المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة.. هكذا رنمت أجواق الملائكة السمائية يوم ميلاد الرب يسوع المسيح فمنذ هذه اللحظة بدأت رحلة خلاص البشرية من سلطان الموت فقد أعطي هذا الميلاد العجيب للبشرية الأمل في تنفيذ وعد الله الصادق بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية.. فلقد لخصت ترنيمة الملائكة هذه الرسالة التي من أجلها تجسد ابن الله الكلمة بمجيئه علي الأرض لأن العالم كان بحاجة شديدة إلي السلام الذي لم يكن موجودا في أي رسالة من رسائل الأنبياء الذين جاءوا قبل المسيح.. فرسالة السيد المسيح الأساسية هي تأسيس سلام دائم ومستمر بين الله والناس وبين الناس بعضها البعض وبين الناس وأنفسهم ولكن عمل السلام ليس بالأمر الهين بل هو عمل صعب جدا ويحتاج إلي مواهب كثيرة عالية في المحبة والعطاء والخير والصبر والبذل وهذا يستدعي وجود علاقة وثيقة مع الله الذي هو وحده فقط يمنح السلام لذلك فقد طوب ربنا يسوع المسيح صانعي السلام طوبي لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون فميلاد ربنا يسوع المسيح هو دعوة للإنسان لكي يفهم معني السلام فنحن في زمن نحتاج فيه إلي السلام في حياتنا بعضنا مع البعض في وطننا الواحد الكبير وفي بيوتنا.
إن السلام الذي أعطانا الله إياه بميلاده العجيب الفريد هو إشراق لظلمة هذا العالم المظلم ففي ليلة باردة جدا من ليالي الشتاء القارص ووسط مجتمع مظلم ببرودة روحية لزمن طويل ظهر النجم السمائي والملائكة وعم الفرح المسكونة التي تمثلت في صورة الرعاة والمجوس ملوك المشرق البعيد وزكريا الكاهن وإليصابات وسمعان الشيخ والطفل يوحنا السابق والصابغ والسيدة العذراء ويوسف البار كل هؤلاء من نوعيات متعددة من البشر مختلفة الطباع ومتغايرة في السن والثقافة وقد سادهم السلام وتمتعوا به كممثلين للبشرية وامتلأوا من الفرح بمظاهر بسيطة خالية من التكلف والاصطناع والرياء كلها اتضاع.. أي إشراقة سلامية هذه التي أصبغها الميلاد علي العالم حتي إن المجوس عندما رأوا نجمه في المشرق أخذوا يتساءلون أين هو المولود ملك اليهود فقد رأينا نجمه وأتينا لنسجد له.. فبميلاد السيد المسيح فرحت البشرية إذ أنها قد تخلصت من الكابوس الثقيل الذي كان يجثم عليها منذ مخالفة آدم وحواء للرب وفرحت أيضا الملائكة لأنه قد قرب زمان إتمام المصالحة بين السماء والأرض التي لا تستطيع قوة أن تنزع هذا الفرح من قلب الإنسان الذي ولد مع المسيح ولادة جديدة وعاش هذا الميلاد الفريد في حياته الشخصية.
إن الفداء هو السبب الأساسي للتجسد فلقد جاء السيد المسيح إلي العالم ليخلص الخطاة جاء ليفديهم جاء ليموت وليبذل نفسه عنهم جاء لينزع العار عن البشرية وجاء ليفكها من أسر إبليس ليحررها من الموت الأبدي.. لقد نزع المسيح بميلاده عارنا ودفع ثمن خطيتنا علي الصليب وأعاد لقلوبنا البائسة واليائسة الفرح والسلام فصارت حياتنا لها معني وهدف نسعي إليه هو انتصارنا علي ذواتنا وقهر الخطية وصار لنا رجاء أبدي ومفرح هو وجودنا معه في ملكوته كأبناء وورثة لهذا لهذا الملكوت الأبدي.