يتندر المصريون في مجالسهم الخاصة علي الارتفاع الجنوني لأسعار السلع وخاصة الغذائية منها بقولهم إن ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي استطاعت إسقاط نظام بأسره لم تتمكن من إسقاط الأسعار الجنوبية غير المبررة لمختلف أنواع في مجالسهم الخاصة بقولهم أن الأسعار انتقلت إليها شرارة الثورة فأشعلتها ولا يستطيع أحد أن يطفئها.
من في مصر يستطيع أن يضع نهاية لهذا الانفلات من قبل التجار الذين يستبيحون أموال الناس حتي في أحلك الأوقات والظروف؟من يتحمل المسئولية؟ الحقيقة أن جيوب المواطنين موزعة ما بين دولة لم تعد تحاسب, ورقابة لم تعد موجودة, وجهاز يسمي حماية المستهلك ولايفعل شيئا, واتحاد عام للغرف التجارية يتحدث كثيرا بشعارات وطنية بينما في أرض الواقع يحمي فقط مصالح أعضائه. والسؤال الذي لن نمل من تكراره: كيف نتصدي لهذا الصعود الجنوني في الأسعار؟ وكيف نكبح جماحه؟
الحكومة وعلي لسان وزير التضامن الاجتماعي د.جودة عبد الخالق أكدت أنها تسعي من جانبها لتوفير كافة السلع للمواطنين وبأسعار مخفضة من خلال كافة المنافذ التابعة للدولة وذلك حتي يتسني للمواطنين من أصحاب الدخول المتوسطة الحصول عليها. وقد أكد د.جودة علي أن الوزارة بدأت بالفعل في تخفيض أسعار العديد من السلع وخاصة الغذائية في محاولة من جانبها لزيادة المعروض بأسعار معقولة ولتتصدي لجشع العديد من التجار. وأوضح د.جودة أن خطة الوزارة لتخفيض الأسعار هدفها الأول والأخير ألا يتأثر المواطنون بالأسعار الجنونية للسلع ذاتها في المتاجر الخاصة حيث لا يوجد مبرر منطقي لهذه الزيادات السعرية.
وأوضح وزير التضامن والعدالة الاجتماعية أن الوزارة نسقت بالفعل مع العديد من الجهات لتوفير المخصصات التموينية لتمكين المستفيدين من صرف حصصهم بالكامل, موضحا أن صرف السلع التموينية يتم حاليا بالبطاقة الذكية لنحو 64 مليون مواطن مقيدين علي 11.8 مليون بطاقة, وأن كل بقال تمويني لديه ماكينة لصرف السلع تستخدم لتوضيح الكميات المقررة للمستفيد بعد إدخال الرقم السري, وتحدد الآلة الإلكترونية الكميات والأسعار المطلوب دفعها للبقال.
وطالب الوزير د.جودة عبد الخالق كافة المواطنين المستفيدين من سلع البطاقات بعدم دفع مبالغ إضافية عن الأسعار الرسمية المحددة للسلع, وكذلك عدم ترك البطاقة لدي البقال التمويني والتأكد من دفع قيمة السلع واستلام الكميات الموجودة في الايصال المستخرج من الماكينة الموجودة.
من جهتها تعترف م.عنان هلال بوجود زيادات غير مبررة في أسعار العديد من السلع وخاصة الغذائية التي تهم المواطنين, ولذا فهي تطالب بدور فعال للدولة في تشديد رقابتها علي الأسعار وخاصة في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها بلادنا وتتطلب من الجميع التكاتف والتعاون وليس الطمع والجشع وتحقيق أرباح خيالية علي حساب المواطن المصري!
م.عنان هلال والتي تشعل منصب نائب رئيس جهاز حماية المستهلك أوضحت أن الجهاز قام بوضع خطة تستهدف ضبط الأسعار بالأسواق ومحاربة التجار المحتكرين, والعمل علي توافر السلع بالأسواق والمجمعات الاستهلاكية وأكدت أيضا أن الخطة تستهدف كذلك تكثيف الحملات الرقابية والتفتيشية علي الأسواق وذلك بالتنسيق مع الجهات الرقابية ومنها مباحث التموين ومفتشو التموين بوزارة التضامن والعدالة الاجتماعية والأجهزة الرقابية بوزارتي الصحة والتجارة والصناعة وذلك لضبط السلع المقلدة والمغشوشة ومجهولة المصدر وغير الصالحة للاستهلاك الأدمي. كذلك سيتم عمل حملات تفتيشية علي البقالين التموينين لمتابعة صرف سلع البطاقة التموينية الشهرية بالأسعار والكميات المحددة رسميا, ومتابعة عمل المخابز في فترتي الصباح والمساء لإنتاج الخبز المدعم بالمواصفات والجودة المطلوبة.
وأشارت م.عنان هلال إلي أنه تم بالفعل إنشاء غرفة عمليات بجهاز حماية المستهلك لمتابعة حالة الأسواق, كما تم زيادة فترات تشغيل الخط الساخن 19588 لتلقي شكاوي المستهلكين سواء من عدم وجود سلع أو نقصها أو أي حالات غش أو سلبيات بالأسواق.
ويتفق أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية مع الآراء التي تري بوجو زيادات في أسعار السلع بدون مبررات منطقية موضحا أن الغرف التجارية يهمها في المقام الأول والأخير حدوث انتعاش في الأسواق, وهذا الانتعاش لن يتحقق إلا من خلال الزيادة في القوة الشرائية وليس في الزيادة في الأسعار.
ويري الوكيل أنه مع حق التاجر سواء كان تاجر جملة أو قطاع في تحقيق هامش ربح معقول وليس تحقيق ربح التي تمر بها البلاد, والغرف علي أتم استعداد لتلقي شكاوي المواطنين تجاه حالات الجشع والاحتكار فالتاجر الحقيقي هو الذي يبيغ السلعة الجيدة وليست المعيبة, ويبيعها بأسعار معقولة ليس فيها أي شطط!!
وقال أحمد الوكيل ولكن لنعترف أيضا بالحقيقة. فالأحداث السياسية الجارية أثرت بالسلب فعلا علي حركة الاستيراد من الخارج للعديد من السلع. فعلي سبيل المثال وليس الحصر وبما أننا في شهر رمضان فقد انخفضت الكميات المستوردة من الياميش من 100مليون دولار عام2010 إلي 20 مليون دولار حاليا, كذلك تراجعت حركة استيراد اللحوم مما يؤثر بالسلب علي أسعار هذه السلع داخل السوق.
ويعترف م.سمير سويلم رئيس اتحاد مستوردي اللحوم بالانخفاض الملحوظ في حركة استيراد اللحوم من الخارج مما أدي لارتفاع أسعارها داخل الأسواق بنسبة 30% مبررا ذلك بأن أسعار الاستيراد مرتبطة ارتباطا وثيقا بأسعار البترول وفقا لمعادلة متعارف عليها دوليا تشير إلي أن أسعار الشحن تمثل 25% من سعر الرسالة الاستيرادية.
وبالرغم من الارتباك الحادث في حركة الاسيتراد من الخارج عموما في ظل الأحداث السياسية والاجتماعية التي تشهدها مصر, إلا أنه يرفض تماما تلك الارتفاعات غير المبررة معتبرا ذلك بمثابة استغلال وجشع من شريحة من التجار ولكن ليس كل التجار, ولذلك فهو يطالب بالفعل بتشديد الرقابة من قبل الدولة علي الأسعار وكذلك علي وجودة السلع المعروضة.
وبخبرته المعروفة كخبير اقتصادي مرموق يضع د.حمدي عبد العظيم الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية روشته اصلاحية لاقتصادنا عموما وللأسف- التي تقفز بسرعة جنونية لأعلي حيث يري أن الحد من الارتفاعات المتوالية لمعدلات التضخم وبالتالي ارتفاع أسعار السلع وخاصة الأساسية يتطلب وبصورة عاجلة وضع سياسة واضحة لزيادة الدعم السلعي من خلال إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة. بحيث يتم خفض معظم الدعم الذي يذهب للأغنياء من مخصصات الطاقة والصادرات داخل الموازنة العامة وهو يقدر بنحو 80 مليار جنيه علي أن يتم استغلال هذه القيمة المالية الكبيرة لدعم السلع الأساسية.
ويختتم د.حمدي عبد العظيم أفكاره الإصلاحية بقوله:لابد من تعديل للقوانين المتعلقة بالأسواق وعلي رأسها قانون منع الاحتكار وقانون حماية المستهلك وكذلك احكام الرقابة علي الأسعار من خلال وضع حد أقصي لنسبة الأرباح التي يحققها التجار والمنتجين بحيث تتغير الأسعار سواء بالزيادة أو بالنقص, وبالتالي تتحقق مصلحة الطرفين البائع والمستهلك.
ويدعو د.عبد العظيم مع من سبقوه بالآراء لعودة هيبة الدولة من خلال حملاتها الرقابية المشددة علي الأسواق وضبط التجار الجشعين والغشاشين, واعتبار أن إخفاء البضائع لاصطناع الأزمات وتعطيش الأسواق بهدف رفع الأسعار بمثابة جريمة من جرائم أمن الدولة العليا ووجوب إحالة المتهمين فيها إلي المحاكم العسكرية باعتبارهم يهددون أقوات الشعب.
وزير الاقتصاد الأسبق والخبير الاقتصادي المعروف د.سلطان أبو علي يري من جانبه أن تخفيض الأسعار التي ترتفع يوما بعد آخر لكافة السلع والخدمات بلا استثناء قضية وطنية ذات بعد اجتماعي لايمكن معالجتها بقرار وزير أو حتي رئيس الوزراء لأننا باختصار شديد نتيح في مصر نظام السوق الحر التي يتحكم فيها العرض والطلب, وتفاعلهما هو الذي ينتج أو يفرز الأسعار التي نكتوي بنارها جميعا!. وارتفاع الأسعار لكثير من السلع-يقول د.أبو علي – لايعود في الأساس لسياسات العرض والطلب وإنما لوجود قوي اقتصادية تتحكم في سلعة معينة أو عدد من السلع بعرضها بأسعار مبالغ فيها دون وجود منافسين في السوق وهو ما يعد خللا مؤسسيا خطيرا يجب علي الحكومة محاربته وتصحيحه باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بتصحيح الأوضاع الاقتصادية التي تفتح أبواب المنافسة بين التجار وتسهم في رفع الإنتاج وزيادة الإنتاجية والحد من الاستهلاك الترفيهي.
ويختتم د.سلطان أبو علي رؤيته بقوله: لست مع تخفيض الأسعار بأمر إداري من الحكومة لأن التسعير الجبري يسهم في خلق سوق سوداء للسلع التي يتم تخفيضها. أما العلاج الصحيح لأزمة الأسعار يكمن في زيادة المعروض من السلع والمنتجات والحد من الاستهلاك وزيادة الإنتاجية وفتح الأسواق أمام المنافسة الشريفة بحيث يتم تماما القضاء علي الاحتكار!
وبالرغم من اتفاق د.رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة مع ماطرحه د.سلطان أبو علي من آراء مثل سياسات السوق الحر التي تتبعها مصر مثل دول أوربا وأمريكا, إلا أن د.رشاد عبده يري أن الأسعار والتضخم في هذه الدول منخفض للغاية علي عكس أوضاع السوق في بلادنا. أما عن أسباب ذلك-يقول د.عبده – أن دول أوربا وأمريكا لديها ما يسمي بسوق المنافسة الكاملة التي تعتمد علي وجود عدد كبير جدا من البائعين والمشترين, وكل فرد في السوق سواء كان منتجا أو مستهلكا أو مستوردا أو مصدرا يعلم تماما كل صغيرة وكبيرة في السوق من حيث السعر والكمية والمنافسين له في السلعة مما يجعل هناك وضوحا وتنافسا بين البائعين لصالح المستهلك, وليس أمام المنتج أو البائع إلا أن يبيع السلعة بسعر يسمح له بالوجود في السوق دون احتكار مما يجعل المنتجون يجودون من سلعتهم لتحقق لهم ميزة أمام المستهلكين, بينما نجد الأمر مختلفا عندنا في مصر حيث يوجد لدينا ما يسمي بـاحتكار القلة حيث يتحكم في السوق وأسعارها عدد قليل من المستورين الذين يتفقون فيما بينهم علي البيع بأسعار معينة لسلعة معينة بحيث تحقق لهم هامش ربح كبيرا جدا, بينما نجد المستهلك مضطر لشراء هذه السلعة بالسعر المحدد لأنه ليس له أمامه بديل يبيع السلعة نفسها بأسعار أقل.
ويدعو د.عبده الحكومة لأن تخلق دور المنافس للقطاع الخاص حيث أن الدولة لا نستطيع أن تتخذ قرارا بتخفيض الأسعار إلي النصف أو إلي الربع, لأن القطاع الخاص يتحكم في أكثر من 80% من تجارة التجزئة واستيراد السلع وبيعها!…والبديل من وجهة نظري أن تقوم الحكومة بشراء السلع وكل المواد الغذائية والمواد والسلع والمنتجات الضرورية للمواطن مع عدم فرض أي رسوم جمركية عليها, وعرضها من خلال المنافذ الحكومية كالمجمعات الاستهلاكية أو من خلال تنظيم معارض للسلع الغذائية وتوفيرها علي مستوي الجمهورية.