الإدارة عنصر أساسي للنجاح بصفة عامة,لكن نجاح المدن وإدارتها بشكل جيد كيف يمكن أن يتحقق علي أرض الواقع؟فمدينة القاهرة وهي من أكبر محافظات مصر مساحة وعدد سكانها خاصة في إطار القاهرة الكبري التي تضم حوالي 18 مليون نسمة وبما يعادل 22% من إجمالي سكان مصر وهذه النسبة في زيادة مستمرة أما المساحة فهي ثابتة لاتزيد إذن هل تستطيع إدارة مثل هذه التناقضات خاصة إذ أضيفت مشكلة تركز الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بالقاهرة وبالتحديد في وسط العاصمة.
هناك من يري أن تنامي الشعور بأهمية اللامركزية هو الحل وآخرين يشيرون لأهمية الأخذ بنظم الإدارة الحديثة أما السطور التالية فستعرض أداء الخبراء والمسئولين حول هذه النقاط.
في البداية قال د. حامد مبارك المستشار السابق بالأمم المتحدة: مع تزايد السكان أصبحت هناك حاجة مستمرة لتوفير المزيد من الاستثمارات والتطوير لمشروعات البنية الأساسية كالأشغال العامة والخدمات التي يوفرها القطاع العام لزيادة الإنتاجية وتحسن المعيشة للمواطن في صورة نقل وطرق ومياه وصرف صحي وإزالة القمامة بالإضافة لخدمات الري والكهرباء والاتصالات وذلك في إطار منظومة متكاملة لإدارة المدن.حيث يحتاج الأمر إلي إطار لمنظومة متكاملة,تتضافر فيه كل الجهود والخبرات وذكر أن مساحة مصر تبلغ مليون كيلو متر مربع,إلا أن المساحة المأهولة بالسكان هي 40 ألف كيلو متر مربع فقط,والتعداد الحالي 78 مليون نسمة.
أضاف د. مبارك أن المياه النظيفة والصرف الصحي تعد من بين العوامل المحركة للتنمية وتحسين المعيشة. وترتبط عناصر السياسات بقطاع النقل بتحقيق التكامل بين وسائل النقل بكل أنواعها وتعظيم نتائج التخطيط الاستثماري ودور القطاع الخاص مع الأخذ في الاعتبار التركيبة السكانية حيث يتزايد عدد السكان في مصر فيما بين1-1.5 مليون مواطن سنويا ويقطن القاهرة الكبري وحدها 18 مليون نسمة أي22% من سكان مصر,ويتم نقل الركاب بين المحافظات بنسبة 48% عن طريق وسائل المواصلات الحكومية و52% من خلال القطاع الخاص.
كما طالب بإيجاد المزيد من التنظيم المتكامل لقطاع النقل مع الأخذ في الاعتبار علاج التباين بين الريف والحضر,وعلاج الازدحام بالمدن الكبري والعمل علي تخفيض أعداد السيارات والمركبات نظرا لمحدودية الموارد وصعوبة التوسع في الطرق بالمناطق المركزية.
ومن واقع التجارب العالمية في التعامل مع ازدحام المرور بالمدن الكبري اقترح مستشار الأمم المتحدة السابق معالجة مسألة الطلب علي النقل بتخفيض أعداد السيارات والمركبات بصفة عامة ورفع كفاءة النقل العام وتشجيع استخدام ركاب السيارات لهذه الوسائل بعد تحسين خدماتها.
وأكد د. عبد الرحيم شحاتة وزير الدولة للتنمية المحلية الأسبق ومحافظ القاهرة السابق أن إدارة المدن خاصة مدينة القاهرة الكبري تحتاج إلي تناول متكامل لحل المشكلات والتحديات التي تقف في طريق تنميتها وازدهارها ومسألة الهجرة من الريف إلي المدن أحد أهم المشكلات في إدارة هذه المحافظة الكبيرة,ودون حل لهذه المشاكل فإنه يصعب حل معوقات المدينة ككل,أما هؤلاء المهاجرون فإنهم معذورون لأن التنمية شبه متوقعة في الريف والأخطر من ذلك أن تحديات مدينة القاهرة تفوق صلاحيات المحافظ الإدارية والقانونية لتبقي عاصمة البلاد في دائرة المشاكل المعقدة .
استطرد د. شحاتة قائلا إن التحديات الأخري التي تواجه المحافظة مسألة نقل الوزارات والهيئات العامة إلي المدن الجديدة ومنها القاهرة الجديدة حيث هناك أهمية لاتخاذ إجراءات عاجلة ومدروسة بشأن شارع قصر العيني الذي أصبح يمتليء بالهيئات والوزارات والجهات الرسمية وبالتالي اختناق يشل حركة المرور والتنقل تماما في أغلب الأوقات خاصة وقت الظهيرة وانصراف الموظفين.
نقل الوزارات هو الحل؟
قال أحمد نور الدين الباحث بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء إن هناك العديد من استطلاعات الرأي قام بها المركز حول مدي رغبة المواطنين في نقل الوزارات خارج القاهرة حيث جاءت النتائج متعددة فوافق 42% من المبحوثين علي النقل من 1202 مبحوث من 18 سنة فأكثر فيما رفض 32% من المواطنين النقل ,كما وافق 9% من المواطنين ولكن بشرط أن يكون المكان مناسب ومتوافر به وسائل مواصلات مريحة ومستمرة إلي جانب سرعة إنهاء الخدمات باستخدام التكنولوجيا المتطورة لراحة المواطنين وبذلك يكون نقل الوزارات ليس مجرد نقل للأماكن,أما 17% من المبحوثين لم يستطيعوا تحديد رأيهم بالرفض أو القبول في هذا الشأن وكانت الإناث أكثر رفضا لمقترح نقل بعض الوزارات مقارنة بالذكور كما كانت أقل نسبة لرفض المقترح بين الفئة العمرية من 60 سنة فأكثر,وكلما ارتفع المستويين الاقتصادي والتعليمي للمبحوثين انخفضت نسبة رفض المقترح.
أضاف نور الدين أن مجمع التحرير استحوذ علي أعلي نسبة لتعامل المواطنين بلغت 80% بينما جاءت في المرتبة الثانية والثالثة وزادتا التربية والتعليم والصحة بنسبة 43% و41% علي التوالي نظرا لتردد أغلب المواطنين عليهم ما بين مرتين إلي أربع أو خمس مرات فأكثر والتخوف من بعد مسافة المدن الجديدة عنهم في حالة التعامل مع هذه الوزارات الحيوية لهم نظرا لما تقدمه من خدمات أساسية لكل مواطن وفي هذا الإطار تدرس الحكومة حاليا مشروع المدينة الحكومية الجديدة جنوب طريق القطامية – العين السخنة بداية من طريق الأوتوستراد علي مساحة حوالي 4 آلاف فدان لتكون مدينة بها كافة الخدمات الحكومية بدلا من مشروع نقل بعض الوزارات لمدينة 6 أكتوبر وذلك بالتعاون مع محافظة القاهرة وهيئة التخطيط العمراني وذلك بهدف تخفيض العبء علي العاصمة التي هي المركز المالي والتجاري والإداري والسياسي للدولة حيث إن بعض الدول المتقدمة اضطرت لتغيير موقع عاصمتها جغرافيا للحد من المشاكل التي تواجهها العاصمة والتي تعاني منها القاهرة الآن من مشاكل مرورية وزيادة سكانية فنسبة السكن بها بلغت 25% من السكان بالرضافة للوافدين من الأقاليم يوميا بغرض العمل أو الزيادة ويزيد عددهم علي 4 ملايين فرد يوميا بجانب المشاكل البيئة التي تعاني منها القاهرة باعتبارها ثاني أكبر مدن العالم من حيث مستوي التلوث بسبب حريق القمامة والعوادم المنتشرة نتيجة السيارات والمنشآت الصناعية وغيرها.
التحول إلي اللامركزية
أشار د. مصطفي مدبولي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني إلي أن مسألة إدارة المدن تشهد تعقيدات شديدة خاصة مع زيادة تنامي الشعور بأهمية اللامركزية ,حيث بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة عن تنافسية المدن الكبري خاصة في الدول الأوربية وغيرها,كما أصبح شكل إدارة المدن يشبه إلي حد كبير أسلوب إدارة الشركات العملاقة.
وعن أهمية الانتقال إلي اللامركزية يري الدكتور مدبولي أن هناك حتمية للتحول إليها ولكن بشكل تدريجي إذ قال:لانستطيع تحديد فترة زمنية محددة قصيرة 3 سنوات ولكن يمكن أن نختار مدن صغيرة تمثل أقاليم متنوعة ومختلفة بحيث تصبح نماذج حقيقية يمكن تكرارها في مدن أكبر بل وفي محافظات بأكملها وهذا لم يتحقق دون إدارة وتنمية بشرية ناجحة لذلك فإن المحليات مازالت أمامها شوط كبير لبناء هذه المهارات لكن محافظة القاهرة تعتبر استثناء من ذلك.
أضاف أن مثلث الإدارة والتشغيل والرقابة لابد من تطبيقه بالنسبة للمرافق والخدمات لأنه ينعكس علي المدن المختلفة,كما يري أن قطاعات كالاتصالات والكهرباء حققت هذه المعادلة بتحويلها إلي شركات قابضة وبالتالي أصبح لها تمويلها الخاص بها .
وتعقيبا علي دور النقل والمواصلات داخل المدن قال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني :إن 55% من هذا القطاع يعتبر عشوائي وينقصه التنظيم خاصة الميكروباص وسيارات النقل,وبذلك تبقي مشكلة المرور بلا حل إذ لابد من وجود هيئة إقليمية للمرور وبالفعل يوجد الآن قرار جمهوري يطالب بذلك كما أن مشكلة القاهرة لن تحل دون استراتيجية متكاملة حيث إن هناك مشروعات لطرح عقود للربط بين المدن الجديدة ومحافظة القاهرة وأكد علي أهمية الانتباه لإنشاء الجراجات متعددة الطوابق,والدور المهم في تعاون المحليات والمواطنين معا في مثل هذه المشروعات.
نقل وزارة النقل النهري
أما عن قرار مجلس الوزراء عام 2005 بشأن إجراء دراسة لتوزيع الوزارات والأجهزة المركزية الحكومية علي أكثر من مدينة أو علي الأقل نقل بعض الوزارات والأجهزة إلي أطراف التجمع السكاني قال د. سعد الدين عشماوي أستاذ النقل والرئيس الفخري للجمعية العلمية العربية للنقل:هذا القرار يركز علي أعراض المشكلة وليس أساسها فالمشكلة هي انخفاض كفاءة أداء الأجهزة والمؤسسات الموجودة في الموقع نظرا لتعقيدات النقل والمرور ومن ثم فإن حلها يكون إزالة تعقيدات النقل والمرور.
وأضاف قائلا:سبق اتخاذ بعض الخطوات لتوزيع الوزارات والأجهزة المركزية علي أكثر من مدينة حيث نقلت وزارة النقل البحري للإسكندرية كما تم فعلا إنشاء مبان لعدد من الوزارات في مدينة السادات تمهيدا للانتقال إليها.
وبخصوص انتقال وزارة النقل البحري للإسكندرية حينذاك فإن سلبيات هذا الانتقال لم تظهر,حيث عادة ما تلحق مسئوليات هذه الوزارة بوزير النقل ومقره العاصمة أما بالنسبة لقرار نقل بعض الوزارات لمدينة السادات فلم ينفذ نتيجة لما اتضح من مشكلات إذا تم ذلك ولاشك أن هذا القرار غير مدروس جيدا مما أدي لإهدار مبالغ طائلة علي إنشاء مباني لهذه الوزارات ومن الصعوبة استغلالها في نشاط بديل وبشكل اقتصادي حيث إنها مبان متخصصة أعدت لغرض محدد.
واستكمل د. عشماوي حديثه قائلا:إن دواوين الوزارات والأجهزة المركزية سواء حكومية أو قطاع أعمال أو إدارات عليا لشركات كبري أو مؤسسات خدمية ماهي إلا أجهزة إقرار سياسات ووضع خطط واتخاذ قرارات ومتابعة تنفيذها حيث إن أداء معظم هذه المهام كثيرا ما يتطلب الاتصال الشخصي المباشر لتبادل الآراء ومعرفة الاتجاهات والحصول علي معلومات وإيضاحات كما يقتضي التعامل المستمر بين هذه الأجهزة المركزية والإدارات العليا من جهة والمنشآت والوحدات التابعة والمستقرة في مختلف أرجاء التجمع السكاني بل كثيرا ما يتطلب الأمر التعامل مع بعض المنظمات الدولية والممثلين التجاريين والمراكز الإقليمية للشركات العالمية ومن البديهي أن تكون رئاسة مجلس الوزارة والوزارات المختلفة ومجلس الشعب والبنك المركزي والإدارات العليا للبنوك والمؤسسات الاقتصادية والأجهزة الاستشارية والخدمية ومراكز المعلومات علي اتصال دائم شخصي وسريع ومباشر.
ومن الواضح أن يكون أنسب موقع لتلك المنظمات هو المنطقة الوسطي حتي تكون أقرب ما يمكن لمختلف أرجائه لهذا كله فإن وسط القاهرة وامتداداته هو المكان الأمثل لتوطين الوزارات والأجهزة المركزية حيث إن يتوافق مع طبيعة ومتطلبات أداء هذه الوزارات والأجهزة من جهة ومن جهة أخري يخفض من إجمالي حركة نقل العاملين منها وإليها.
وقالت أ. د. هناء خير الدين المديرة التنفيذية ومديرة البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية إنه في ظل تزايد السكان وتسارع وتيرة التحضر والنمو العمراني تحدث صعوبات كبيرة في توفير خدمات البنية الأساسية وتعجز نظم التخطيط التقليدية عن توفير التمويل المستدام للحفاظ علي مستويات الصيانة الدورية الضرورية ومن ثم يحتاج الأمر إلي إطار متكامل للتطوير تتضافر فيه الجهود والخبرات المركزية والمحلية.