شبرا…الحي الذي يتكدس بالناس,والذي يعتبر الآن من أكبر أحياء القاهرة…لم يكن مثل باقي أحياء القاهرة, فطبيعته القديمة كانت جزيرة في الماء,والتي أطلق عليهاجزيرة الفيل…والآن مر قرنان(200سنة) علي حي شبرا,اهتمتوطني برصد المئوية الثانية لهذا الحي الكبير وللأسف مرت المناسبة باردة مثل خيل الحكومة تضرب بالنار عندما يصيبها العجز لهذا الحي الكبير مثل مئوية حي مصر الجديدة.
طرحت وطني هذا التساؤل…لماذا نتنكر لتاريخنا وذكريات أجدادنا؟تعالي معنا نبكي علي أطلالنا.
في البداية قال جمال الغيطاني رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب إن شبرا كانت في الماضي منطقة ريفية وكانت تعتبر من أكبر متنزهات القاهرة,إلي أن أتي محمد علي وأنشأ فيها قصره,وكانت أشبه بالقناطر الخيرية في الستينيات,وفي القرن19بدأت تكثر المساكن بها حتي أصبحت قلب القاهرة.
أشار الغيطاني إلي أن شبرا أصبحت بها منطقة صناعية عشوائية وهي شبرا الخيمة,والتي تعد مدخلا سيئا جدا للقاهرة,حتي أصبحت شبرا تعبر عن مدي إثبات إن كان المكان شاهدا علي التدهور أم التطور من القديم إلي الحديث.
أما فيما يتعلق بتجاهل الجهات المعنية بعمل احتفالية ثانية لمئوية شبرا فهذا أصبح سمة عن تجاهل مثل هذه الاحتفالات,وهذا التجاهل لا يشمل الاحتفال بشبرا فقط,وإنما تقدمت بمشروع عن نجيب محفوظ وتراثه الأدبي وإلي الآن لم ينظر فيه, فشبرا لابد من الاهتمام بها أكثر مما نحن عليه الآن لأنها مكان كثيف جدا ولا يقتصر علي فئة معينة ولا طائفة معينة, فهو حي يجمع جميع طوائف الشعب المصري بداخله ولا يشبهالجيتو و(هو مكان مغلق يعيش فيه اليهود في أوربا لحماية أنفسهم).
المسميات المختلفة لشبرا
قال عباس الطرابيلي رئيس تحرير جريدة الوفد الأسبق إن شبرا كان يطلق عليها اسمجزيرة الفيلقديما فقد ظهرت تلك الجزيرة في أواخر الدولة الفاطمية عام1282م,والتي نشأت بسبب ما طرحه النيل من أرض, كونها الطمي الذي يأتي به النيل مع مياه الفيضان كل عام وغيرها من الجزر,وهناك أيضاجزيرة اللوقالتي هي الآن أرض باب اللوق وشارع قصر العيني.
وعن سبب تسميتهاجزيرة الفيلقال الطرابيلي:لأنها علي شكل مركب يشبه الفيل الغارق في النيل,ثم تراكمت عليه الرمال والأعشاب وظلت تتكاثر إلي أن أصبحت جزيرة يحيط بها الماء من جميع الجهات,ثم اتصلت بالأرض بعد ذلك,وكان اسمها الأصليشبروومعناها الأرض,وهناك أصل آخر لاسم شبرا وهو جبرووالذي يعني بالقبطي(الكوم أو التل),وقد يكون هذا سبب تمركز الأقباط المسيحيين في شبرا.
وأشار الطرابيلي إلي أن هناك حكاية ثالثة حول أصل اسم شبرا والذي يعود إلي مدينة الفسطاط,حيث كان يقال إنه جنوب الفسطاط كانت هناك ضيعة يعمل بها شراب العسل,والذي كان مشهورا وقتئذ,خاصة لقرب تلك الضيعة من منطقة بنها, والتي كان يجود فيها العسل حتي افترن باسمها وأصبحت بنها العسل ومرت شبرا بعدة أسماء منها شبرة, سبرة حتي أصبحت مع مرور الزمنشبرا.
أما عن أصل كلمة شبرا الخميةقال الطرابيلي:يعود هذا الاسم لعدة روايات كان أولها شبرا منهورلمجاورتها لقرية تسميدمنهوروالتي كانت تشتهر بسوق الثلاثاء,والذي يباع فيه الخيام,ومنها أصبحت شبرا الخيمة,ورواية أخري تقول إن اسمها كانشبرا المكاسةلأنه كان يوجد بهاخيمة المكسأي خيمة لتحصل الضرائب أي كانت مركزا لتحصيل الضرائب, أو المكوس,حتي أصبحت مع مرور الزمنشبرا الخيمة. ورواية ثالثة فغالبا هي الأقرب إلي الحقيقة حيث كان يطلق عليهاشبرا الشهيدلوجود صندوق خشبي بداخله أصبع الشهيد وهو من شهداء العصور القبطية وهو القديسيحنس, ففي اليوم الثامن من شهر بشنس (من الشهور القبطية)يخرجون هذا الأصبع ويغسلونه في التيل لزعمهم أن النيل لا يزيد في كل عام إلا بهذه الطريقة,فسميت في البداية شبرا الشهيدثم شبرا الخيامثمشبرا الخيمة,لأن المحتفلين في ذلك اليوم كانوا ينصبون خيام حول المكان.
أما عن محمد علي وبداية نشأة شبرا في1809 أشار الطرابيلي إلي أنه لولا محمد علي ما كانت شبرا,واختار محمد علي باشا الكبير موقعا في منطقة كانت تسميفم ترعة الإسماعيليةوالتي أصبحت الآن شبرا الخيمة في منطقة مساحتها50فدانا,استولي عليها محمد علي من الفلاحين,وبني قصره,ولكن سقط السقف وأعيد بنائه في مايو1809,وأنشئ بجوار حدائق القصر عددا من السواقي,لتوفير المياه للقصر والحدائق,ولكنها تهدمت بفعل الفيضانات عام1816م,ثم تحولت الـ 50فدانا حول القصر إلي مزرعة وحدائق وبساتين,وفي أواخر عصر محمد علي باشا عام1847 أمر بتمهيد الطريق بين وسط القاهرة وقصره بشبرا,وحتي تلك اللحظة كانت شبرا مجرد ضاحية حتي تم ربطها بالقاهرة.
قصر محمد علي باشا بشبرا
وحول تفاصيل تلك التحفة المعمارية قصر(شبرا)من الداخل حدثنا محمد سالم عز الدين أستاذ الهندسة والإنشاءات المعمارية بجامعة القاهرة وأحد المشرفين علي ترميم قصر محمد علي باشا قائلا:هناك رواية تزعم أن القصر بني علي عدة مراحل,واستغرق 11 عاما منذ عام1809,أما من الداخل فهو عبارة عن مساحة مستطيلة,ويتكون من طابق واحد,ويتكون من4 أبواب محورية,0 ويشغل كل ركن في هذا الطابق حجرة تبرز من الواجهة كأنها برج,ويتوسط هذا البناء حوض تتوسطه نافورة تنخفض قليلا عن أرضية البناء,وكان المعمار علي الطراز التركي علي غرار قصور تركيا, والتي لم تكن قد عرفت من قبل في مصر,لذلك يعتبر قصر محمد علي بشبرا هو أول قصر من نوعه في مصر.
ومن جانبه أشار الدكتور رضوان المحمدي أستاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة الزقازيق إلي أنه بعد وفاة محمد علي باشا عام1849 آلت هذه السراي وحدائقها (قصر محمد علي بشبرا) إلي ابنه عبد الحليم باشا,والذي كان له الفضل في تمهيد مدخل القاهرة الزراعي, وهو المدخل المؤدي إلي محافظتي القليوبية والمنوفية وغيرهما, وبأمر من الخديوي إسماعيل موجه إلي محافظ مصر وقتها بإهداء قصر النزهةالمطل علي شارع شبرا إلي ابن عمه طوسون باشا نجل سعيد باشا والي مصر السابق,والذي تحول بعد ذلك هذا القصر إلي المدرسة التوفيقية الثانوية الآن,وكان هذا القرار عام 1858,ويرجع تسمية تلك المنطقة بـطوسونإلي طوسون باشا الذي كان يسكن قصر النزهة,وهذا هو أصل الاسم,وليس كما يشاع البعض أن التسمية ترجع إلي قصر طوسون باشاوالذي أصبح الآن المدرسة بشرا الثانوية والموجودة حاليا في شارع طوسون بشبرا.
وأشار أيضا الدكتور رضوان إلي شهرة شارع طوسون والذي يرجح أن محمد علي باشا أنشأ فيه أول مصنع لتبيض المنسوجات في شبرا,وكان مكانه ملاحقا لقصر الأمير عمر طوسون,ولايزال مكانه حتي الآن يعرف باسمالمبيضةبمنطقة روض الفرج, وهناك كذلكقصر شوكلانيالذي يمتلئ بالتماثيل النادرة,والذي تحول الآن إليمدرسة الاستقلالوقصر إينجة هانمأرملة محمد سعيد باشا والي مصر.
وعن تطوير شبرا حدثنا المهندس سامي زيدان العالي مهندس بهيئة التخطيط العمراني التابعة لمحافظة القاهرة قائلا:زاد العمران وزادت الكثافة السكانية في شبرا,من أعالي القوم وأثريائهم,وكبار موظفي الدولة,وساعد علي ذلك ربط شبرا بوسط القاهرة,حيث كان أول ترام يربط بين منطقة العتبة الخضراء وشبرا عام1903,حتي أصبح في عام1912 بالقاهرة حوالي20خط ترام,كان منها لشبرا 4خطوط,وكذلك في العام نفسه 4 خطوط أتوبيس,ثم توسعت شبرا,وتم شق العديد من الشوارع كان من أهمها شارع أحمد بدوي, شارع جزيرة بدران, شارع شيكولاني بجوار قصره, وشارع بلبغا في مكانه الحالي بجوار مسجد الخازندارة, وشارع الترعة البولاقية والذي ينتهي بالتقاطع مع شارع شبرا.
أما عن علاقة حي شبرا بثورة يوليو1952 قال زيدان:مع بداية الثورة اختفت العديد من تلك الأسماء حتي أنها غيرت أسماء القصور,وحولتها إلي مدارس,وبعد أن كانت مقرا لقواد الثورة, وتعرضت تلك القصور للنهب والسرقة,وتم فتح العديد من القصور الملكية أمام الشعب,والبعض الآخر تم استغلاله لأماكن ومصالح حكومية.
وقد تعرض قصر شبرا لبعض تلك الجرائم التاريخية, حيث تم استقطاع جزء منه لصالح كلية الزراعة جامعة عين شمس,واستمر لمدة30 عاما,إلي أن تنبهت الدولة وسلمته لوزارة الثقافة للترميم والإنقاذ,في محاولة منها لإعادة ما كان عليه وقت محمد علي باشا الكبير,بالإضافة إلي رغبة الثورة في ردم الترعة البولاقية وتحويلها إلي شارع بدلا من الترعة, كنوع من التطوير والتوسع في شارع شبرا,ونقل الترام إلي وسط الطريق وحصره بين جانبي الطريق.
وكان بضاحية شبرا الخيمة ضاحية صناعية حيث كان بها العديد من المصانع,مثل مصانع الزجاج,ومصانع الغزل والنسيج ومصانع الكاوتشوك,ومصانع البطاريات السائلة,ومصانع السماد العضوي ومصنع الورق,ومصانع البلاستيك,وغيرها كما اشتهرت روض الفرج بأشهر سوق للغلال والحبوب.
أضاف زيدان أثناء حديثه قائلا إن ما ينقص حي شبرا هو عدم وجود هيئات ثقافية, كتلك التي تمركزت في وسط القاهرة, ولكن لا يوجد ما يبقي علي ما هو عليه,فأين منتزهات وقصور وحدائق وبساتين حي شبرا؟!.
قال الدكتور حمدي أبو جليل أستاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة عين شمس إن حي شبرا والذي يعتبر الآن من أكثر أحياء القاهرة الكبري ازدحاما, خاصة من أبناء الطبقة الوسطي والتي ترجع أصولها في الغالب إلي طبقة المتعلمين أو الأفندية,كما أن وقت محمد علي باشا تحول من قرية مهملة إلي رئه القاهرة الخضراء, ولكن اليوم عاد الحال إلي أسوأ ما كان عليه فأصبح رئه سوداء تلوثها عوادم السيارات.
قصور الشوام
قال هشام عبد الجواد عضو مجلس محلي ورئيس لجنة الإسكان بمنطقة روض الفرج إن قصور الشوام هي إحدي شياخات المنطقة,ويوجد القليل من المباني التي يتميز بنائها بالطراز القديم, مثل القصر الذي به مدرسة سانت هيلانة بشارع جزيرة بدران, وبعض العقارات التي تعد علي الأصابع كحي راق وجديد في ذلك الوقت, ومعظم هذه العقارات تم هدمها فالقصر القديم لإينجة هانم تحول إلي مدرسة سنة1903 ثم تم هدمه,وكذلك قصر زينب هانم بنت محمد علي باشا والغير معروف مكانه تحديدا,وغيرها من القصور والمباني القديمة التي صدر لها قرارات إزالة وجار تنفيذ قرارات أخري حالية.
قصر النزهة
قال محمود أنور مدير مدرسة التوفيقية الثانوية بنين إن ما تبقي من قصر النزهة والتي تحول إلي هذه المدرسة هو جرس المدرسة وبعض التحف والآثاث فقط,ثم صدر أمر توفيق باشا بالموافقة علي إنشاء المدرسة بأقسامها الثلاثة: العالي والثانوي والابتدائي في دار أعدت لها بدرب الجنينة بالقاهرة,وكذلك في أبريل عام1881, ثم أقر الخديوي توفيق باشا بوضع المدرسة في مكان يليق بكرامة العلم,إحدي مظاهر الدولة الثلاث,وكان هذا المكان هو قصر النزهة في طريق شبرا عام1886.
أشار إبراهيم خليل إبراهيم مدرس بمدرسة التوفيقية إلي أنه من ضمن من تخرج في هذه المدرسة من المشهورين ثلاثة رؤساء وزارات: عبد الخالق ثروت,وعبد الفتاح يحيي,ومحمد محمود,ومن أبرز خريجها الفريق يوسف صبري أبو طالب وزير الدفاع الأسبق, والشاعر إبراهيم ناجي,أحمد زكي أبو شادي,والدكتور نجيب محفوظ,الدكتور صبحي عبد الحكيم رئيس مجلس الشوري الأسبق, والكاتب الكبير أحمد بهجت.
قصر شيكولاني باشا
قال سيد عبد السلام وكيل شئون العاملين بمدرسة الاستقلال الإعدادية بنات: عملت بالمدرسة منذ عام1978, والتي كانت قصر شيكولاني باشا المكون من طابقين,وكان ملكا لعمر طوسون باشا,واستأجرت وزارة المعارف القصر كمدرسة,ويجري هناك حاليا منازعات قضائية بين الورثة ووزارة التربية والتعليم لاسترداد القصر.
وقالت مني نسيم ناظرة المدرسة إن المبني كان تابعا لهيئة الآثار منذ وقت ليس قريب حتي تركته لتنازع أصحاب الملك علي القصر مع هيئة الأبنية,وأن أهم ما يميز القصر أنه صمم علي شكل علامة الصليب في حجراته المفتوحة علي بعضها البعض, وفي أشكال البلاط الرخامي بالمدخل,والذي يجسد هذه العلامة والتماثيل الموجودة بمدخله وهي تماثيل لأسدين علي مدخل البوابة.
قصر عمر طوسون باشا
قال عبد الفتاح مدير مدرسة شبرا الثانوية بنين (قصر عمر طوسون سابقا) إن الأمير عمر طوسون باشا ورث هذا القصر عن والده وبناه عام1886, ويقع القصر بشارع أرض الأمير عمر طوسون بشبرا ثم تحول إلي مدرسة شبرا الثانوية بنين بعد أن استلمته وزارة الثقافة, ويتم بناء مبني للمدرسة في أرض حديقة القصر.
مسجد الخازندارة
قال محمد عبد اللطيف أستاذ الآثار بجامعة القاهرة والمدير السابق للجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلي للآثار إنه تم تسجيل المسجد بالمجلس الأعلي للآثار مؤخرا بعد إشرافه علي هذه المهمة بنفسه من خلال حصر الأماكن الأثرية في هذه المنطقة, ومن ضمن معايير دخوله كمبني أثري تاريخ إنشائه حيث إنه تم بناء مسجد الخازندارة في عهد الملك فؤاد الأول سنة1346 هجرية,وشيدته الأميرة خديجة هانم ابنة محمد راغب آغا,وأنشأ الخازندارة علي مساحة600 متر مكعب.وتم عمل مذكرة تفتيش قطاع الآثار غرب القاهرة وتم رفعها للمجلس الأعلي للآثار, ودخل المسجد ضمن المباني الأثرية,وأهم ما يميز المسجد من الداخل أنه مقام علي 16عمودا رخاميا منحوتا ذات قواعد وتيجان تم استجلابها من إيطاليا.والآن تتم المطالبة بالاهتمام بالمسجد وسرعة دخوله في خطط الترميم للحفاظ علي قيمته التاريخية والفنية.
ذكريات..
ذكر بعض قاطني حي شبرا منذ أكثر من60عاما:اختلفت شبرا عن الآن زمان من حيث اختلاف التركيبة السكانية ومن حيث الاتساع,وزيادة رقعة العمران, وكان أكثر ما يميز شبرا قديما الترام الذي كان يبدأ من دوران روض الفرج,وكان خط 30 المخصص لذلك,وخط21 المخصص للمظلات ويصل العتبة بالإضافة لمظاهر الاحتفالات التي تمارس في الكثير من أحياء شبرا المرتبطة بالمناسبات الدينية, مثل تعليق صورة السيدة العذراء والصلبان وصور القديسين المزينة بالمصابيح.
تلك هي حكاية حي شبرا الذي مر عليه مائتان عام.