تحولات ثقافية واجتماعية عديدة شهدها المجتمع المصري بامتداد العقود الأربعة الأخيرة, كان من مظاهرها خلل في منظومة القيم المجتمعية وعلاقات اجتماعية كانت تميز المصريين عن غيرهم من الشعوب لكنها تبدلت بفعل غزو ثقافي قادم من المهجر العربي القريب, وأيضا من المهجر الغربي البعيد, تفشي علي أثره الفساد داخل المجتمع المصري بألوانه المختلفة.
حول التحولات الثقافية وتغيير الكثير من قيم المصريين المجتمعية جاءت فعاليات ندوة منتدي حوار الثقافات الأخيرة بالهيئة الإنجيلية القبطية بالإسكندرية والتي استضافت عددا من الشخصيات الثقافية, حيث ألقي المتحدثون باللائمة علي غياب دور الدولة بمؤسساتها من تعليم وإعلام ومؤسسات دينية, فضلا عن الظروف الاقتصادية وغياب الدور الرقابي والعدالة الاجتماعية..وهي أدوات أتفق عليها الجميع من أجل إعادة تصحيح المفاهيم وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد..فإلي فعاليات الندوة:
تدين شكله
قال فضيلة الشيخ د. سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف:منظومة القيم اختلت وربما السبب ما يشهده العالم من تحولات نتج عنها عصر الصراعات الثقافية والتي بلغت ذروتها بعد أحداث11سبتمبر, وبات العالم العربي يتعرض لغزو ثقافي غربي أثر في أفكارهم ومعتقداتهم, وترتبت علي هذه التحولات آثار خطيرة علي منظومة القيم, فقد تم تكريس المصلحة الذاتية علي العام والقيم الاستهلاكية, وانتشرت آفات المجتمع وتبدلت المفاهيم وأخذت بعض القيم السلبية أسماء مختلفة, فالرشوة صارت إكرامية والكسب غير المشروع شطارة وهكذا.
أضاف د.عبد الجليل: الأديان كلها واحدة في الأصل وتسير في خطوط متوازية, ووزارة الأوقاف تقوم بإصدار سلسلة من الكتب لتصحيح المفاهيم. حيث إن المجالس القومية المتخصصة أكدت في تقرير صادر عنها أن مصر بها أمية دينية تبلغ 70% ولذا فالتدين لا يعبر عن الوضع الحقيقي لما يكمن داخل الإنسان.
تدين وفساد!
من جانبه أوضح الدكتور القس أندرية زكي نائب رئيس الطائفة الإنجيلية: الثقافة صناعة بشرية تأثرت بتبخر الحلم الاقتصادي, والهجرة إلي الخليج والغرب أثرت بشكل كبير علي الانتماء إلي الوطن, وترجع التحولات الثقافية التي شهدتها مصر إلي غياب آليات الحكم الصالح وافتقاد الشفافية وتداول السلطة ونزاهة الانتخابات واهتزاز في مفهوم العدالة والخلط بين سمات مجتمع القانون وسمات مجتمع العلاقات في ظل تفعيل قوانين بعينها وتعطيل غيرها.
الهجرة إلي الخليج
في السياق ذاته قال الدكتور وحيد عبد المجيد رئيس مركز الأهرام للترجمة:سياسة الانفتاح التي انتهجها الرئيس السابق أنور السادات وراء التغيرات الثقافية التي طرأت علي مصر, وهناك انهيار المنظومة الثقافية والأخلاقية خاصة مع ظهور الهجرة إلي الخليج وشيوع ثقافة البحث عن المال بغض النظر عن الوسيلة, وهذا التحول خلق بيئة مجتمعية وثقافية حاضنة للفساد وملائمة لظهور وتنامي أنماط سلبية في التفاعلات الاجتماعية.
الثقافة العقلائية
قال د.أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة:هناك ضرورة لدعم تجديد الخطاب الثقافي بوصفه أحد أوجه المشروع القومي حاليا, وهذا الدعم يتركز علي إشاعة الثقافة العلمية العقلانية بوصفها أداة رئيسية في النهوض بالمجتمع وتوفير مساحة كافية من المعلوماتية التي توثق الواقع الثقافي في بيانات وإحصائيات دقيقة وفتح باب الاجتهاد في مختلف القضايا بلا أية قيود, وأيضا ضرورة توحيد المفاهيم حول الإيمان بحرية الرأي والإبداع وتأكيد حق التنوع الخلاق.
وأكد مجاهد: هناك ضرورة لتفعيل بعض المفاهيم الأساسية للمجتمع مثل التسامح والمواطنة وقبول التعددية, وهذا يتطلب مشاركة جميع القوي الفاعلة في النسيج المصري.
نحتاج إستنارة…
قالت د.نادية حليم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية:تعددت التحولات الاجتماعية داخل الأسرة بالاستناد علي نتائج استطلاع رأي أجراه المركز حول تزايد درجات التوتر الاجتماعي والاتجاه إلي الميل للعنف داخل الأسرة والقضايا المرفوعة تبرز حجم المعاناة للحصول علي النفقات وطلب الطلاب للضرر والحضانة والرؤية وإثبات النسب.
الانفتاح الاقتصادي والقيم
تحدث د.محمد إبراهيم منصور مدير مركز دراسات المستقبل قال:التحول في طبيعة القيم طرأت علي طبيعة المجتمع المصري إثر عملية الانفتاح بداية من السبعينيات والتي أبرزت قيم الفردية والأنانية بعد البحث عن كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة للعمل في القطاع الخاص باعتباره مؤشرا للتميز الاجتماعي مما ساعد علي ظهور قيم سلبية مثل التملق والنفاق والمظهرية وإحلال الولاء محل الكفاءة في العمل, وأتاحت الهجرة إلي دول النفط المصريين الفرصة للتخلي عن تراث موروثات اجتماعية نحو التسامح والولاء, وعلت قيم الشطارة وانتهاز الفرصة وتنمية العلاقات الشخصية بأصحاب النفوذ, ومنذ التسعينيات حدثت تغييرات للقيم علي كافة المستويات أهمها تغيير قيم الخير والحب وتراجع قيمة الإحساس بالأمان والطمأنينة وزيادة حالات القلق والاكتئاب وانتفاء قيمة العدالة, بظهور أساليب المحسوبية وتزوير الانتخابات والتمييز علي كافة المستويات مما زاد من تعاطي المخدرات والانتحار.
وأضاف منصور: تراجعت قيمة الأمانة بعد انتشار الفساد والرشوة وغياب الضمير وتراجعت قيمة الأسرة مثل التفاني في رعاية الوالدين والتراحم ونبذ الأنانية والنزعات وتغير القناعات الريفية من خلال التغييرات الحضرية والبيئية, وأدت كل هذه التغييرات إلي تراجع قيمة الانتماء للوطن وأصبح المواطن المصري غير عابئ بشئ بدءا من حقه الانتخابي وانتهاء بالحفاظ علي الممتلكات العامة وترشيد المياه, وهذا يصل بنا إلي غموض القيم العامة في ظل غياب مشروع قومي يعيد منظومة القيم الضائعة التي أثرت علي طبيعة المصري.