* أعلم أن مشكلتي ليست الوحيدة من نوعها,وأعلم أيضا أن العديد من المشكلات يبقي حلها في يد الأقدار,ولا سلطان لنا عليها,لكنني أعرض هنا محنتي ربما أتخلص من الإحساس بالمرارة واليأس.
أنا رجل في الثامنة والستين من عمري أنعم الله علي بابنتين…أديت رسلتي نحوهما علي أكمل وجه بعد أن رحلت زوجتي وهما مازالتا في سن المراهقة,ولم أفكر لحظة في الزواج بأخري لتحل محل والدتهما خشية أن يتكدر صفو الأسرة,ووهبتهما حياتي فربيتهما وعلمتهما,وقمت بتزويجهما,وكان من الطبيعي أن تنشغلا عني بحياتهما الجديدة,فأضحيت لا أراهما إلا مرة واحدة كل أسبوع,أسعد فيها بأحفادي,وكم هو جميل إحساس الجد بصغاره,لكن سرعان ما ينقلب الحال بعد رحيلهم جميعا,فيتركوني وحيدا أقضي ساعات النهار أمام التليفزيون,وأقضي سكون الليل ووحشته في انتظار الموت وحيدا..إذ أنني مريض بضغط الدم والقلب والسكر.
ذات ليلة..هاجمتني آلام الذبحة الصدرية,ولم أجد من يعطيني رشفة ماء أو قرص دواء,واستعنت بالجيران الذين اصطحبوني للمستشفي,ومرت المحنة بسلام لكنها خلقت في نفسي خوفا عميقا.أن ألفظ أنفاسي الأخيرة بلا رفيق,ولا علم لأحد بي؟.
كانت تلك الليلة الحاسمة في حياتي التي اتخذت علي أثرها قرار الزواج,فرحت أبحث عن زوجة تناسبني,لم تعترضا ابنتاي نهائيا,وعن طريق الأقرباء والمعارف التقيت بالإنسانة المناسبة فهي تبلغ من العمر 44 عاما ولم يسبق لها الزواج وهادئة وطيبة القلب,وتزوجنا وسط فرحة ابنتاي اللتين تنفستا الصعداء بهذه الزيجة التي أزاحت عنهما حملي في أوقات المرض,ومضي زواجي سعيدا وشعرت أن حياتي وشبابي تجدداه فما أكثر احتياج الإنسان إلي الرفيق في خريف العمر.
سارت الأمور علي ما يرام لمدة ستة أشهر إلي أن قذفتني الأيام بقنبلة من العيار الثقيل,فاكتشفت أن زوجتي حامل في شهرها الثالث,هبط علي الخبر كالصاعقة,لقد قاربت الثامنة والستين من عمري,وزوجتي قاربت الخامسة والأربعين,فهل ننجب طفلا محكوما عليه باليتم,فكم سأعيش من العمر؟..شيخوختي ستقهرني ويطالني الموت,تمكن اليأس مني وهزمني فلم أعد أري من الحياة إلا الجانب المظلم..وماذا سيفعل هذا الصغير؟وألح علي نداء الشيطان مرارا.
إلي أن هداني تفكيري إلي وجوب التخلص من الجنين,فطلبت من زوجتي ذلك فبكت في حزن عظيم.أعلم أن هذا الطلب ضد الدين والمجتمع والقانون والرحمة,ولكن هل من الرحمة أن أسمح له بالقدوم إلي هذه الدنيا ليعيش مشردا بعد موتي؟!..فأنا رجل بالمعاش ولا أمتلك من الدنيا سوي معاشي الذي يكفيني أنا وزوجتي,وسيكفينا أيضا في وجود ابن لنا..لكن هل سيكفي هذا الإبن تعليما ودرسا وعلاجا وحياة بأكملها وخصوصا أن زوجتي لا تعمل؟.
تحولت لإنسان آخر وتبدلت طباعي حتي أنني أسأت لزوجتي الطيبة أشد الإساءة,بعد أن افتعلت مشاجرة معها وقمت بضربها ربما ألحق الأذي بالجنين,ولكن إرادة الله كانت أقوي من مخططاتي الدنيئة,ومع كل هذا لم أستطع التخلص من رعبي من المستقبل,فماذا أفعل؟.
** لصاحب هذه المشكلة أقول:
هنيئا بما سمحت الأقدار به لك,وضنت به علي كثير من غيرك ظلوا طوال العمر في انتظار طفل حتي لو كان ابنا للشيخوخة ولم يضعوا الموت نصب أعينهم.
ألا تري أنه من عجيب الصدف أن تحمل زوجتك في تلك السن,وأن تستطيع أنت الإنجاب رغم كل ما تحمله من أمراض,ألا تري أن إرادة الله تجلت بلا أدني شك في هذا الجنين؟ولنناقش الأمر بعيدا عن النظرة التشاؤمية التي تسيطر عليك,وهي أن طفلك محكوم عليه باليتم,فمن منا يعلم ساعته فكثيرون في مثل ظروفك منحهم الله العمر الطويل,وكثيرون أيضا رحلوا عن عالمنا في ريعان الشباب,فلماذا تصادر علي المستقبل وتسلم نفسك فريسة لليأس؟! لماذا تحكم علي زوجتك -طيبة القلب- بالحرمان من الأمومة طيلة حياتها؟أليس من حقها أن تصبح أما,وتنجب طفلا يصير عكازا وسندا لها فيما بعد؟!.
وهل تنسي أو تتناسي أن ما تفكر فيه خرق لجميع الوصايا المقدسة وتحد لإدارة الله؟إنه قتل عمد,والوصية تقول لا تقتل,كما أن ذلك عدم ثقة في عمل الله في حياتنا.فجميع الأديان استقرت علي أنه لا إجهاض إلا للضرورة التي تتعلق بحياة الأم فإذا كان الجنين يمثل خطورة علي الأم يتم الإجهاض وما عدا ذلك صار جريمة.
وأود أن أذكرك أن خوفك العظيم من قدوم هذا الطفل لا يتناسب إطلاقا مع عدم اتخاذك زوجتك الاحتياطات اللازمة في هذا الأمر,فأنت تعلم أن الرجل يستطيع الإنجاب في أي وقت من عمره وبلوغ زوجتك سن الخامسة والأربعين لا يعني بالضرورة عجزها عن الإنجاب,إذا كان إهمالك وعدم تنبهكك سببا جزئيا,فلماذا تحصد زوجتك النتائج؟.
تصور لو كانت إحدي ابنتيك في موقف مماثل ماذا كنت فاعلا بزوجها؟فهل ترضي تلك الحالة لأيتهما عزيزي ما لم ترضاه لابنتيك لا تفعله بزوجتك,ولتترك الأمر لصاحب الأمر,ولا تتحدي إرادة الله الذي شاء أن يقر عيني زوجتك بوليد يسر قلبها,فانزع اليأس عنك,ولا تستجيب لنداءات الشيطان,ليكن طفلك هو أملك الجديد في التشبت بالحياة ومقاومة المرض,ولتطلب من الله المغفرة علي ماكنت تنوي فعله.فهو ملجأنا في الضيقات وإذا احتميت به من خوفك سيبدده ويحول رعبك إلي سلام فيتوقف نداء الشيطان.
أما زوجتك فثق أن ما بدر منك سبب لها جرحا غائرا عليك مداواته.فاحرص علي إصلاح ما أفسده يأسك وجنوحك عن الحق.
ردود خاصة
* إلي الآنسة م.ن.ن عليك بالذهاب إلي الطبيب للتأكد من مخاوفك في أقرب فرصة.
* إلي السيدة هـ.ف.ن زواجك للمرة الثالثة لا يحمل عيبا أو تحريما,لكن المجتمع لم يعتد من الزوجة التي يرحل زوجها هذا السلوك,خاصة أن الأمر تكرر معك مرتان متتاليتاين,تجاهلي آراء من حولك واهتمي بحياتك الجديدة إذ لا رجعة فيها وصدقيني سينسي الناس بمرور الوقت كل ما يخصك وينشغلون بموضوعات جديدة أكثر إثارة.
* إلي صاحب القلب الكبير-كما أطلق علي نفسه-إذا كان لك قلب كبير كما تقول لكنت تغفر لإخوتك ولا تقاطعهم بعد عودتهم إلي صوابهم,والأن عليك أنت المبادرة بالصلح معهم.
ملاحظة:برجاء عند الاتصال عبر البريد الإكتروني أن يكون ذلك عن طريق##الإيميل##وليس غرف الدردشةالشاتنج.