أمس الأحد كان يوافق عيد ميلاد المطرب الفنان محمد منير السادس والخمسين، الذى يمثل حالة إبداع متفردة فى الغناء المصرى بطوال تاريخه. مما يجعل لقب الملك المعروف به أقل بكثير من ما يستحق هذا الفرعونى. الذى تنبض عروقه بماء النيل، وتنطق سمرته بما لا يقال من أسرار هذا الوطن الساحر. فكأنه تميمة سحر دفن سرها فى خبيئة معبد للإحساس، لم نعرف طريقه بعد. وكأنه نحت مقدس تدب فيه الحياة عندما يغنى صارخا “على صوتك بالغنا لسة الأغانى ممكنة”، أو طائر أسطورى يفتح ضلوعة لكل محتاج قائلا :” قلبى مساكن شعبية “. فمنذ الألبوم ( شبابيك ) والذى صدر لمنير عام 1981 وهو يمثل حالة امتلكت التميز منذ أول حرف فهو يغنى بكل خلجاته وأعصابه وأصابع يده وأظافره صوته يتسلل لكل جسده. فيصبح الجسد كله صوت فى حالة وجد وصوفية. رعشة موسيقى يمكن أن تراها وتلمسها وتعيش اللحظة معها. وتوالت الألبومات الناجحة ( اتكلمى ) عام 1983 و( برئ ) عام 1986 . و(الملك هو الملك ) عام 1986 وضم أغانى المسرحية التى كتبها سعد الله ونوس، وهو أمر ينقلنا إلى نقطة أخرى فى فن منير وهى مشاركته بالتمثيل فى بعض الأعمال. وقد ظهر فى بعض أفلام يوسف شاهين مثل حدوتة مصرية والمصير، وفى بعض المسلسلات منها جمهورية زفتى، والذى قدم فيها أغنيته الرائعة (حبيبتى)، والذى أعاد فيها هذه الكلمة التى ابتذلت من كثرة الاستهلاك. إلى دائرة الإحساس الساخن وكأنه أحياها من جديد بعد الموت على شفاه محترفى الغناء السطحى أو الخارجى، وما أجمل أن تعيش أحساسه، وهو يقول: “غصب عنى مش بخطرى ياللى ساكنة ف خواطرى”. ولا يمكن أن نعتبر منير ممثلا مخترفا ولكن إحساسه العالى واتقنه لدور المطرب، والذى قدمه فى أكثر من عمل يجعلك تصدقه رغم أى هفوات تمثلية أو ضعف فى الأداء. ونعود لرحلة الطرب البديعة لنجد أغانى خالدة مثل من أول لمسة ولو بطلنا نحلم وفى عشق البنات الذى حقق مبيعات هائلة وخلق وأقع فنى لا يتكرر كثيرا وسوياسو وإمبارح كان عمرى عشرين وطعم البيوت ولما النسيم وخايف أوعدك ماوفيش. وكلها تمتاز بالصدق والاتقان والكلمات التى لا تصدق أن هناك مطربا يشدو بها فمن يتخيل أن مطرب يغنى قائلا: قلبى مساكن شعبية أو أن يكون عنوانا ألبومه الطول والعرض والحرية . إنه هو المطرب الذى يقود ولا يقاد ويجعل رعيته تبحث عن معانى الكلمات بعد أن يمتعها بالغناء بها أذكر ذلك بوضوح عندما كان الشباب يتسالون عن بعض مفرادات أغنية فى عشق البنات مثل (نعناع الجنينة المسقى فى حيضانه، وترمبيلى وقف عجلته بندر يوم أى تعطلت) وغيرها إذن هو ليس مطرب سهل هو يمتع وجدانك، ويشرح صدرك ويوسع مدراكك فيجعل من الأغنية فن حقيقى . للبهجة والعلم بل والثقافة العالية أيضا . ورغم عشقى الشديد لمنير وفنه. لا يمكن أن أعلن غضبى الشديد منه بسبب طيبته المتناهية لدرجة أن يغنى بلا تحفظ مع سمية الخشاب، والتى لا أجد فى صوتها أى طرب وبالكاد يمكن أن يطلق عليها لقب مؤدية، ولا أدرى ماهو مبرر منير فى تلك الكبوة التى أتمنى ألا تتكرر .. وكل عام وأنت طيب يا ملك. == س.س 10 أكتوبر 2010 |