حرق مقارات أمن الدولة وبعثرت وثائقه وملفاته كان واحد من أهم الأحداث التى سيطرت على أفكار المواطنين خلال الأيام القليلة الماضية، فسقوط قلعة الرعب التى كان مجرد ذكر اسمها يهز الوجدان ويخلع القلوب ويثير الذعر والفزع عند الكثيرين، أمر يستحق تسجيله فى عمل درامى، خاصة أن السينما كانت قد تعاملت بالفعل مع هذا الجهاز الملعون فى عدد من الأفلام وقدمت أنماطا متعددة من شخصياته وأعماله السيئة والمشينة، فكم من القصص التى تكشف عنها هذه الوثائق تصلح لتكون سيناريوهات تحمل مفاجآت تقلب حياة الكثيرين رأسا على عقب فى كل المناحى، أما إذا أردنا أن نلقى نظرة عن الأفلام التى قدمت صورا لهذا الجهاز، فسوف نعود إلى أفلام الزمن الجميل التى ظهرت بعد ثورة يوليو 1952، والتى تعرضت لما كان يعرف بالبوليس السياسى – المسمى الأشهر والأقدم لجهاز أمن الدولة، والذى عرفته مصر عام 1913 باسم القلم المخصوص، واشتهر باسم البوليس السياسى، ثم فى بداية الثورة عرف باسم المباحث العامة وفى عصر السادات مباحث أمن الدولة، وفى عهد مبارك جهاز أمن الدولة – ومن أشهر الأفلام التى تعرضت للبوليس السياسى فيلم ( فى بيتنا رجل ) إخراج بركات، حيث كان البوليس السياسى يطارد الشاب المناضل للاحتلال الإنجليزى عمر الشريف ويقوم بتعذيب من يقع فى براثنه من الشباب الأحرار، وهى صورة تكررت بشكل آخر فى فيلم (القاهرة 30 ) إخراج صلاح أبو سيف فيطارد البوليس السياسى المناضل الاشتراكى على طه عبد العزيز مكيوى، ويحاول قتله ويقوم بسجنه وتعذيبه .
أما فيلم شروق وغروب إخراج كمال الشيخ فقدم نموذجا لشخصية رئيس البوليس السياسى الفنان محمود المليجى، والذى يدارى على نزوات ابنته، سعاد حسنى باستخدام كل الوسائل من قتل وتنكيل وينتصر الفيلم للمناضلين، حيث يقوم زوج ابنته رشدى أباظة، بالتعاون معهم وتصوير مذكراته وطبعها فى كتاب فى ضربة قاصمة لرئيس جهاز الرعب الذى ينتهى بذلك مستقبله السياسى ويتعرض للاعتقال.
وبعد قيام الثورة حدث خلط فى عمل جهاز المباحث العامة واشتهر بأنه المخابرات، والتى كان له العديد من الانحرافات فى عهد الرئيس عبد الناصر، وقد كشفت السينما عنها النقاب فى عهد السادات فى مجموعة من الأفلام عرفت بأفلام الكرنكة نسبة لفيلم الكرنك إخراج على بدرخان، والذى ابتدأ فى فضح هذه الانحرفات والتى كانت تتم تحت حجة حماية الثورة من أعدائها، وكانت التهم تتراوح ما بين الانضمام للإخوان أو الشيوعيين، وفى فيلم ( الكرنك ) قدم كمال الشناوى دور خالد صفوان، وقيل إن المقصود به صلاح نصر رئيس الجهاز الذى يستخدم كل أنواع التعذيب المعنوية والجسدية من شتائم وجلد وصعق بالكهرباء وكلاب متوحشة وحتى الاغتصاب، وتوالت الأفلام التى تقدم صورا من هذه المعاملة المرعبة مثل زوار الفجر، وإحنا بتوع الأتوبيس، والعسكرى الأسود، وغيرها الكثير، وكلها تشير إلى سلطة متجبرة تمتلك كل أدوات القهر والتهم الجاهزة، وأبرياء أوقعهم الحظ العاثر تحت رحمة من لا يرحم، وانبثقت عن هذه الأفلام مجموعة أخرى قدمت نماذج من رجال السلطة الجبابرة، أو ما عرفوا بمراكز القوى الذين يحتلون مناصب أمنية كبرى وغامضة لم يفصح عنها بشكل واضح، مما يعطى للمشاهد إيحاء بأنهم يملكون سلطة بلا حدود، وأن كانت هذه السلطة تنصب فى عمل رئيس جهاز المخابرات الداخلية، ومن هذه الأفلام نجد فيلم ( اثنين على الطريق )، إخراج حسن يوسف والذى قدم فيه النجم عادل أدهم دور رجال السلطة المتجبر والذى يقهر الشخص الذى تعرف على زوجته شمس البارودى، بالصدفة وأحبها فيقوم بالتنكيل به وبأسرته قام بدوره عادل إمام فيقتل والده ويحرض أخته على الدعارة ولا ينقذهم منه غير حادثة طريق قضت على شره الشيطانى، وقدم عادل أدهم نفس الدور تقريبا لشخصية رجل الأمن المتسلط المتجبر فى فيلم (حافية على جسر الذهب ) إخراج عاطف سالم، حيث يرتكب كل شئ فى سبيل نزواته حتى تقتله ضحيته مرفت أمين وتنتحر.
اللعب مع الكبار
وفى الثمانينيات ظهرت مجموعة من الأفلام التى تقدم صورا أخرى لضابط أمن الدولة لعل من أشهرها شخصية ضابط أمن الدولة الإيجابية والشجاعة فى فيلم اللعب مع الكبار إخراج شريف عرفة، وقام بأدائها حسين فهمى وهى شخصية الضابط الذى كان يحقق أحلام المواطن البسيط حسن بهلول عادل إمام فى القبض على المجرمين والفاسدين، وإن كان نفس الفيلم قد تعرض للشخصية التقليدية للضابط الشرس العنيف مصطفى متولى، وصورة ضابط أمن الدولة الجيد ظهرت فى فيلم الإرهاب إخراج نادر جلال، وقام بأدائها الفنان صلاح قابيل، فعلى الرغم من الموقف المسبق الذى يظهر فى أحداث الفيلم من هذا الضابط الذى يطارد إرهابى يدعى البراءة فاروق الفيشاوى بمساعدة صحفية تقع فى حبه، نادية الجندى إلا أن نهاية الفيلم تظهر الحقيقية بأن الضابط شجاع، وكان يطارد الإرهابى على حق للدفاع عن أمن الوطن والمواطن، وقدم صلاح قابيل صورة ضابط الأمن بشكل جيد وظريف أيضا فى فيلم كوميدى هو (بطل من ورق ) إخراج نادر جلال، والذى يستطيع قتل المختل وإنقاذ الرهائن بالقطار.
ثم ظهرت موجة من الأفلام تستغل اسم (أمن الدولة ) فى التسعينيات لجذب المشاهدين من ذلك فيلم أمن دولة إخراج نادر جلال وبطولة نادية الجندى ومحمود حميدة وياسر جلال، وهو لا يختلف كثيرا عن خلطة أفلام نادية الجندى إلا فى المسميات، ويدور حول استخدام المخابرات لسيدة محكوم عليها بالإعدام وذلك لشبهها بزوجة أحد رؤساء العصابات الإرهابية، كما تلتقط الكوميديا أيضا جاذبية اسم أمن الدولة، فنجد فيلم (حسن وعزيزة قضية أمن دولة ) إخراج أسامة فريد وبطولة يسرا وأشرف عبد الباقى، ويدور حول موظف غلبان كان يريد أن يقضى ليلة حمراء فى شقة مشبوهة ولكن حظه العثر يجعله متهم بالإرهاب لأن الشقة كان يستخدمها عدد من الإرهابيين للتخطيط لقتل رئيس دولة يقيم بنفس العمارة .
عمارة يعقوبيان
الغموض والكبرياء والقسوة هى مفردات شخصية ضابط أمن الدولة التى لعبها عباس أبو الحسن فى فيلم عمارة يعقوبيان، إخراج مروان حامد، والذى تعرض بجراءة لبشاعة التعذيب فى جهاز أمن الدولة فى عصر مبارك من جلد وصعق كهربائى وصولا إلى الاعتداء الجنسى الأمر، الذى يحول المعتدى عليه إلى إرهابى لا يرضى إلا بقتل من انتهك كرامته وحطم كبريائه الفيلم. أشار أيضا إلى مراقبة كل المواطنين والتجسس على أحوالهم، ويظهر ذلك عندما يخبر الضابط الشاب المقبوض عليه بأسرار لا يعرفها عن أمه وزيجاتها السابقة، رغم أن هذه الأم مجرد زوجة بواب ولا تحتل أى منصب يجعلها تحت المراقبة.
بشاعة جهاز أمن الدولة وانتهاكه الحرمات، ظهرت أيضا فى فيلم حين ميسرة لخالد يوسف والذى قدم مشاهد جريئة للتعذيب الذى تتعرض له أسرة بأكملها على يد زبانية جهنم بما فيها من سيدات لمجرد الشك أن ابنهم المغترب فى العراق قد انضم للقاعدة .
لقد سقطت سطوة وأسطورة هذا الجهاز الملعون على أرض الواقع فهل يتغير اسمه، وتبقى أدواته أم الأفضل أن يبقى اسمه وتتغير سياسته وأهدافه وطريقة عمل رجاله، وفى انتظار أن تستلهم السينما العديد من القصص الواقعية التى أكيد سوف تزيد رصيد التراجيديا والميلودراما فى السينما المصرية.
==
س.س