عاشت مصر قرونا من الجهل والتخلف,ظلت المرأة فيها قابعة خلف الأسوار بمنأي عن أي نشاط سياسي أو عمل تنموي حتي بزغ النور علي يد عدد من المفكرين أمثال قاسم أمين وغيرهم…
في يوم13ديسمبر من كل عام تحل ذكري وفاة رائدة الحركة النسائية هدي شعراوي تلك السيدة التي لم تكن تطمع في الزعامة أو تلهث وراء الشهرة,ورغم هذا ارتفعت لقمة المجد بفضائلها وأعمالها.
هدي شعراوي…هينور الهدي محمد سلطان,ولدت بمحافظة المنيا عام1879م,وفي سن الثالثة عشر تزوجت من ابن عمتها علي الشعراوي والذي كان يكبرها بنحو أربعين عاما لتأخذ اسم هدي شعراوي.
وكرست حياتها لهدم الأسوار التي تعوق نهضة المرأة المصرية,وأخذت علي عاتقها نشر الوعي برفع سن الزواج بالنسبة للفتي والفتاة وتحرير المرأة وتعليمها فأسست الاتحاد النسائي عام1923,ويعد أقدم هيئة نسائية في مصر,حيث بدأ نشاطه في غرفة صغيرة بحي عابدين استأجرتها هدي شعراوي وعهدت إلي طبيبة بالحضور إليها وكانوا يجتمعون هناك للعناية بالأمهات الفقيرات وأطفالهم,ومع كثرة الأمراض وجدت هدي أن سوء حال الطبقة الفقيرة مرتبط بتعدد الزوجات وكثرة حالات الطلاق الأمر الذي يتطلب سن تشريعات جرئية,فتطورت فكرتها من رعاية الفقيرات إلي المطالبة بحقوق المرأة السياسية لتشترك في وضع التشريعات المنشودة,فأنشأت مدرسة لتعليم البنات بشارع قصر العيني وألحقت بها قاعة واسعة للاجتماعات والمحاضرات كما أنشأت ناديا لمجلس إدارة الاتحاد النسائي الذي انضمت إليه سيدات عديدات أمثال سيزا نبراوي وحواء إدريس,وكان الاتحاد يقيم حفلات لمساعدة الملاجئ والفقراء.
وإيمانا منها بحق المرأة في المشاركة السياسية خرجت هدي شعراوي مع سيدات مصر في عام1919 إلي الميادين والشوارع معرضة حياتها للموت وصدرها للرصاص,فسطرت بداية التحرير الحقيقي للمرأة في كتب التاريخ,وتزعمت المظاهرة النسائية الأولي احتجاجا علي نفي سعد ورفاعة إلي مالطة وضد تعسف السلطة العسكرية في معاملة الشعب,فجالت المظاهرة شوارع القاهرة وطافت بدور المفوضية الأجنبية تهتف لمصر والاستقلال وتطالب بعودة سعد هي والسيدة حرم راتب باشا وانتهي بهما المطاف إلي دار الأمة ورفعت شعراوي علم مصر الأمر الذي أثار الإنجليز فتدخلوا لانتزاع العلم بالقوة ولكنها قاومتهم قائلة:اقتلوني ولكن لا تأخذوا علم بلاديوسرعان ما احتشد حولهن الجند البريطانيون بسيارتهم المسلحة وحاصروهن من كل جانب ليفرقوهن غير أنهم لم يستطعوا وظلت السيدات ثلاث ساعات والشمس ترسل لهيبها حتي إصابهم التعب وتبلل العرق فوق جباهن,وعندما شاهد عبد اللطيف الصوفان هذا المنظر من شرفة بيت الأمة لم يتمالك نفسه وأخذ يبكي وهو يقوليحيا سعد.
وحينما تدخل بعض الطلبة في محاولة لإخلاء سبيل السيدات المتظاهرات والحديث مع قائد القوات البريطانية,فطاف الطلبة إلي مفوضيات الدول الأجنبية راجين أن يتوسط أحد الوزراء المفوضين لدي السلطة العسكرية فيرفع الحصار عن سيدات مصر,ولكن مساعيهم لم تصب التوفيق وطالت وقفة السيدات-تتزعمهن هدي شعراوي-إلي ما يقرب من أربع ساعات.ووفود الطلبة تهرع من مفوضية إلي أخري حتي انتهي بهم المطاف إلي المفوضية الأمريكية,وقابلوا الوزير المفوض الذي تعاون معهم ونزل لدار المندوب السامي وتوسط لديهم,حتي صدرت الأوامر بفك الحصار.
واشتركت هدي شعراوي في العديد من المؤتمرات,ففي موتمر روما عام1923 دخل كل وفد حاملا علم بلاده,أما هي فدخلت بعلم خاص يتوسطه الهلال والصليب,فلما سئلت بحثا ذلك أجابت:إنه علم الثورة ورمز الوطنية والاتحاد,وفي مؤتمر كوبنهاجن عام1939م شكل يهود فلسطين المهاجرين وفدا من اليهوديات ليمثل في المؤتمر نساء فلسطين ولم يكن آنذاك لإسرائيل دولة, وقبيل افتتاح المؤتمر أنذرت هدي رئاسة الاتحاد مستندة إلي نص اللائحة من أن الوفد الآتي لا يمثل نساء فلسطين,هددت بانسحاب وفد مصر فورا.الأمر الذي نتج عنه قرار للمكتب بأن الوفد لا يمثل نساء فلسطين.
وفي نوفمبر 1947م صدر قرار تقسيم فلسطين من قبل الأمم المتحدة فأرسلت هدي خطابا شديد اللهجة للاحتجاج إلي الأمم المتحدة,وهكذا عاشت هدي شعراوي مكرسة جهودها ووقتها لرفع الحصار عن سيدات مصر متحدية التيارات الرجعية,حتي جاء يوم13ديسمبر 1947 والذي رحلت فيه عن العالم تاركة خلفها ميراثا تفتخر به كل السيدات المصريات نحو تحطيم أسوار الجهل وإدراك حريتهن.
إعداد -مريم مسعد صادق
المراجع:
مجلة الأمل 1952
مجلة الشعلة1938
مجلة أخر ساعة1944