ليس مما يرضاه منطق نهضتنا الفكرية أن يقوم اليوم جدل في هل تكون الفلسفة عندنا كما هي عند غيرنا مادة إجبارية من مواد الدراسة الثانوية؟
من ينكر أثر الفلسفة في تكوين العقل؟أن موالاة اتصاله بالحقائق غير المرئية تكسبنا قدرة علي التجريد هي المؤهل الأول للكشف عن الحقيقة أية حقيقة,من العوالم المادية أو المعنوية.الدأب في استقصاء العلة الأولي لكل ظاهرة يعودنا التعمق في البحث,أي بحث,والنظر إلي موضوعه من القمم التي تطل علي أبعد آفاقه.
هذا الدأب ينمي فينا جميع الملكات التي تؤلف عناصر الروح الفلسفية: أي الترفع عن السطحية,والاهتمام برد الظواهر المختلفة إلي أصول واحدة.هذا الدأب يلهب الخيال كما يلهب الحس,فكيف لا يؤمن العلم ويؤمن الفن بأولوية الفلسفة؟
ومن ينكر أثر الفلسفة في تكوين الخلق؟ قالوا: ”نعيش أولا ونتفلسف ثانيا”ولكن كثيرا ما نستغني عن التفكير بمعذرة أننا نعيش.أو لا يهم أن يقولوا: ”نتفلسف أولا ونعيش ثانيا” لأننا لا نستطيع أن نعيش كما يجب أن نعيش كما يجب أن نعيش إلا إذا استطعنا أن نحسن التفكير.
ومن ينكر أثر الفلسفة في حياة الجماعة؟العادات مرآة الأفكار وإذا صدق هذا الحكم عن الأفراد كان أصدق عن الجماعات.فإن الأفراد قد يعيشون علي غير ما يفكرون,أما الجماعات فهي تنقاد لسلطان أفكارها إلي أبعد الغايات.
قالوا,وبئس ما قالوا: ”هي أحلام حفنة من المفكرين ما ابعدها عن عقول الجماهير!”صحيح أن الفكرة في صورتها المجردة لا تنشر العدوي.
الشعر والفن والقصص والمسرح يستنزلها من سمائها إلي ضمائر العامة حيث تثمر ثمارها المغذية أو ثمارها السامة.هل الأحداث العظام إلا أفكارا عاملة؟.
الفلسفة مشعل التاريخ.فلسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو هي تفسير التاريخ الإغريقي في القرنين الخامس والسادس قبل المسيح.
كما أن فلسفة أبيقور هي لما أعقبها من عهد الفساد أصدق تفسير.
تاريخ القرن الثالث عشر في أوربا هو تاريخ الفلسفة المدرسية.تاريخ القرن السابع عشر هو تاريخ الروحانية المسيحية التي شعت من عقائد ديكارت وبوسويه ولبنتز.أن لم نلم بفلسفة القرن الثامن عشر فكيف نفهم الثورة الفرنسية,وأن جهلنا ماركس وإنجلز فكيف نعلم شيئا عن مجري الشيوعية
تاريخ العام هو تاريخ أفكاره
جريدة وطني
24 أبريل 1960