التجارة الداخلية في مصر بدأت تنهض وتحظي بالرعاية والاهتمام من قبل الدولة إذ باتت علي رأس أولويات سياستها الإصلاحية للنشاطات الاقتصادية المختلفة. فقد ظلت تجارة مصر الداخلية لفترات طويلة أسيرة للفوضي والعشوائية وغياب الرقابة والتنظيم ولايبلغ نصيبها من الاستثمارات سوي 1.5%, كما أن متوسط مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لم يتجاوز 11.8%, كما أن هذا القطاع لم ينجح إلا في توفير 9% من إجمالي فرص العمل خلال أعوام2007-2008-2009-2010. الوضع المأساوي للتجارة الداخلية دفع واضعي السياسات بالتنسيق والتعاون مع اتحاد الغرف التجارية المصرية للبدء في تنفيذ أكبر استراتيجية من نوعها لتطوير منظومة التجارة الداخلية لتشارك بفاعلية في الارتقاء بمعدل النمو وصولا إلي 12% خلال السنوات الأربع القادمة بدلا من 7% وهو المعدل الحالي, إلي جانب تفعيل مساهمته في النمو العام للاقتصاد القومي حيث لاتتعدي مساهمته الحالية 14% مقابل 19% للصناعة.
ستشهد مصر أسواقا عصرية أكثر تنظيما وتجمعات تجارية تقدم خدماتها للجميع في كافة محافظات مصر. وقد بدأت بوادر ذلك في التنفيذ الفعلي في2010 وتم وضع 100 مليون جنيه كتكلفة مالية برنامج تحديث التجارة الداخلية.
تقول وزارة التجارة والصناعة في أحدث تقرير صادر عنها في هذا الشأن: إن خطة تنمية وتطوير التجارة الداخلية ترتكز علي5 محاور رئيسية تتمثل في إنشاء أسواق جديدة عصرية ومنظمة ومتنوعة وتحديث الأسواق الموجودة للوصول بها إلي مواصفات عصرية لمواجهة التجارة العشوائية, ووضع مواصفات ومعايير للمحلات التجارية, وتيسير وتسهيل تعامل التجار مع الجهات الحكومية سواء في المحليات أو الصحة أو قطاع التجارة الداخلية, وتطوير الرقابة علي الأسواق والارتقاء بمواصفات المنتجات, ثم المحور الخامس الذي يتضمن تحديث وتعديل منظومة التشريعات المنظمة للتجارة الداخلية لزيادة فعاليتها وكفاءتها في تحقيق الردع للمخالفين والتيسير علي الملتزمين وضمان أكثر لحقوق المستهلكين.
وأكدت وزارة التجارة والصناعة في خطتها الإصلاحية أن المرحلة الثانية من الإصلاح التشريعي للقوانين التجارية تتضمن تعديل وإصدار 7تشريعات خاصة بالمحال التجارية والصناعية والرقابة علي المعادن الثمينة ومراقبة الأغذية وتجار الجملة والاستيراد والتصدير وسجل المستوردين والفرانشايز وسجلي المستوردين والوكلاء التجاريين, كما أنه يجري حاليا الإعداد لمشروع قانون جديد للتدابير الحدودية لمنع دخول السلع المستوردة المغشوشة.
في نوفمبر الماضي من العام المنصرم بدأ إطلاق المرحلة الثانية في مشروع إنشاء مدن تجارية في 9محافظات علي أن يتم إطلاق المرحلة الثالثة في مارس من العام الحالي لتشمل 9 مدنا جديدة لتتم تغطية كل المحافظات وفقا للخطط التي تم إعدادها بمشاركة جهاز تنمية التجارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة والغرف التجارية والمحافظات والمجلس المصري للمراكز التجارية.
الجدير بالذكر أن عام2010 شهد قبل نهايته إطلاق أول مؤشر مصري لتجارة التجزئة. يتضمن بيانات دقيقة عن مختلف السلع المتداولة بالسوق المحلية ومبيعاتها والمؤسسات القائمة عليها. والمؤشر يتضمن بيانات عن درجة المخاطرة والملاءة المالية والأمن وجاذبية الدولة للاستثمار في تجارة التجزنة ويستهدف المؤشر مساندة متخذي القرار علي المستوي الحكومي وكذلك المستثمرين, علما أن مصر تأتي في المركز الـ 18عالميا في مؤشر الفرص المتاحة للاستثمار في تجارة التجزئة نظرا لامتلاكها إمكانيات وفرصا كبري للاستثمار والربحية في هذا المجال وذلك طبقا لما ذكره وأكده المعهد العربي للتجارة والبورصات السلعية في أحدث تقرير صادر عنه.
برنامج تحديث وتطوير التجارة الداخلية يستهدف تطوير وتحديث 10آلاف منشأة تجارية في أبرز الشوارع والمناطق التجارية بكل محافظة بتمويل من الصندوق الاجتماعي للتنمية وذلك لمواكبة منظومة تحديث التجارة الداخلية وإيجاد فرص عمل جديدة مما يساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية للعمل في مجال التجارة الداخلية باعتبار أنها تعمل وفقا للضوابط والمعايير العالمية بهدف زيادة العمالة في قطاع التجارة الداخلية من 1.8 مليون عامل حاليا إلي 2.8 مليون عامل عام2013.
محاور برنامج تحديث التجارة الداخلية كما رصدتهاوطني تتضمن: الدعم الفني من خلال استقدام خبراء لتطوير تجارة التجزئة, وخبراء تصميم وتطوير نظم العرض والتخزين والتدريب ويعتبر تحديث تجارة مصر الداخلية من أهم المشروعات القومية التي توليها الدولة اهتماما كبيرا مع تزايد القوة الشرائية وشدة المنافسة بين المنتجات المحلية والمستوردة وارتفاع تكاليف المحال التجارية في الأسواق التقليدية القديمة, وهو ما أدي إلي ظهور الأسواق العشوائية التي أصبحت سوقا رابحة للمنتجات المهربة المليئة بالعيوب والضارة بسلامة وصحة المستهلكين, علما بأن مصر لا يزيد عدد أسواقها علي 33سوقا, بينما في تركيا وحدها أكثر من 230 سوقا, وأندونيسيا 700 سوق تجارية.
تطوير منظومة التجارة الداخلية والذي سنلاحظه جميعا في 2011 وفي السنوات التالية سيسهم بلاشك كما ذكر المركز المصري للدراسات الاقتصادية في تقرير حديث له في تشجيع سياحة التسوق, وسيساعد في زيادة عدد السائحين لنحو 20 مليون سائح خلال السنوات الثلاث القادمة, ولن يتحقق ذلك إلا إذا تكاتفت كافة الأجهزة المعنية للنهوض بسلوكيات التجار, وتدريب الكفاءات الشابة للعمل في التجارة,وتنظيم حملات توعية قومية شاملة لتحسين سلوكيات الشارع بتضافر كافة الأطراف المعنية ووسائل الإعلام وعدم ترك السائح أو المواطن فريسة لعمليات الاحتيال.