التحول في سلوك الأقباط ينذر بخطر إذا لم تتحرك الدولة لتصحيح الأوضاع
أكد الصحفي والإعلامي نبيل شرف الدين رئيس تحرير موقع الأزمة أن مصر تمر بمرحلة خطيرة بعد تصاعد وتيرة العنف ضد الأقباط التي يسأل عنها في المقام الأول النظام السياسي الذي ذهب طوال السنوات الماضية يستخدم سياسية المسكنات دون علاج حقيقي لجذور المشكلة الخاصة بالمواطنة علي الرغم أن الحلول معروفة وممكنة إذا ما توفرت الإرادة السياسية.. وحمل شرف الدين النظام المسئولية لتحول مدينة الإسكندرية إلي عاصمة السلفيين الأولي الذين ذهبوا يبثون سموم الأفكار المتطرفة دون التصدي لهم.. وأشار إلي أن التحول في سلوك الأقباط وخروجهم من أسوار الكنيسة إلي الشوارع ينذر بخطر حقيقي في منظومة العلاقات بين أبناء الوطن وإلي تفاصيل الحوار:
* ما تأثير الحادث علي المواطنة والتحول في سلوك الأقباط؟
** اجعلني أبدأ بتحول سلوك الأقباط.. الحادث كان يشكل منعطفا خطيرا ليس في عدد الضحايا ولكن في رسالته – إن الأقباط لن يديروا خدهم الأيسر مرة أخري فالخوف بات لا يوجد عند الأقباط وخرج الغضب القبطي في أنحاء الجمهورية وشعروا بالحسرة ونحن ندخل علي منطقة خطيرة هي القتل علي الهوية بعد استهداف الكنائس وقبلها أحداث أخري والتي أتمني أن لا تكرر وإن كنت أشك في توقفها والمسألة الآن تحتاج إلي مزيد من المصارحة بعيدا عن كلمات الإنشاء ومجالس العرف والتقبيل التي تتكرر في نفس المناسبات والأحداث.
دعنا نعترف أولا أن حالة الاحتقان الطائفي تحولت إلي حالة فرز طائفي ومن ثم تحولت إلي حالة عنف طائفي, فالأخطر من هذه الحادثة المناخ الذي يحيط بالحادثة سواء قبلها أو بعدها وشعور الأقباط بالغبن والظلم لأن الأمور متجمدة حول بعض القضايا والمشكلات التي نتحدث عنها منذ عشرات السنوات ولم تحل حتي الآن ولا توجد نية لحسمها علي رغم أن الأمور يمكن حسمها بقرار سياسي وينتهي الأمر فعلي سبيل المثال القانون الموحد لدور العبادة.. ما الذي يمنع من صدور هذا القانون الذي قتل بحثا منذ سنوات وأثير حوله العديد من الحوارات ومازال حبيس الأدراج بمجلس سيد قراره لأنه لا توجد إرادة سياسية لتمريره.
* إذا اجعلني أتساءل حول أسباب غياب هذه الإرادة السياسية لإنهاء هذه المشكلات؟
** الحقيقة لا أجد ولا أعلم إجابة لهذا السؤال فنحن لا نعلم لماذا الدولة تعجز عن حل هذه القضايا رغم أنها تستطيع وتملك, حل هذه القضايا لا يضر بالدولة أو بالمواطنين بل سوف يعمل علي حل مشكلات كثيرة نحن ننتظر أن نسمع من صانع القرار لماذا يتأخر صدور هذا القانون. وقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وأيضا هناك جوانب أخري خاصة بالإعلام ومناهج التعليم وجانب خاص بالتربية والأجواء الاجتماعية والشحن الطائفي. هذه جوانب أخري تظهر انعدام الإرادة السياسية لحل هذه المشكلات.
* هل تتفق في الرأي مع الذين يرددون أن النظام يخشي اتخاذ خطوات إيجابية في هذه القضايا خوفا من التيار الديني الذي انتشر داخل المجتمع المصري؟
** النظام في مصر ليس ضعيفا وحين يرغب في فرض أي أجندة لا يمنعه أي مانع.. حينما أراد النظام في مصر تعديل الدستور فعل ذلك وحينما أراد إقصاء الإخوان عن البرلمان فعل ذلك, وغيرها من الخطوات الأخري. وأي شخص يعلم ذلك لا يجب الالتفاف علي الأمور لأن النظام المصري قوي ولكنه غير راغب في حل هذه القضايا لأسباب لا يعلمها غير الله وأتمني معرفة الأسباب بعيدا عن كلمات الإنشاء والمسكنات.
* إذا هل تعتقد أن النظام يستخدم هذه الأوراق مع الأقباط لسياسة معينة؟
** الاستخدام السياسي للدين لعبة قديمة في مصر منذ عصور الفراعنة واستخدام السياسي للدين لعبة خطرة وكل من لعب بهذه الورقة مع شيطان التطرف دفع ثمنها ونحن لم نتعلم فالقوة العظمي أمريكا قامت باستخدام حركة طالبان لضرب الاتحاد السوفييتي وهي الآن تدفع الثمن, وإسرائيل قامت باستخدام حركة حماس لضرب فتح حتي أصبحت حماس مشكلة إسرائيل الأولي. والرئيس السادات قام باستخدام الجماعات الإسلامية لضرب الناصريين والشيوعيين ودفع ثمن ذلك, فالأمم والشعوب المتحضرة تتعلم من خبرات الماضي ونحن لا نتعلم ونلجأ للردود التي تتجاهل المشكلة بعيدا عن المكلمة فالسرطان لا يعالج بالكلمات.
* تحدثت عن سلوك الأقباط وقلت إنه البداية الجديدة للتحول في السلوك فكيف تري وضعية هذا التغير خلال الفترة المقبلة؟
** الخطير الآن أننا ندخل علي فترة اللعب في الجهاز العصبي للمجتمع بعد تجاوز مرحلة الاحتقان الطائفي إلي العنف الطائفي الذي كان في بدايته عنفا عشوائيا وتطور إلي العنف المنظم الذي حدث في الإسكندرية حتي لو كان عملا إرهابيا لكن يحيطه مناخ طائفي لا يمكن إسقاطه من حسابنا, فالأقباط يشعرون بالغبن وباستخفاف بعقولهم ومشكلاتهم, فكان ممكن هذه الحادثة تكون في أحد المساجد وكان سيقال الأقباط فعلوا ذلك والحقيقة أنه لم يثبت أحد ذات يوم استخدام أي قبطي للعنف أو حمل سلاح ولكن مؤخرا اتجهوا إلي التعبير العنيف عن مشكلاتهم وهنا النتيجة التي تجعلني أتخوف إذا ما تطور هذا السلوك إلي الصدام المتبادل ستحدث كوارث خطيرة فنحن لسنا أمام حادثة بل منظومة تتجه لحافة السقوط, إذا لابد من وقف مصطلح عنصري الأمة لأننا لسنا عراق أو لبنان نحن عرق واحد والفرق بيننا أننا كل شخص قدر له أن يولد إما في أسرة مسلمة أو أسرة قبطية.. إذا علينا الاعتراف بالمرض قبل أن نصل لمرحلة الخطر التي يصعب فيها السيطرة علي جسم المجتمع لأن سلوك الأقباط الذي يتم رصده يؤكد أنه وصل لمرحلة الاحتقان الحرج. لذا كانت كلمات قداسة البابا في دعوة الشباب القبطي التي التعقل واستخدام الحكمة ولكن كل ما أتمناه الآن أن نفكر في الإجراءات التي تمنع تكرار هذه الأزمات أو الحوادث مرة أخري والحلول معروفة ولكن المشكل هل تتوافر الإرادة السياسية لإنهاء هذه المشكلات.
* البعض يصف حادثة الإسكندرية بالإرهاب والتدخل الخارجي وآخرون يحملون الدولة المسئولية.. فكيف تصف سيادتكم هذا الحادث؟
** اجعلني أتجاوز الأوصاف لأنه لن يفيد ولكن اجعلني أسير مع الراوية الرسمية بالتدخل الخارجي لضرب الوطن فإذا كانت رأس الأفعي بالخارج فالذيل بالداخل ويجب قطع هذا الذيل. ولكن أين موقفي لقطع الذيل وأين ذيل الأفعي الذي يلسع بالداخل فهذا لا يعفي الدولة من مسئوليتها في حماية المواطنين بالداخل فهذه وظيفة الدولة أما إذا اتجهنا أنه إرهاب ويحدث في كل مكان فهو شكل من أشكال تمييع القضية وشكل من القفز علي الأسباب الحقيقية للاحتقانات التي تزايدت خلال السنوات الأخيرة وتم رصده ومن الذي يسمح ويمكن الأيدي الخارجية من الدخول وينفذ أجندتها, فهذا يعود إلي وجود الأرضية الخصبة بالداخل لتنفيذ هذه الأجندة وهناك عنصر آخر يجب أخذه في الاعتبار فالإرهاب في التسعينيات كانت تنظيمات معروفة ولكن الآن أنت أمام خلايا نائمة لا تعلم عنها شيئا وبالتالي تغيرت قواعد اللعبة ولكن يعمل بشكل نوعي لتفجير الجهاز العصبي للمجتمع عن طريق ضرب علاقة المسيحيين بالمسلمين وهو طريق سهل لتدمير المجتمع.
* ما رأيك في الأقوال بوجود متطرفين ومتعصبين علي الجانبين؟
** ربما يوجد متعصب أو متطرف مسيحي ولكن تطرف فكري وليس مسلحا واجعلني أقول إن تطرف بعض الأقلية مسئول عنه سلوك الأغلبية فإذا كنت 90% فالمطلوب منك احتواء الـ10% وتحل مشكلاته البسيطه وليس العكس, وهناك التمييز الإيجابي وقد استخدمته أمريكا في وقت من الأوقات مع الزنوج لدمجهم في المجتمع إلي أن وصل اليوم رجل زنجي لكرسي الرئاسة نتيجة تصحيح ثقافة المجتمع, ونحن نتمني أن نصل إلي هذه الثقافة وإلي هذه المعايير التي تعتمد علي الكفاءة والمهارة بعيدا عن الدين أو تعتنق ما تشاء فهذه ليس لها علاقة بالدولة لأن الدولة ليس لها دين.
* أقباط إسكندرية يتهمون الدولة بمسئولية تحول المدينة الي بؤرة من التطرف وخروج مظاهرات كل جمعة تدعو للكراهية والتعصب دون أن يتصدي لها أحد فما رأيك؟
** أنا حزين عند الحديث عن مدينة الإسكندرية مدينة الثقافات التي كانت تضم كل الجنسيات والأديان وأنا أعتبرها هي الجسر بيننا وبين المجتمع الغربي وكما قال طه حسين كلما اتجهنا غربا كلما كنا نسير في الطريق الصحيح وهي المدينة المفتوحة أما الآن خلال السنوات الأخيرة فقد تحولت إلي العاصمة السلفية الأولي فالسلفيون بالإسكندرية هم أكبر مجتمع سلفي في مصر والسلفيون هم البديل الأسوأ للإخوان وهم الذين يحركون زوبعة كاميليا وغيرها وهم الذين يحشدون عقول الشباب بوجود أسود وأسلحة داخل الكنائس.. فمن سمح بانتشار هؤلاء وهذا الاستخفاف بالعقول الذين حولوا عروس البحر المتوسط إلي المدينة المظلمة, فالسلفية هي الأخطر في التعامل مع مسألة الآخر فبعد أن كانت الإسكندرية تصدر التحضر لمصر باتت المدينة الرجعية الذي يحيطها حزام العشوائيات وتسكنها قنابل موقوتة من السلفيين وهو تقدير غير محسوب من جهة النظام للتصدي لهذا الخطر فيجب إعادة المدينة لوضعها.
* لماذا لم تتصد الدولة لمثل هذه المظاهرات السلفية التي خرجت لأسابيع متتالية تحض علي الكراهية والتعصب ونشر هذه السموم للبسطاء؟
** أنا لا أفهم لماذا تركت الدولة الحبل علي الغارب لمثل هؤلاء المتعصبين, ولكن كل ما أقوله إن النظام سوف يدفع ثمن هذه السياسات فالسلفيون يسحبون الآن البساط من تحت الإخوان ولكن بشكل خطير؟
* ما رأيك في عدم أخذ الدولة بتقرير العطيفي منذ عام 72 وبعدها في أحداث الإسكندرية 2006 حيث قام مجلس الشعب بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ولم تجتمع أو تذهب.. واليوم أيضا يشكل المجلس لجنة أخري وهكذا؟؟
** باختصار شديد إذا ما توافرت الإرادة السياسية سوف تسير الأمور للأفضل إذا لم تصدر التعليمات السياسية بعيدا عن المكلمة وفكرة جورج يقطن معي وصديقي مسيحي وإحنا أمة واحدة فيجب التصدي لهذه الاحتقانات المستمرة والخروج من هذه الدائرة المفرغة وأنا أراهن علي عقلاء القوم في المجتمع المصري والمثقفين المستنيرين.
* ولكن البعض يقول إن المثقفين انسحبوا من المجتمع وتركوه للمتعصبين؟
** هم لم ينسحبوا بل غيبوا لأن المنابر الإعلامية فتحت للمتعصبين وتم حجب المثقفين مثل فرج فودة قال الكثير ودفع ثمن آرائه, وأنت اليوم تغيب كل الأفكار والمثقفين وعدم الاختلاط مع المواطنين وتترك الساحة للمتطرفين فهذا تغييب متعمد وليس انسحابا.
* البعض يصف أن مصر تتجه لعراق جديد والآخر إلي لبنان وآخرون يقولون إنها تتجه لنهاية عصر السادات فما رأيك؟
** مصر مرت بمراحل صعبة وتصدت لها وأنا لا أخاف أن أكون عراق أو لبنان لأننا لسنا 15 طائفة بل مصر بها مسيحيون ومسلمون أما عصر السادات فنحن نعيد نفس السياسات والأخطاء دون أن نتعلم منها مثل ما فعلت الدول المتقدمة ووقفت مع نفسها وحسمت مثل هذه الأمور وأنا متفائل أن مصر محمية في الكتب السماوية.
* من وجهة نظرك ما الحل لتصحيح الأوضاع بعد هذا الحادث؟
** المسئول الأول هو صانع القرار لأن الناس علي دين ملوكهم فالمضطهد الروماني كان أشد عنفا في تاريخ المسيحية وبمجرد أن اعتنق قسطنطين المسيحية أصبحت المسيحية هي العنوان الأول لروما وهذا يعني أن بيده السلطة – وعلي وصانع القرار أن يتخذ حزمة من الإجراءات والتدابير في التعليم والإعلام والتشريع والأمن وهذا لن يتحقق سوي بالإرادة السياسية لإنقاذ هذا الوطن.