السلاح بحرا; كل هذا جعل إسرائيل تفرض حصارا بحريا يعاني منه السكان, وهذا ليس تبريرا للحصار, بل هو تفسير لأسبابه وظروفه.
من الطبيعي أن يدافع أردوغان عن الإخوان الحمساويين, لأنه وفريقه الحاكم إسلاميون حتي النخاع, ولولا صمود الجيش والقضاء, ووجود قوي علمانية قوية, ولولا استمرار طلب الانضمام للاتحاد الأوربي, لحولوا تركيا إلي إيران أخري. بل, هم ماضون في هذا السبيل, وهو ما جعل مجلة ##تايم## تتنبأ بأن تركيا ستتحول لدولة إسلامية خلال عقد من السنين- ونقول, ربما قبل ذلك لو واصل فرق أردوغان ضرب القضاء والجيش الحاملين لتراث أتاتورك برغم ما في ذلك التراث من ثغرات كبيرة. ولعل من بين دوافع حملة الأسطول تجييش الجماهير للوقوف مع الفريق الحاكم عند توجيه ضربة قاصمة لقيادات الجيش- هذا لو استطاعوا؟؟؟
الفريق الإسلامي التركي الحاكم لا يزال يجرم كل من يفتح فاه عن حملة إبادة المليون أرمني. والفريق الإسلامي الحاكم, لا يزال يراوغ ويماطل في منح الشعب الكردي حقه في الإدارة الذاتية وحقوقه الأخري برغم بعض المواقف التي تتخذ, من وقت لآخر, كظواهر انفتاح, ثم يتراجعون عنها. وتركيا تواصل حرمان العراق من نصيبه من المياه, برغم ما عقد بين تركيا والعراق من اتفاقات. وأردوغان تحول فجأة إلي مدافع عن النظام الإيراني ومشروعه النووي, وضد العقوبات, وذلك رغم تنافس النظامين علي من له الدور الأكبر في المنطقة.
إن علاقة أوباما بأردوغان لا تشكل دليل سلامة السياسة التركية التي, وبرغم عضوية حلف شمال الأطلسي, وطلب الانضمام للاتحاد الأوربي, راحت تتحالف مع قوي وأنظمة الإسلام السياسي: خمينيين وإخوانا في البلاد العربية وحمساويين, وسواء كان هذا برضاء إدارة أوباما أو بلا رضاء. ومسيرة أردوغان الحالية تدل علي ميل نحو استعادة ##العظمة## العثمانية, وهو ما دعا الكاتب المتميز حازم صاغية لأن يكتب قبل شهور قليلة:
## إن طلب العظمة كثيرا ما ينم عن أزمة ضعف يوكل إلي تلك العظمة أن تتفاداها. وهذا ما رأيناه علي نحو مأساوي في تجارب تمتد من الفاشية الأوربية إلي الناصرية المصرية فالخمينية الإيرانية, وهي كلها حظيت بتهليلنا. وبالطبع, فإن تركيا لا تزال بعيدة جدا من أن توضع في هذه الخانة. إلا أن التحذير من الإيحاء الإمبراطوري التركي يستحق أن يبقي في افتراضاتنا, ولو مقرونا بتهليل من يريد أن يهلل.##
نشر عدد من الكتاب الموضوعيين, منهم الأساتذة شاكر النابلسي وأحمد أبو مطر وصبحي فؤاد, مقالات هادئة ومتعمقة وشجاعة, فيها إدانة لعملية إسرائيل, ولكنها تستغرب مواقف من يتناسون دور حماس في تخريب مصالحة الفلسطينيين أنفسهم, وفي تحويل غزة لدويلة دينية تسحق الحقوق والحريات الشخصية, ولاسيما حرية المرأة, وحيث إن 70 بالمائة من الغزاويات يتعرضن للعنف. كذلك التصرف الحمساوي الحزبي والفئوي بالإعانات العربية والدولية كما كان يفعل صدام مع ##النفط مقابل الغذاء##, وإذ لم يكن يصرف علي غذاء الناس ودوائهم إلا 20 بالمائة فقط, والبقية للسلاح, ولشراء الدول والشخصيات الدولية, وللحاشية والعائلة. وقد بلغ من حرب حماس علي القيادة الشرعية في أكتوبر 2009 أن دفعت ببعض الهمج إلي وقاحة ضرب صور أبي مازن بالأحذية. لقد أدان الكتاب المذكورون, وأمثالهم, المعايير المزدوجة لتركيا, والهائجين من الساسة والكتاب العرب: كالصمت عن ضرب الكنائس في تركيا, والعدوان التركي المائي, وموضوع الأرمن, و##حصار حماس لسكان غزة##, واستفزازاتها لمصر, وغير ذلك. ويضيف أبو مطر الصمت العربي علي حادث اغتيال المونسيور لويجي, القاصد الرسولي في الأناضول, علي يد سائقه التركي في 3 من الشهر الحالي. يقول الكاتب إن هذا المونسيور صديق, وقائم بنفس وظيفة المطران كبوتشي, الذي كان علي ظهر السفينة التركية ذاهبا ليتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر: ##لماذا ندبنا وبكينا بسبب الإهانات التي وجهها الاحتلال الإسرائيلي للشيخ رائد صلاح, والنائبة في الكنيست حنين زغبي, بينما لم تنشر غالبية الصحف والمواقع العربية والإسلامية خبر قتل المونسنيور لويجي؟ ##…. و## لماذا أثاركم ستة قتلي أتراك, ومنع البواخر من الوصول لغزة, بينما لم تذرفوا دمعة علي القتل اليومي في العراق, وباكستان, وأفغانستان, والصومال, الذي يطال اليوم العشرات, وأحيانا المئات, مدمرا المساجد والحسينيات والمدارس؟ أتعرفون لماذا؟ لأنه قتل مسلمين لمسلمين وليس قتل أجانب لمسلمين!!## [ أحمد أبو مطر] ونعقب: بل, قتل إسلاميين متطرفين لأناس أبرياء بعنوان ##الجهاد##!
سفير العراق الأسبق لدي اليونسكو.