سادت في الفترة الأخيرة نغمة متشائمة بشأن ما يحدث للمسيحيين في الشرق الأوسط , وجاءت التحليلات لوضعهم الحالي أو لمستقبلهم تصب في هذا الاتجاه, والجديد هو ربط مستقبلهم معا رغم الاختلافات بين أوضاع المسيحيين من دولة إلي أخري في المنطقة, وجاء بيان تنظيم القاعدة الذي ربط بين المسيحيين في العراق ومصر ليعزز هذا الاتجاه الذي يصورهم ككتلة واحدة تتحرك في اتجاه واحد ناحية المجهول.
زاد من نغمة التشاؤم سلسلة الأعتداءات التي استمرت علي المسيحيين في العراق بعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة, وكذلك استمرار مسلسل الاعتداءات علي الأقباط والذي لم تكن آخرها الاعتداءات التي حدثت في قرية النواهض بقنا يوم 15 نوفمبر وكان من جرائها حرق 20 منزلا يملكها أقباط بالإضافة إلي بعض المحال التجارية والمعدات الزراعية بسبب شائعة عن معاكسة شاب قبطي لفتاة مسلمة, والغريب أن نفس المحافظة شهدت أحداثا مماثلة في نفس الشهر من العام الماضي, بدأت يوم 21 نوفمبر 2009 بسبب شائعة مماثلة عن اعتداء قبطي علي فتاة مسلمة وتسببت في حرق عشرات المنازل والمحلات التجارية للأقباط في فرشوط وانتهت بمذبحة نجع حمادي يوم 7 يناير .2010
نعود إلي المسيحيين في العراق لنطرح السؤال الرئيسي في هذا المقال عمن يقف وراء ما يحدث لهم.
في تقديري أن ما يحدث للمسيحيين في العراق تتقاطع فيه الأسباب العامة الخاصة, كما تتقاطع الاسباب الدينية مع السياسية, والظروف المحلية مع الاقليمية مع الدولية.ويمكن تلخيص أهم هذه الأسباب في الاتي:
أولا:حالة الفوضي العامة التي تجتاح العراق منذ عام 2003
فهناك فوضي علي الحدود مع دول الجوار, وفوضي في التسليح وفي الاسلحة المهربة, وضعف في حالة الانضباط العام, وانقسام طائفي وصل إلي المؤسسات الأمنية ذاتها التي لم يعد يجمعها خيط وطني قوي. وكلما لاح أمل للاستقرار غذت دول الجوار حالة الفوضي ليظل العراق منكسرا منكفئا علي ذاته.
ثانيا: نقص الحماية المتوفرة للمسيحيين في العراق.
وتتحمل الحكومة العراقية وقوات الاحتلال الأمريكي المسئولية الرئيسية عن هذا الخلل في حماية الأقليات الصغيرة في العراق, وهي مكونات أصيلة في المشهد العراقي التاريخي. وقد دفع هذا البعض بأن يفكر بطريقة يائسة مثل دعوة مطران السريان في بريطانيا أثناسيوس داوود للمسيحيين في العراق بالهجرة إلي الخارج,أو هذا النقاش الذي يدور حول خلق منطقة محمية للمسيحيين في محافظة نينوي, وهي كلها خيارات ضررها أكثر من نفعها وستؤدي إلي تعقيد المشهد, وتصب في النهاية في تحقيق غاية المتطرفين والإرهابيين.
ثالثا:الصراع الوهابي الخوميني علي أرض العراق
وهو صراع لم يتسبب في محنة المسيحيين فحسب بل وفي محنة العراق ككل, ولا أبالغ إذا قلت إن الوهابية والخومينية يتقاسمان المسئولية عن الإرهاب الدولي المعاصر برمته.
رابعا:غياب العقاب والتحقيقات النزيهة
وكما هو حادث في مصر من أن غياب العقاب يؤدي إلي تسارع معدل الجريمة يحدث ذلك أيضا في العراق, وفي حين يجد البعض عذرا للحكومة العراقية في ظل عدم الاستقرار السياسي هناك,فأنه لا يوجد عذر للحكومة المصرية وهي تملك من أدوات القوة ومن أجهزة الأمن ما يكفي ويزيد لردع المعتدين وضبط الأمور… ولكنها للأسف لا تفعل ذلك!!
خامسا:التركيز علي حماية الشخصيات السياسية والمصالح الطائفية
فمما يؤسف له في العراق الجديد إعلاء الانتماء الطائفي علي الانتماء الوطني, وامتد ذلك من المحاصصة السياسية شبه الطائفية إلي الحماية الأمنية,ففي الوقت الذي ترسل الحكومة أكثر من ربع مليون فرد أمن لحماية المزارات الشيعية في المناسبات الدينية تتقاعص عن حماية الاقليات الدينية الصغيرة, وفي الوقت الذي يتم فيه التركيز علي الشخصيات السياسية بطريقة شبه مليشياوية يتم أهمال حماية المسالمين العزل من الطوائف الصغيرة.
سادسا:تداخل السياسي بالديني في مسألة المسيحيين
فمثلا الصراع العربي الكردي علي ديالا وكركوك أدي إلي استهداف المسيحيين من الطرفين, ومحاولة استقطاب بعض الشخصيات المسيحية وخاصة من طرف الاكراد والإغداق المالي عليهم ليكونوا مساندين لحقهم في ضم هذه المناطق لكردستان في المستقبل, وهذا الصراع والاستقطاب للأسف كان ضارا باوضاع المسيحيين في تلك المناطق.