هي نموذج لإحدي الرائدات النسائيات المصريات في القرن العشرين.خاضت كثيرا من المعارك السياسية والاجتماعية والفكرية لتغيير مفاهيم وأسس وعادات وتقاليد سلبية عديدة كانت راسخة في المجتمع المصري,فكرست حياتها للنضال ضد كل أوجه الجهل والفساد والتخلف والتحرر من الاستعمار في فترات ماضية,شاركت أيضا مع نخبة من النساء المصريات كفاحهن الطويل لدعم قضية المرأة وإثبات حقوقها في كافة مجالات الحياة,والعمل علي إعلاء شأنها وفتح مجالات التعليم وحرية إبداء الرأي والتعبير والتفكير أمام المرأة بصفة عامة.هذا وتعد منيرة ثابت أول كاتبة سياسية عبرت عن رأيها في المطالبة بضرورة اشتراك المرأة في السلطة التشريعية والتنفيذية.ففي مارس عام1922 أصدر عبد الخالق ثروت باشا قرارا بتشكيل لجنة عامة لوضع أول دستور مصري وعرفت هذه اللجنة باسملجنة الثلاثينوكان من أهم قراراتها السياسية ضآلة نسبة النواب إلي حد لا يفي بغرض التمثيل في البرلمان المصري.كما أغفلت اللجنة حق النساء في الانتخاب بالرغم من أن جميع القوانين والدساتير الراقية التي استرشدت بها هذه اللجنة أثناء اتخاذ قراراتها تؤكد أن النساء لهن هذا الحق.علي أثر ذلك أصدرت لجنةالوفد المركزية للسيدات المصريةبيانا احتجاجيا للرد علي قرار لجنة الثلاثين التعسفي كتبته إحدي عضوات اللجنة الوفدية النسائية وهي إحسان أحمد,ونشر في جريدةالأهراميوم الجمعة عدد2يونية عام1922عبرت فيه عن مدي مخالفة القرار الجديد لإجماع الأمة,وما تم الاتفاق عليه مسبقا من حرية المرأة وحقها في التعبير عن فكرها ورأيها,وكذلك حقها في التمثيل النسائي في البرلمان المصري,ودخولها دار الإنابة شأنها في ذلك شأن الرجال.وكان هذا الرد الاحتجاجي بمثابة إشارة البدء للمعركة السياسية والفكرية المجهولة التي خاضتها منيرة ثابت فيما بعد من خلال انضمامها لهذه الحملة ومشاركتها بالكتابة في الصحف القومية لدعم قضية المرأة ومهاجمة هذا القرار باعتبارها مجرد قارئة من الإسكندرية,ووقعت في جميع مقالاتها باسمالآنسة منيرة,وذلك قبل انضمامها إلي العمل في المجال الصحفي(تاريخ الحياة النيابية في مصر-محمد خليل).
*منيرة ثابت ومعاركها الصحفية:
بدأت منيرة ثابت أولي حملاتها الإعلامية,وهي في سن صغيرة جدا لم تتجاوز خلالها السابعة عشر من عمرها,فقد استشعرت خطر الاستعمار في هذه الفترة المبكرة من حياتها لتكون بهذا أصغر مناضلة ثائرة مصرية,ولتعد أيضا أول رئيسة تحرير مصرية,حيث أسست جريدتهاالأمل العربية وأسوار الفرنسيةالتي تبنت قضية النضال ضد الاستعمار إلا أنه وبأمر من النائب العام المصري تم إعلان توقف وإغلاق الصحيفة بشكل نهائي بسبب تعرضها بالسب والقذف والشتائم الصريحة لمهاجمة المندوب السامي البريطاني وأمر أيضا النائب العام بحبس رئيسة تحريرها وتعذيبها,وبعد فترة وجيزة أصدر الوزير المصري زكي باشا أبو السعود قرارا رسميا بإعفائها والإفراج عنها نظرا لصغر سنها.استمرت منيرة ثابت في كفاحها الفكري والسياسي ففي مارس عام1938 شاركت في المؤتمر النسائي الذي عقد في القاهرة للدفاع عن القضية الفلسطينية,وفي العام التالي عقد المؤتمر الثالث عشر للاتحاد النسائي الدولي في كوبنهاجن لنفس الهدف أيضا,وتم ترشيح منيرة ثابت ممثلة عن المرأة المصرية والفلسطينية بالإجماع من خلال توكيل رسمي من القائمين علي أعمال المؤتمر.كذلك انضمت منيرة ثابت إلي اللجنة الصحفية الضخمة التي اجتمعت في نقابة الصحفيين مطالبة بالعمل علي وقف إصدار قانون القصر الملكي الخاص بحماية أبناء الملك وأسرتهم,وإخفاء جميع أخبارهم الشخصية ومتعلقاتهم عن أعين الشعب بصفة عامة,وكانت كذلك هي العضو النسائي الصحفي الوحيد الذي شارك في تلك الحملة الإعلامية,وبعد اندلاع الثورة في عام1952 أسست منيرة ثابت صحيفة أخري تبنت مطالب الثورة المصرية ودعمت موقفها هي جريدةالعمل,كما شاركت بالمجهود البدني للعمل مع المجندين والمتطوعين في عام1956.
*ثورة 1919 والمشاركة الوطنية للمرأة:
كانت منيرة ثابت أول امرأة مصرية طالبت بوجوب التمثيل النسائي في دار الإنابة,وكان علي مصر أن تنتظر حوالي ثلث قرن من الزمان لتدخل المرأة بالفعل هذا الدار العريقة,إلا أنه يمكننا التأكيد بأن الشرارة الأولي حقا لخروج النساء المصريات من سباتهن الطويل,وبداية اشتغال المرأة المصرية في العمل السياسي والوطني كان في يوم الأحد 16مارس عام1919.حين قامت مظاهرة قومية ضخمة حشدت العديد من النساء والفتيات المصريات بلغ عددهن أكثر من خمسمائة سيدة وفتاة في مختلف المراحل العمرية والديانات,طالبن جميعا بجلاء القوات البريطانية عن مصر,ووصل الأمر إلي حد حدوث صدام عنيف بين النساء المتظاهرات والقوات الأمنية البريطانية وتحول الإعجاب والدهشة إلي يقين بأن النساء المصريات قد خرجن من سباتهن بالفعل وتتوالي المعارك النسائية الوطنية ففي يوم18نوفمبر من نفس السنة اجتمعت نخبة من النساء المصريات في ميدان الحلمية الجديدة,وركبن في نحو عشرين عربة لينطلقن بعد ذلك ويطفن بها في كل أنحاء القاهرة وهن يهتفن بالاحتجاح علي قدوم لجنة ملنر,ويطالبن بسقوطها ويدعون إلي حرية البلاد واستقلالها التام عن الاستعمار البريطاني.وتكررت هذه المساندات النسائية لتأييد مقاطعة اللجنة البريطانية الاستعمارية والإصرار علي استقلال مصر ومساندة الوفد المصري ورئيسة وجميع أعضائه حيث اجتمع حشد ضخم من السيدات المصريات في الكاتدرائية المرقسية الكبري لإتمام هذا الغرض الوطني العظيم في يوم13ديسمبر عام1919,وفي يوم16يناير عام1920 اجتمعت نخبة من السيدات المصريات في مظاهرة قومية أخري بدأت من ميدان المحطة,وانتهي المطاف إلي فندق شبرد,وهن جميعا يهتفن بدعم موقف سينوت بك حنا وكذلك سعد باشا زغلول زعيم الوفد المصري,ويطالبن أيضا باستقلال مصر التام,وكن يرددن شعار:لتحيا مصر حرة….ليحيا الاستقلال التام لمصر…ليحيا الوفد المصري…ليحيا سعد باشا زغلول بأعلي أصواتهن وهن يحملن علما مصريا صغيرا ويقاومن الضباط الإنجليز,وكان هذا الموقف الوطني البسيط بمثابة الانطلاقة الأولي لاندلاع العمل السياسي المصري للمرأة بشكل منظم,واتخاذه طابع منهجي مؤسسي له قواعده وضوابطه الشرعية والقانونية التي تحكمه وتنظمه وتحميه وتدعمه…حيث تم إعلان تأليف لجنة الوفد المركزية العامة,وتشكلت اللجنة الفرعية الجديدة من خمس عضوات هنهدي شعراويإستير ويصا,شريفة رياض,إحسان أحمد,نعمت حجازي,وكان الهدف الأساسي لهذه اللجنة الجديدة الاستمرار في المطالبة باستقلال مصر استقلالا تاما,وحين بلغ سعد باشا زغلول الخبر أرسل من العاصمة الفرنسية حيث كان يقيم وقتها هناك ببرقية تهنئة ودعم للعضوات الجديدات كان نصفها كالآتي:إن العمل الذي أعلنت فيه إرادتكن في طلب الاستقلال يملأ قلوبنا افتخارا,فأنتن بذلك تربين العالم كله,إن أمهات أبنائنا ومربيات رجالنا لهن جديرات بمهمتهن السامية العريقة.