يقولون المحن تختبر معادن الرجال, وأضيف والنساء أيضا. هناك من النساء من تنهار أو تنطوي علي أحزانها أو تحتضن أطفالها بعيدا عن مصدر الخطر, وهذا هو النوع السائد في الشرق, وهناك من النساء من يسئ إلي الرجل ولا تكن علي مستوي المسئولية كما فعلت ويني مانديلا, وهناك من تيأس من تحقيق العدالة كما حدث مع زوجة رئيس وزراء ليبيا الأسبق منصور الكخيا ,الذي اغتاله نظام القذافي,فقد حاولت زوجته وفعلت الكثير من أجل العدالة لزوجها, ولكن الأمريكيين لم يساندوها رغم أنها تحمل الجنسية الأمريكية,وفي النهاية اضطرت إلي أن تصمت مقابل مبلغ من المال أعطاها إياه القذافي لرعاية أبنائها.
ولكن هناك نماذج مشرفة من النساء المناضلات حتي النهاية خلف رجالهن حتي تتحقق العدالة أو تمر المحنة بسلام.
كل من تابع قضية أيمن نور يدرك مدي الجهد والصلابة والتحدي التي أبدته زوجته جميلة إسماعيل, فحملت قضية زوجها بشجاعة إلي المنظمات الحقوقية والبرلمانات الدولية وإلي الرأي العام العالمي.
برزت جميلة إسماعيل خلال هذه المحنة كمناضلة صلبة خلف زوجها رغم صغر سنها وقلة خبرتها السياسية ورغم صغر سن أطفالها أيضا ,إلا أنها استعادت روح المرأة الفرعونية الصلبة الصامدة المخلصة,وخرجت جميلة إسماعيل منتصرة من هذه المحنة, بل وحفرت لنفسها مكانا كشخصية قيادية في المستقبل.
ولا يفوتنا في هذا المجال الحديث عن محنة الدكتور سعد الدين إبراهيم ووقوف سيدتين بصلابة خلفه, وهما زوجته باربارا وابنته راندا. لقد طافت باربارا إبراهيم بكل مراكز الضغط وصنع القرار في أمريكا وأوربا خلال أزمة زوجها, ولا أستطيع حصر حجم اللقاءات التي عقدتها باربارا خلال هذه الفترة.
ورغم ذكاء سعد الدين إبراهيم وكفاءته إلا أن باربارا ساهمت بشكل رئيسي من أن تصنع منه شخصية دولية واسعة الانتشار,وبعد خروجه من السجن رتبت باربارا لسعد عشرات اللقاءات مع مختلف المسئولين في الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية الكبري والعديد من الجامعات الأمريكية الكبري, وحصل سعد علي العديد من الجوائز الدولية وعدد من درجات الدكتوراه الفخرية بفضل نشاط ومعاونة باربارا, ولا عجب أن يقول سعد في العديد من احتفاليات تكريمه إن باربارا هي البطل الحقيقي, وهي نفس الكلمة التي قالها أيمن نور فور خروجه من السجن. أما راندا إبراهيم ابنته فكانت ظهر سعد الدين إبراهيم في الداخل ومساعدة لوالدتها في الجهد الدولي,ولكونها محامية كانت المايسترو لفريق المحامين المدافعين عن والدها,وبحكم صداقتي لسعد الدين إبراهيم فكم كنت معجبا وممتنا للجهد الجبار الذي بذلته السيدة باربارا إبراهيم وأيضا راندا سعد الدين إبراهيم.
لا يمكن أحد أن ينسي الدور البطولي الذي قامت به السيدة ستريدا جعجع لمساندة زوجها الدكتور سمير جعجع في مواجهة نظام بوليسي شرس هو النظام السوري, فلمدة تزيد علي عشر سنوات حافظت ستريدا بشموخ علي تماسك القوات اللبنانية, وربما كانت أكثر سيدة زارت زوجها في السجون في تاريخ المسجونين السياسيين.
لم يكن أحد يتخيل أن هذه السيدة الجميلة دقيقة الملامح تبدي هذا القدر من الصلابة, ولم تنهار ولم تهتز وزوجها محكوم عليه بالسجن المؤبد ومحبوس انفراديا ومعرض للقتل, والقوات اللبنانية معرضة للمطاردة من مخابرات سورية وعملائها في لبنان, ورغم كل هذا حملت آلامها بداخلها ووقفت كالطود الشامخ خلف زوجها حتي خرج سالما من معتقله وتوجت هي كفاحها ونضالها بعضوية البرلمان اللبناني وينتظرها مستقبل سياسي مرموق.
من لبنان أيضا لا يمكن أن ننسي الدور الذي لعبته السيدة الجميلة جيزيل خوري بعد استشهاد زوجها سمير قصير,لقد تصدرت صورة كبيرة لسمير قصير الصفحة الأولي لصحيفة الواشنطن بوست بعد خروج القوات السورية من لبنان كأحد أبطال الاستقلال الثاني للبنان, ولكن كارهي لبنان واستقلاله لم يمهلوه الوقت لكي يفرح بثمرة نضاله البطولي فاغتالته يد الاثم كما اغتالت جورج حاوي وجبران تويني وبيير الجميل.
صورة سمير التي تصدرت الواشنطن بوست حملتها جيزيل علي صدرها إلي ملايين المشاهدين كقيمة للوطنية والنضال الوطني الشريف, وطافت بقضية زوجها من باريس إلي الأمم المتحدة حتي استطاعت أن تضم قضيته إلي المحكمة الدولية لاغتيال الحريري والتي تنطلق مع توقيت نشر هذا المقال, ونأمل أن تريح العدالة آلام أسر الضحايا,استطاعت جيزيل أيضا أن تخلد ذكري سمير بإنشاء جائزة صحفية سنوية باسمه, وبوضع تمثال له في العاصمة بيروت التي طالما ناضل من أجل استقلالها ودفع دماءه الذكية الطاهرة ثمنا لهذا الاستقلال.
ولا يمكن أن نترك بيروت دون الإشادة أيضا بالسيدة نائلة معوض زوجة الرئيس الشهيد المغدور به رينيه معوض الذي اغتيل بعد 17 يوما من انتخابه عقب اتفاق الطائف قبل أن يصل إلي قصر الرئاسة الذي كان محتلا من قبل الجنرال ميشيل عون.
حملت السيدة نائلة معوض قضية زوجها وناضلت وانضمت إلي المجموعات المناضلة من أجل إخراج القوات السورية من لبنان, التي تتهم من جهات عدة باغتيال رينيه معوض.
بعد خروج القوات السورية من لبنان نجحت نائلة معوض كعضو في مجلس النواب واختيرت كوزيرة في حكومة فؤاد السنيورة,ومازالت تناضل مع فريق 14 آذار من آجل الحفاظ علي الاستقلال الثاني للبنان ودعم سيادته علي قراراته.
لا يمكن أن ننسي دور السيدة جيهان السادات في حياة زوجها, وعملها الدؤوب كسفيرة لذكري السادات في مختلف دول العالم بعد اغتياله.لقد ألقت السيدة جيهان عشرات المحاضرات والتقت العديد من وسائل الإعلام الدولية من أجل الحفاظ علي صورة زوجها كبطل للحرب والسلام,وحتي كتابة هذه السطور تعد جيهان السادات المحامي الأبرز لزوجها في كافة المحافل المحلية والدولية.
هناك كلمة سحرية وراء كل قصص وفاء المرأة وإخلاصها وصمودها وبطولتها, هي الحب.نعم الحب يصنع المعجزات, وحقا كما قال أوسكار وايلد: كيف يكون الإنسان فقيرا وهناك من يحبه؟
[email protected]