ربما تعود بي ذكرياتي الأولي عن فندق تاج محل إلي الوقت الذي زرته وأنا في الثامنة من عمري, حين ذهبت إلي مطعم سي لاونج بإطلالته الرائعة علي مرفأ مومباي لتناول سف بوري, وهي حلوي هندية لذيذة المذاق. كما أذكر أيضا مروري بقاعته العظيمة بعد ذلك بسنوات, بينما كان يتم تحضيرها لحفل عشاء علي شرف الرئيس البلغاري, ثريات من الكريستال, ومنحوتات ثلجية, وباقات ورود, وأطباق الروبيان التي يدور بها الندل ببزاتهم. كانت عائلتي تحتفل بالمناسبات الخاصة في جولدن دراجون, أحد أفضل المطاعم الصينية خارج الصين ذاتها. فندق
تاج محل سمة راسخة من سمات حياة أهل مومباي (أو المومباويون كما كنا ندعو أنفسنا). الأسبوع الماضي, تدفقت تلك الذكريات عائدة وأنا أنظر من نيويورك لأشاهد فندق تاج محل وهو يحترق.
دعي الهجوم الإرهابي علي مومباي يوم 11 سبتمبر الهندي. هنالك تشابه آخر بالنسبة إلي فكما كانت الحال في 11 سبتمبر, فإن هذا الهجوم أصاب أمكنة قريبة من دياري. كان أخي يعمل في مركز التمويل العالمي المجاور للبرجين التوأمين, وقد أخلي مكتبه في 11 سبتمبر بعد اصطدام الطائرة الأولي [بالبرجين]. وكنت أعرف أناسا عملوا في مركز التجارة العالمي مات بعضهم هناك. المأساة شخصية هذه المرة أيضا. فمكتب والدتي موجود داخل فندق تاج محل. من حسن الحظ أنها كانت خارج المدينة يوم الهجوم. لكن نسيبي وابنة أختي كانا في شقتهما التي تشرف علي أوبروي, الفندق الآخر الذي هوجم. وقد سيطر 10 من المغاوير علي شقتهما, ووضعوا قناصين علي نوافذها, وبدأوا يطلقون النار ويتلقونها. (تحتفظ ابنة أختي بالطلقات تذكارا). وكما كانت الحال في 11 سبتمبر فأنا أعرف أناسا ممن ماتوا. لقد فقد المدير العام لفندق تاج محل, وهو شاب في مقتبل العمر وعائلته.
مثل هذه الأحداث تظهر أفضل ما هو موجود في الناس العاديين. هناك تقارير عن موظفين في الفندق بذلوا أقصي جهدهم وخاطروا بحياتهم من أجل إبعاد الأذي عن ضيوف الفندق. وقد سرد بعض الرهائن المحررين قصصا عن بطولة القوات المسلحة الهندية.
لكن الأمور لم تسر كلها جيدا. فحسب الروايات جميعها, كان الرد الأولي للسلطات المحلية بطيئا, وعشوائيا, يفتقر إلي الكفاءة. وسلطت الهجمات الإرهابية الضوء علي إحدي نقاط الضعف الرئيسية في الهند المعاصرة. فقطاعها الخاص ديناميكي, كفء, سريع الاستجابة. لكن قطاعها العام ليس كذلك. هنالك اختلال وظيفي حكومي في الهند. وما عدا بعض عناصر الحكومة القومية -كالقوات المسلحة ومغاوير مكافحة الإرهاب علي سبيل المثال- فإن الدولة الهندية, ببساطة, لا ترتقي إلي مستوي التحدي الذي تواجهه الآن. في الهند نظام غير مركزي موبوء بحكومات ائتلافية ضعيفة, بالمحسوبية والفساد, لا يتمتع إلا بالقليل من التركيز علي المهنية والكفاءة. وإذا كان هذا هو يوم 11 سبتمبر الهندي, فينبغي أن يكون حافزا للبلاد علي تنظيم بيتها أخيرا, وإصلاح نفسها لكي تنجح في عصر يتطلب وجود حكومة ذكية.
كما تواجه الهند مشكلة سياسية مع مسلميها. ما زال من غير الواضح ما إذا كان أي مسلم هندي قد شارك في هذه الهجمات, لكن من الممكن جدا أن يكون للإرهابيين جيوب صغيرة من الدعم في البلاد. ويحب الرئيس بوش الإشارة إلي أن الهند تحوي 140 مليون مسلم, وأن أيا منهم غير مرتبط بالقاعدة, نظرا لديموقراطيتها. وحتي لو كان هذا لايزال صحيحا, فإنه [تفكير] سطحي. إن النمو السرطاني للأصولية والراديكالية الذي اكتسح صفوف المسلمين في كل مكان لم يوفر الهند. وإضافة إلي ذلك فإن المسلمين هناك ساخطون, وهم عرضة للتلاعب. وتمثيلهم ناقص علي جميع المستويات الاقتصادية, والسياسية والاجتماعية, مع بعض الاستثناءاترفيعة المستوي. إن وضع المسلمين كأقلية في كل مكان هو إحدي التبعات الضارة لتقسيم شبه القارة الهندية, وهي تغلق فرصة الوصول إلي السلطة السياسية [أمامهم]. (أجزاء الهند التي كانت فيها غالبية إسلامية أصبحت باكستان وبنجلادش). ولم ينخرط المسلمون في التقدم الحاصل خلال العقدين الماضيين, وهم يواجهون الحركة القومية الهندوسية, وبعضها كريه وعنيف. لكن ذلك لا يشكل بأية طريقة ذريعة للخيار الفظيع المتمثل في الانضمام للجهاد يلجأ إليه أيا كان. لكن الوضوح الأخلاقي لا ينتج دائما وضوحا فكريا.
هذه ليست مشكلة الهند وحدها. ويبدو أن الإرهابيين يتمتعون بروابط أجنبية. قد يتضمن ذلك دعما من القاعدة, مع أن الترجيح الأكبر يتمثل في الإلهام. لكن من المؤكد تقريبا أنهم حصلوا علي الدعم والتدريب من مجموعات في باكستان. ولو افترضنا أن الحكومة الباكستانية لم تكن منخرطة بأية طريقة من الطرق, فتبقي المشكلة الأساسية والدائمة: لقد أسست الحكومة الباكستانية, ودعمت, ودربت الجهاديين المسلمين طوال عقود. إن هناك حاجة لأن يحتضن العسكريون الباكستانيون بصورة فعلية فكرة عدم التسامح بتاتا مع الجهاديين, وعدم التفريق بين الخيارين (أولئك الذين يبقون أفغانستان والهند علي الحافة والسيئين,أولئك الذين يفجرون القنابل داخل باكستان). هذه المجموعات تتداخل فيما بعضها ولا يمكن فرزها عن بعضها بسهولة. وهي كلها عدوة للمعاصرة والديموقراطية.
إن مشاكل الهند, وباكستان, وأفغانستان, وبنجلادش تتداخل الآن بعضها بعضا, ولن يكتب لأية مقاربة وطنية خالصة النجاح. أفضل نتائج هذه الهجمات قد تتمثل في أنها ربما حفزت هذه [الأطراف] علي التنسيق والإصلاح. أما إذا غذت الخصام, والمرارة, وإلقاء الاتهامات جزافا بدلا من ذلك, فإن الضحايا سيكونون قد قضوا عبثا, وسيكون هناك المزيد من الضحايا وستكون المنطقة غير آمنة.
النقطة الحاسمة الآن هي تذكر العدو المشترك. ولا ينبغي أبدا, عند بحث الأسباب والعلاجات, نسيان الملوم أولا وأخيرا: الإرهابيون, أولئك الأشرار الذين اختاروا قصدا قتل رجال ونساء وأطفال أبرياء, وإحراق عائلات شابة حتي الموت. إنهم هم الذين فعلوا ذلك.
وبينما يواجه الهنود عددا كبيرا من المتاعب, فإن أمامهم سياسة عظيمة واحدة مضادة للإرهاب, القدرة علي التعافي والتغلب علي المحن. لقد أعاد سوق مومباي المالي فتح أبوابه يوم الجمعة الماضي وأغلق علي ارتفاع. ستتغلب البلاد علي ما حدث بالمثابرة, وستستعيد المدينة ألقها ثانية, ويجب علي كل من يملك أسبابا للذهاب إليها ألا يردعه ما حدث. لقد خططت للقيام برحلة إلي الهند بعد أسبوعين تقريبا. سأكون هناك ولن يطرأ تغيير علي جدولي. وسأسجل موقفا عبر قيامي بزيارة خاصة لفندق تاج محل, وكلي ثقة بأنه سيكون نابضا بالحياة.
نيوزويك