مع اقتراب المواسم الانتخابية كثرة الحديث عن التطور الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة نجد الجميع يتباري في الحديث عن الشباب ووضعهم في دائرة الاهتمام داخل برنامجه الذي يطرحه علي الناخبين دون أن يتحول هذا الطرح إلي برنامج عمل نوعي بعد وصوله إلي المقعد المنشود ليظل الشباب هم الأقل تمثيلا في المجالس النيابية مثلما هم الأكثر غيابا عن المشاركة في عمليات التصويت,هذا ما أكده تقرير حديث أصدره المركز المصري للتنمية والدراسات الديموقراطية بعنواننفق مظلم ومصابيح قليلة.
وأشار التقرير إلي أن هذا الأمر كاد من كثرة تكراره أن يصبح قاعدة شبابية يشهد بها جميع المسئولين مثلما فعل وزير الشباب السابق(أنس الفقي)عندما أعلن في جلسة استماع أمام لجنة الشباب بمجلس الشعب أن نسبة مشاركة الشباب في الحياة العامة لا تتجاوز8% وأن92%من الشباب المصري لا يفضلون المشاركة بأي حال من الأحوال في الشأن العام.
وأضاف التقرير أن الموقع الرسمي للحزب الوطني(الحاكم)حين تحدث عن مشاركة الشباب في الحياة السياسية قسم الشباب إلي ثلاث شرائح أو تيارات,الأولي والأكبر حجما والأهم تأثيرا من حيث العدد هي أغلبية من الشباب(الأمي والمتعلم)وهي شريحة عديمة المعرفة السياسية وليس لديها اهتمام بالأمور العامة أو المثارة ويمثلون52% من الشباب المصري.
والشريحة الثانية هي من مشوهي الثقافة أو الذين اكتسبوا معارفهم السياسية من حكاوي القهاوي أو من أناس عديمي الدراية أو من كتب الرصيف ويمثلون 20% من الشباب.
أما الشريحة الثالثة والتي تمتلك الوعي والثقافة السياسية فهي تمثل قرابة28% من الشباب وإن كان من ينتمون إلي الأحزاب بينهم لا يتجاوزون12% فقط.
وشدد التقرير أن هذا الواقع يظهر لنا فداحة أزمة الأحزاب وعدم قدرتها علي التعامل مع ملف الشباب لتشابه مواقفها العملية مع اختلاف خطاباتها السياسية في التعامل مع تلك الشريحة المجتمعية التي يظل غيابها هو الأبرز داخل التشكيلات الحزبية المختلفة سواء كان ذلك راجعا لأزمات داخلية تعاني منها الأحزاب المصرية أو المأزق النوعي للخطاب السياسي علي الساحة المصرية أو كان نتاجا لموقف متعنت يرفض السماح بالعمل السياسي لطلاب الجامعات أو يخلق لهم مراكز جذب للمشاركة في الشأن العام.
وأوضح التقرير أن هذا الحال أسفر عن أزمة اغتراب واضحة يعيشها الشباب وتتجلي في الانتخابات العامة التي لا يقبلون عليها ترشيحا أو تصويتا فعلي الرغم من أن المقيدين في جداول الناخبين في الشوري(23378962)ناخبا إلا أن من شاركوا منهم لم يتجاوزوا(7301478)وهي نسبة إقبال مشابهة للتصويت في انتخابات لمجلس الشعب2005حيث بلغ عدد المقيدين في الجداول الانتخابية (32063175)ناخبا أدلي منهم بصوته(8116931)وهو ما لا يمكن قراءته بعيدا عن الشباب المصري ومشاركته التي يعوقها غياب لتلك الفئة عن دوائر الترشيح من قبل القوي السياسية التي لم تسع إليهم أو تجيد التعامل مع المتواجدين داخل الأحزاب فهم كوسيلة لجذب غيرهم للمشاركة وتحفيزهم علي العمل العام.
وأكد التقرير أن أزمة تهميش الشباب واستبعادهم من العمل العام صارت قاعدة يصعب تجاهلها أو عدم التعامل معها بالحزم المطلوب في ظل الحديث عن الإصلاح السياسي وحزم التعديلات الدستورية المتتابعة التي قيل إنها تدشن لمرحلة من تاريخ مصر الحديث يلعب الشباب فيها الدور الأكبر.
وأوضح التقرير أن هذا هو المفترض مثلما حدد الرئيس مبارك في برنامجه الانتخابي أثناء معركة الرئاسة(شباب مصر هم المستقبل الواعد لتحقيق التنمية والتقدم وهدف الرئيس زيادة مشاركة الشباب في الحياة العامة)….ولهذا يسعي الرئيس مبارك إلي إتاحة الفرص أمام الطاقات الشبابية الواعدة للمشاركة في كافة جهود التنمية وتولي المواقع القيادية في المجالات المختلفة للعمل الوطني).
وذكر التقرير أن انتخابات الشوري الأخيرة عمقت إحساس المواطن المصري بعدم جدوي المشاركة نظرا لفقدانه الثقة والمصداقية في نتائج العملية الانتخابية بعد كل التدخلات الإدارية والأمنية,وهو ما انعكس بوضوح علي نسبة مشاركة الناخبين في عمليات التصويت التي لم تتجاوز في أحسن أحوالها15%.
وأضاف التقرير أن غياب دور المرأة في المجتمع يرجع إلي افتقاد مفهوم المواطنة,والذي يعد سلوكا اجتماعيا ثقافيا يستلزم بالضرورة تجديد بنية المجتمع الثقافية وتجاوز مفهوم البداوة والعصبية القبلية والأعراف والتقاليد البالية,لا مجرد النص عليها في مواد دستورية مجردة لا تلقي أي دعم رسمي أو أهلي لتفعيلها علي خريطة المجتمع المصري.
ورصد التقرير أيضا أنه من بين 24حزبا رسميا بالإضافة إلي9أحزاب تحت التأسيس تمثل كافة ألوان الطيف السياسي في مصر,لم يشارك في انتخابات الشوري الأخيرة سوي ستة أحزاب.
وذكر التقرير أن أحزاب المعارضة ذاتها سبب مرجعي في عزوف وامتناع المواطنين عن المشاركة باستمرائها لفكرة الاضطهاد السلطوي لها وتحوصلها داخل مقراتها بدعوي ضيق الموارد دون بحث عن البدائل أو تجديد للخطاب السياسي والبرامج بما يجعلها عوضا,وفي ذات الوقت وسيلة للتواصل مع الجماهير التي راهنت فخسرت الرهان,أو تكاد,كما أن الصراعات الداخلية داخل الأحزاب جعلتها أحزابا ضعيفة لا تستطيع مواجهة النظام أو مزاحمة الحزب الوطني في سيطرته علي مقاليد الأمور في العملية الانتخابية والسياسية.