هكذا وصلت المرأة المصرية إلي البرلمان
إعداد: الشريف منجود
منذ الثورة العرابية والمرأة تقدم خدماتها من أجل بلادها ووجدت الاهتمام من الأحزاب السياسية, فكانت تحضر إلي دار اللواء بالياشمك والحبرة.. وكان من أهم الأحزاب التي ساندت دعوة تحرير المرأة حزب الأمة, وعندما تشكل الوفد المصري من الرجال سنة 1918 تكونت هيئة وفدية من النساء سنة 1919 لتمثيل المرأة المصرية في المطالب القومية فخرجت في 15 مارس 1919 تؤدي دورها في المجتمع لتنفس عما يجيش في الصدور مندفعة وراء نزعة وطنية قوية تحتج علي تصرفات الإنجليز إزاء ما أصابوا به المصريين, واشتركت في المظاهرة 530 سيدة وفتاة, ينتمي معظمهن إلي الطبقة العليا وعلي رأسهن زوجات الزعماء الذين تولوا المطالب الوطنية أمثال هدي شعراوي وإستر فهمي ويصا وزينب محمد مراد.
وفي الكنيسة المرقسية بالقاهرة اجتمع عدد كبير من النساء في 13 ديسمبر 1919, وحضر الاجتماع عبدالرحمن فهمي, وتم الإجماع علي المطالبة بإقالة الوزارة, وأعنت المجتمعات سخطهن علي لجنة ملنر والتمسك بالاستقلال التام وتم انتخاب هدي شعراوي رئيسة اللجنة المركزية للسيدات المصريات.
وبحلول أوائل يناير 1920 خرجت المرأة بمظاهرة تحتج علي وزارة عدلي يكن من باب الحديد إلي عابدين هاتفة ضد الاستعمار متصدين للجنود الإنجليز والبوليس المصري وإطلاق النار في الهواء, ومن الطريف أنه أغمي علي إحدي الفتيات فذهب إليها أحد الضباط ليكتشف أنها ابنته ونشرت تايمز وقائع المظاهرة.
وعندما حل إضراب 1930 خرجت النساء بمظاهرة يعلن مقاطعتهن للانتخابات المزيفة واستخدمن أحمر الشفاه في الكتابة علي الجدران معبرات عن إصرارهن بالمطالبة بدستور 1923.
وفي تلك الحقبة اكتسبت المرأة قدرا كبيرا من التعليم والوعي السياسي, الذي جعلها تناضل وتطالب بحقها في العمل السياسي فطالب الاتحاد النسائي بأن يكون لهن حق الانتخاب في مجلس الشيوخ وظلت هذه القضية مثارا للجدل في الصحف والمجلات إلي أن طرحها علي باشا ماهر سنة 1938 في البرلمان إذ تقدم بمشروع قانون يخول للنساء حق عضوية مجلس الشيوخ وتقدم فيما بعد كل من علوبة باشا والعرابي باشا وأحمد رمزي بك بمشروع قانون يمنح المرأة حق الانتخاب, ولكن فشلت هذه المحاولات.. وظهر تيار ليبرالي يؤمن بحقوق المرأة وأنشأ أول حزب نسائي علي يد فاطمة راشد سنة 1944 وكان فيه الكثيرات من العضوات اللواتي سبق لهن العمل في الاتحاد النسائي, وهو أول هيئة نسائية خالصة تظهر إلي جانب الاتحاد النسائي.
ومع بداية عام 1951 قادت درية شفيق مظاهرة نسائية من ألف امرأة من الاتحاد النسائي وبنت النيل وخرجن من أمام الجامعة الأمريكية واتجهن إلي البرلمان واقتحمن بوابته واستمرت المظاهرة 4 ساعات حتي دخلت درية إلي نائب رئيس البرلمان في ذلك الوقت جمال سراج الدين وأخذت منه الوعد بالنظر في مطالب المرأة, وكانت درية خطبت في جموع النساء بأنه علي بعد خطوات منا ينعقد برلمان النصف الثاني للأمة وقالت: أقترح أن نذهب إلي هناك تدعمنا معرفتنا بحقوقنا ونخبرهم بأن اجتماعاتهم غير قانونية مادام تمثيلنا مرفوض, وقدمن مطالبهن إلي مجلس النواب, واتصلت درية هاتفيا برئيس المجلس زكي باشا العرابي, وقالت له: يا صاحب السعادة اقتحمنا أبواب البرلمان وأكلمك من مكتبك ومعي أكثر من ألف امرأة يطالبن بحقوقهن استنادا إلي تفسيرك للمادة 3 من الدستور إن كل المصريين متساوون في الحقوق الدستورية. وفي صباح اليوم الثاني توجهت درية وسيزا نبراوي علي رأس وفد من النساء لعابدين قدمن مطالبهن ثم توجهن إلي مجلس الوزراء لتحديد موعد مع رئيس الوزراء ولم يتم هذا, واستدعت درية للمثول أمام المحكمة في مارس 1951 بتهمة اقتحام البرلمان. وكانت فرصة للمحاميات أن يثبتن كفاءتهن وكانت في مقدمتهن مفيدة عبدالرحمن مع مجموعة من كبار المحامين, وفي اليوم التالي قدمت أربع طالبات من الجامعة التماسا مكتوبا بالدم إلي الملك فاروق يطالبن فيه بحقوق المرأة فكان رد الفعل المضاد من رابطة السنيين التي تقدمت هي الأخري بأن الحركة النسائية مؤامرة من أعداء الإسلام الملحدين البلاشفة للقضاء علي ما تبقي من تقاليد إسلامية.
وتأجلت قضية درية شفيق إلي أجل غير مسمي.. كان هذا الفصل قبل الأخير من نضال المرأة المصرية من أجل حصولها علي حقوقها السياسية.. أما الفصل الأخير جاء مع ثورة يوليو وما تلاه من إلغاء الدستور والأحزاب, ثم تكوين لجنة من 50 عضوا برئاسة علي ماهر لصياغة الدستور الجديد ولم تحو اللجنة اسم سيدة واحدة مما اعتبرته السيدات مقدمة للتغاضي عن حقوقهن.
بدأت الصحافة المصرية بكتابها الكبار أن يوجهوا أذهان القيادة والحكومة لإقامة الفرصة للمرأة, وكان أول من نادي بذلك هو علي أمين رئيس تحرير أخبار اليوم وكتب مقالا بعنوان هؤلاء أرشحهم للبرلمان وذلك في 30 مايو 1955.. والطريف أن العنوان جاء خاليا من نون النسوة والذي ظن الجمعية أنه بعيد كل البعد عن القضية النسائية وبعد أن تقرأ المقال تجد أنه يرشح عشر نسوة للبرلمان ويقول إنه يرشحهم ولا يرشحهن لأن منح المرأة حقوقها السياسية بأن ينتهي عصر نون النسوة واختفائها من اللغة وأنه كما نزعت المرأة الحجاب في ثورة 1919 فكان لزاما أن تنزع المرأة حجاب عقلها في ثورة يوليو.
فقامت 9 سيدات بالإضراب عن الطعام في نقابة الصحفيين في 1954 لتحقيق المطالب السياسية للمرأة واستمر الإضراب عندما أبلغ محمود أنور محافظ القاهرة رسالة شفهية من رئيس الجمهورية محمد نجيب إلي السيدات المضربات أن مطالبهن وصلت إلي اللجنة المختصة للنظر في حقوقهن وانتهي الإضراب بالوعد.
بصدور دستور 1956 منحت المرأة حقوقها السياسية وصدر قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 الذي نص علي أن كل مصري ومصرية يبلغ 18 سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق.
وفي عام 1957 دخلت المرأة المصرية لأول مرة البرلمان بفوز سيدتين في الانتخابات هما: رواية عطية شمس الدين عن قسم ثان محافظة الجيزة وأمينة أبوالعز شكري عن باب شرق محافظة الإسكندرية.. وبهذا توج الجهد النسائي لتحصد المكاسب السياسية والاجتماعية.
المراجع:
- معركة المرأة المصرية للخروج من عصر الحريم
- المرأة المصرية والتغيير الاجتماعي لطيفة محمد سالم