غرس التاريخ جذورا روحانية في أعماقه تحمل بين فروعها أمورا تفوق الوصف في الروحانية والجهاد, ودعني عزيزي القارئ أن أذهب معك إلي واحة الحب والعطاء والبساطة إلي كوكب استمد نوره من الله ولاح به في أفق الكنيسة القبطية معلما ومرشدا وأبا واستقر بعطائه في إيبارشية الفيوم فصارت تعاليمه نهجا حيا أحبه كل معطاء للكنيسة وللوطن.
ولد بولس غبريال في قرية دلجا التابعة الآن لمركز ديروط إداريا وإيبارشية دير مواس كنسيا في عام 1545 للشهداء 1829 للميلاد وتعلم وحفظ المزامير والكتاب المقدس علي يد المعلم روفائيل في (كتاب) الكنيسة ورسم شماسا في الخامسة عشر من عمره عام 1844م علي يد نيافة الأنبا يوساب أسقف صنبو ثم ذهب إلي دير السيدة العذراء (المحرق) وسيم راهبا عام 1838م علي يد القمص عبدالملاك الهوري رئيس الدير بعد أن أمضي عاما في الاختبار ثم عرفه نيافة الأنبا ياكوبوس مطران المنيا وطلبه من رئيس الدير ليكون وكيلا لمطرانية المنيا عام 1859م وهناك رسم قسا بيد نيافة الأنبا ياكوبوس مطران المنيا وبعد ثلاث سنوات رجع إلي ديره بناء علي رغبته, وفي عام 1866م تقدم آباء دير السيدة العذراء (المحرق) إلي قداسة البابا ديمتريوس الثاني البابا 111 في تعداد بطاركة الكنيسة بتزكية القس بولس الدلجاوي ليكون رئيسا لدير المحرق ورسمه قداسة البابا قمصا ورئيسا للدير واهتم القمص بولس الدلجاوي بالدير روحيا وزاد عدد الرهبان وجذب عددا كبيرا من الزوار والشباب إلي الدير واهتم بالمكتبة الخاصة بالدير والمخطوطات الموجودة بها وعلي يديه زادت الأرض الزراعية الخاصة بالدير كما اهتم بترميم المباني وإقامة سور للدير محافظا علي أملاك الدير ومع كل هذه الاهتمامات لم ينس الاهتمام بالاحتياجات الخاصة بالفقراء والمحتاجين مما جعل عدو الخير يحاربه فترك رئاسة الدير في عام 1870م وذهب إلي البطريركية ومنها إلي دير الأنبا بيشوي ثم إلي دير البراموس ومعه بعض من تلاميذه (القمص أقلاديوس الميري والقمص سليان الدلجاوي والقمص ميخائيل المصري والقمص أقلاديوس الخالدي وقضوا بالدير حوالي 11عاما حتي عام 1881م وفي نفس هذا العام تمت رسامة القمص أقلاديوس الميري مطرانا لإثيوبيا باسم الأنبا بطرس ورسامة القمص أقلاديوس الخالدي أسقفا باسم الأنبا متاؤوس والقمص ميخائيل المصري أسقفا علي كرسي صنبو باسم الأنبا أثناسيوس وبتدبير إلهي قام هؤلاء الآباء الأساقفة ومعهم القمص عبدالمسيح المسعودي بتزكية القمص بولس الدلجاوي ليكون أسقفا للفيوم بعد أن كانت تابعة لإيبارشية بني سويف لمدة 100عام تقريبا وتمت رسامة القمص بولس الدلجاوي باسم الأنبا إبرآم أسقفا علي الفيوم والجيزة في شهر أبيب عام 1597ش الموافق 1881م.
+ تاريخ مجيد وثمار المستقبل
اهتم القديس الأنبا إبرآم أسقف الفيوم والجيزة ببناء الكنائس والأديرة وترميم القديم منها ورسامة آباء كهنة للخدمة وازدهرت الخدمة في إيبارشية الفيوم والجيزة وكانت سببا للبركة والخير في الإيبارشية لرعايته واهتمامه بالافتقاد والرعاية وخدمة البسطاء الذين ليس لهم أحد ليخدمهم, كان مشاركا الجميع في أفراحهم وأحزانهم بروح الأبوة كما اهتم نيافته بالجمعيات الخيرية وأقام عددا كبيرا منها إيمانا منه بالعمل الاجتماعي ودوره في التواصل بين الأجيال وكأنه يتنبأ لما كان سيحدث في هذه الأيام من اهتمام الدولة بالجمعيات الخيرية والأهلية ودورها في التنمية والعمل الاجتماعي ومن خلال الفكر الثقافي والاجتماعي أنشأ مدارس خاصة لنشر العلم والثقافة بين أبناء الوطن وكان اهتمامه بالعملية التعلمية كأب ومعلم يسقي اللبن عديم الغش ليقدم جيلا مثقفا روحيا وعلميا.
والجدير بالذكر أن القديس الأنبا إبرآم أسقف الفيوم والجيزة كانت له علاقة قوية مع كبار رجال الدولة وأقطابها وفي عهده تقرر السماح للمسيحيين بحضور الصلاة في يوم الأحد حتي الساعة العاشرة صباحا وكان هذا ما هو إلا تعبيرا عن مكانة القديس بين الشعب والحكومة التي كانت تضعه دائما في مكانة خاصة جعلته أن يكون ضمن الذين استقبلوا الخديوي توفيق عند زيارته للفيوم.
وفي عهد قداسة البابا كيرلس الخامس وفي غروب يوم الثلاثاء 2 بؤونة عام 1630ش الموافق 9 يونية عام 1914م تنيح القديس الأنبا إبرآم بعد جهاد طويل وخدمة روحية مثمرة واحتفل بتشييع جثمانه الطاهر في يوم 10 يونية عام 1914م حضر هذا الاحتفال جمع غفير من رجال الكنيسة والدولة وطوائف الشعب مسيحيين ومسلمين من كل مكان.
إنها جذور لتاريخ مملوء بالقداسة والوطنية امتدت علي أرض الفيوم حتي ظهرت ثماره وفاح عطره في زمن الحب الذي قال عنه حزقيال النبي فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب حز16: 8 وفي تواصل يربط بين القديم والحديث وفي عهد قداسة البابا شنودة الثالث اختارت العناية الإلهية واحدا من أبناء القديس الأنبا إبرآم ومحبيه ليكون خلفا ومكملا لمسيرة الجهاد في الكنيسة المجاهدة علي خطوات القديس الأنبا إبرآم أسقف الفيوم والجيزة وهو القمص تيموثاوس الأنبا بيشوي الذي سيم في 2 يونية عام 1985 باسم نيافة الأنبا إبرآم أسقف الفيوم ومنذ توليه مسئولية الخدمة أخذ علي عاتقه إكمال مسيرة القديس الأنبا إبرآم في بناء الكنائس وتعمير الأديرة أهمها دير الملاك غبريال الشهير (بأبوخشبة) الذي أصبح في عهده ديرا رهبانيا معترفا به من المجمع المقدس وتحت رياسة نيافته وأثمرت الخدمة فيه حتي خرج منه آباء يخدمون في بلاد كثيرة علي مستوي العالم وفي أحد العنصرة الماضي اختار قداسة البابا شنودة الثالث القمص صليب النقلوني ليكون أول أسقف نقلوني في عهد نيافة الأنبا إبرآم يخرج من دير الملاك كما اهتم نيافته بدير القديس أبي سيفين والأنبا إبرآم بالعزب الذي أصبح مجمعا خدميا ينبهر به الزائر ويتباهي به كل أبناء إيبارشية الفيوم كما رسم عددا كبيرا من الرهبان والكهنة واهتم بالخدمة الروحية في الإيبارشية وتحويل الاحتفال بنياحة القديس الأنبا إبرآم إلي نهضة روحية بإقامة القداسات الصباحية والعظات المسائية التي يلقيها آباء مطارنة وأساقفة من كل أنحاء الكرازة وفي مجال التعليم اهتم نيافته بالمدارس الخاصة وأضاف مدرسة الأنبا إبرآم للغات لتكون زهرة علمية متميزة علي أعلي تقنية علمية تم بناؤها, حازت إعجاب كل الزائرين لها, وأما من جهة العلاقات الوطنية فأصبغ نيافة الأنبا إبرآم عليها طابع الحب والمودة فاستقبل خلال حبريته العديد من كبار رجال الدولة بالدير منهم فضيلة الشيخ سيد طنطاوي والدكتور عمر هاشم وغيرهما.. ومن جانب آخر يستعد الآن نيافته لإعداد موسوعة عن تاريخ وحضارة الفيوم يشارك فيها نخبة من كبار العلماء والمتخصصين حقا إنها جذور أثمرت في القرن الحادي والعشرين لإيبارشية ارتوت بصلوات شهداء قديسين وارتفعت منارتها عالية شامخة أمام كل قوات التحدي لتعبر بالإنسان إلي بر الأمان فعاشت مصر وعاشت فيومنا قوية مزدهرة بقيادتها الكنسية والوطنية.
المصادر: الكتاب المقدس – سنكسار الكنيسة القبطية – تاريخ الكنيسة – سيرة القديس الأنبا إبرآم – الفيوم بين الحاضر والمستقبل رسالة دكتوراه لنيافة الأنبا إبرآم – مقال سابق للكاتب