أهم متعة يوفرها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي, هي مشاهدة أفلام تحمل ثقافات وخبرات حياتية من مختلف دول العالم, لتصبح حوار حضارات سينمائي يناقش أركان وأدوات وابتكارات الفن السابع من زوايا متنوعة. وإن كانت متابعة هذا الشلال الفني – نحو 150 فيلما – أمر شبه مستحيل ولكن سوف نحاول أن نلقي الضوء علي نذر يسير من هذه الأفلام.
ولنبدأ بفيلم الافتتاح نيويورك.. الذي لم يزد عدد مشاهديه عن أصابع اليد الواحدة؟! وهو فيلم هندي من إخراج كبير خان, ويناقش بحرفية عالية تجاوز بعض رجال المخابرات الأمريكية في التحقيقات مع المشبوهين في أحداث 11 سبتمبر.. هذه التجاوزات التي تولد حالة من الكراهية والرغبة في الانتقام لدي سمير الذي يكون مجموعة إرهابية فور خروجه من السجن ولا يعرف رجال المخابرات الهدف الذي يريد تدميره, فيلفقون تهمة لصديقه عمر, الذي كان قد ابتعد عنه بعدما تزوج من الفتاة التي اشتركا في حبها – ويطلبون منه التجسس علي سمير وبعد رفض طويل يوافق ليكتشف أن صديقه بالفعل إرهابي ويخطط لنسف مقر المخابرات الأمريكية ولا يتراجع عن ذلك علي الرغم من اكتشافه وجود زوجته بالمبني, فتقوم الشرطة بقتله هو وزوجته. ويقوم عمر بتربية ابنهما. وعندما يطلب ضابط المخابرات من عمر أن يكونا أصدقاء يرفض قائلا بسببك مات أصدقائي وهنا يكشف له الضابط كونه مسلما مثله ومن جنوب شرق آسيا وإن ما حدث كان لحماية مستقبل هذا الطفل الذي تحتضنه أمريكا في إطار منظومة الحريات التي رسختها الحياة فيها.
رحلة إلي الجزائر
أما فيلم رحلة إلي الجزائر من تأليف وإخراج عبدالكريم بهلول. ويدور حول شجاعة أرملة استشهد زوجها في الحرب وترك لها 6 أطفال وتتعرض لضغط من مسئول كبير بقريتها سعيدة يريد طردها من منزلها والاستيلاء عليه, ولكنها امرأة غير عادية فقررت اللجوء إلي رئيس الجمهورية بن بيلا, وسافرت لكي تقابله وينتهي الأمر بمقابلة وزير الدفاع لتسأله هل حصلنا علي الاستقلال لكي يصبح الفساد بديلا للمحتمل؟. استشهد زوجي وأطفالي سوف يظلون يتامي للأبد وعملاء المستعمرين ينعمون بكل ما ضحي به الشهداء وأري أن هذه الأسئلة والتي تكررت بأشكال مختلفة تخرج الفيلم من الإطار المحلي الضيق إلي رحابة بلاد أخري وإن كنت أختلف مع النهاية المثالية التي قدمها الفيلم من حل المشكلة بعودة الحق ورد الظلم إلا أن هذه الأسئلة الجريئة لا تفارق المشاهد بفضل حرارة وصدق أداء الممثلة الجزائرية صوفيا منصور.
هليوبوليس
ما الذي تغير في مصر الجديدة؟ ما الذي تغير في المصريين؟ التقاطع بين المكان والإنسان والمشاعر الواقعة تحت ظل الزمن.. هذه الأفكار هي محور أحداث فيلم هليوبوليس من إخراج وتأليف أحمد عبدالله السيد. وهو فيلم متميز ينتمي إلي السينما المستقلة تدور أحداثه في يوم واحد من حياة عدد من سكان القاهرة والذين يجسدون صورة من الأحلام التي لا تتحقق.. فهناك من تحلم بشراء ثلاجة في فترة التخفيضات ولكن مصاريف النقل سوف تضيع التوفير, وهناك من يجري بحثا عن الأقليات, خاصة اليهودية التي مازالت تعيش في مصر.. ولكنها تتحدث كثيرا فيتم التأجيل.. وهناك عسكري الأمن المركزي المسكين الذي يمر الوقت عليه ثقيل كالجبل, وهناك من يريد أن يبيع شقته للهجرة, وأخري تحلم بالهجرة إلي فرنسا.. أحلام بسيطة أو معقدة لا تتحقق.. طراز المباني بمصر الجديدة مازال قائما ولكن الأنشطة تغيرت والزحام خانق, والمصريون أيضا تغيروا هناك شيئا ما تبلد وهناك حب لا يعبر عنه. إن صمت المشاهد بالفيلم جاءت أقوي بكثير من الحوار.
أربع نساء
الفيلم الهندي أربع نساء للمخرج إدور جوبالاكريشنان – رئيس لجنة التحكيم لمسابقة الأفلام الدولية – يدور حول أربع قصص تناقش سيطرة الفكر الذكوري علي حياة المرأة ويمكن أن نسمي هذا الفيلم احكي يا شهرزاد بالهندي فالأمر لا يختلف كثيرا من ناحية المضمون والمعاناة والقسوة. وذلك من خلال طرح قصص منفصلة متصلة تدور حول الساقطة والتي لا تستطيع أن تهرب من حياته وتتزوج رجل تحبه, وزوجة العاجز جنسيا التي تحلم بالأطفال طوال الوقت ويرفض زوجها الذهاب إلي طبيب, وربة المنزل التي تقضي حياتها في أعمال التنظيف والطهي والعانس التي اختارت أن تحيا بلا مساندة رجل.
وفي الندوة التي أعقبت عرض الفيلم قال المخرج إن القصص جاءت واقعية مأخوذة عن مجموعة قصصية تضم 400 قصة حول النساء في الهند, وأشاد الحضور بهذا النوع من السينما الهندية التي تبتعد عن الصورة الذهنية التي تعرف الفيلم الهندي بالمبالغات الصوتية كثرة الأغاني والصدف الدرامية الإعجازية والنهايات العجيبة.. وأكد المخرج أنه يقدم سينما للتأمل ويتعمد ألا يحوي أي فيلم من أفلامه غناء أو رقصات.
الليل الطويل
الفيلم السوري الليل الطويل للمخرج حاتم علي يتناول البعد الإنساني لقضية السجن السياسي من خلال مجموعة من أربعة أشخاص قبعوا لسنوات طويلة في زنزانة واحدة ويتم إطلاق سراح ثلاثة منهم في ليلة متوترة.. يكشف الفيلم عن التغيرات التي حدثت في عائلتهم بعد 20 عاما من الغياب حيث انتهي عصر الشعارات. وحدثت تحولات كبيرة وخاصة مع الأسرة التي اعتادت علي العيش دون أب الفيلم مشحون بالدلالات والتأملات حول معني السجن في نفس المسجون والسجن في نفس أسرته.
حرارة ديسمبر
حرارة ديسمبر.. فيلم من استونيا قدم علي مدار ساعتين حالة من التشويق والإثارة لمحاولة منظمة للعمال المتمردين للاستيلاء علي المدينة وكيف تصدي لهم عدد من رجال الشرطة وأجهضوا محاولاتهم ومن أقوي مشاهد الفيلم قيام طفل بقتل متمرد سبق له أن قتل والده أمام عينيه.. الطفل أصاب المتمرد برصاصة واحدة أعجزته عن الحركة فشعر هذا المتمرد المتغطرس بالإهانة الكبيرة فانتحر.
أمريكا
أمريكا.. فيلم فلسطيني – أمريكي مشترك يدور حول مني الأرملة التي تعيش وحيدة في الضفة الغربية مع ابنها المراهق ويتحقق حلمها بالهجرة إلي أمريكا – الأرض الموعودة – لتري واقعا مختلفا تماما عما حلمت به, ونجد ابنها يسير في المدرسة بنفس طريقة التنقل عبر نقاط التفتيش العسكرية في الضفة.. ويتعجب بعض الأمريكيين عندما يكتشفون أن الابن فادي وأمه مسيحيان ويتعجبون لوجود مسيحيين فلسطينيين.. الفيلم من إخراج شرين دعبس.
أسئلة الكواليس
لسنا في حاجة أن نقول إنه من قبيل حبنا لهذا المهرجان, نوجه النقد له لكي يتجاوز ذلك في الدورات المقبلة. فللأسف لانزال في حاجة إلي مزيد من التنظيم والدقة في مواعيد عرض الأفلام وعدم تبديلها في اللحظات الأخيرة. كذلك كان غريبا أن نجد أفلام يتم ترجمة أجزاء منها وترك الباقي, ومن أهم الأسئلة التي تتردد في كواليس هذه الدورة, التي تحتاج إلي إجابة:
- علي أي أساس يتم تكريم الفنانة نادية الجندي التي تصنف معظم أفلامها نقديا وفنيا بكونها أفلام تجارية تعتمد علي تيمة واحدة عن الفتاة الفقيرة التي تصل إلي القمة وتنتقم.. إن نادية الجندي وصمودها علي مستوي العامة يؤكد علي ذكائها ولكن لا يؤكد أبدا علي قدراتها الفنية.
- علي أي أساس يتم اختيار الممثلة غادة عادل في لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة ما هو تاريخ غادة وقدراتها علي المشاركة في التحكيم والتقييم ونفس السؤال حول المغنية المغربية سناء موزيان التي تشارك بالتحكيم في نفس المسابقة.. لقد اعتدنا علي لجان التحكيم من فنانين مخضرمين وذوي خبرات عالية وهذا لا يقلل بأي حال من غادة وسناء
روبير….
em:[email protected]