يظل ملف الكنائس المغلقة واحدا من ملفات الهموم القبطية التي تثير غصة في الحلق, ومرارة في الروح, وقتل لذرات البخور لكي لا تصعد بالصلوات إلي الله, تحمل في طياتها طلبات من أجل مصر ومن أجل النيل ومن أجل الأهوية والثمار والعشب والزروع والدواب والمرضي والمسافرين.. ويتحول غلقها إلي إعاقة في حركة القلب المشتاق إلي لقاء الرب.. هذا الملف الضخم تتكون أوراقه بمكتب الأستاذ رمسيس النجار المحامي.. وبحثا عن الحقيقة ذهبت وطني إلي هناك.. جلسنا معه نحاوره ونقلب في الأوراق الباكية والتي تسجل صفحات من تاريخ حبس الصلاة في مصر.. وخرجنا من مكتبه إلي أرض الواقع لنرصد الحقيقة.. اخترنا محافظتي أسيوط والمنيا – كمثال – وهناك كانت القصص أكثر غرابة, وصورة الواقع فاتمة للغاية.. وهذا التحقيق يكشف عن جانب فقط من الصورة.
* بدأنا حوارنا مع الأستاذ رمسيس النجار بسؤال عن عدد الكنائس المغلقة التي تم التقدم بطلب فتحها؟
** تم تقديم طلبات للمجلس العسكري بحوالي 58 كنيسة ما بين الإغلاق والتنكيس, وجميعها كنائس قبطية أرثوذكسية, وهذا ليس عددا نهائيا لأن كنائس كثيرة تحتاج أعمال ترميم بموافقة الإدارة المحلية.. وكافة الطلبات التي قدمت بالفتح كانت لكنائس يتردد عليها المسيحيون ثم أغلقت, وهذه الطلبات وقعت من الكهنة المسئولين عن تلك الكنائس ووقعت أيضا من الأساقفة التابعين لها, ومازلنا نجاهد لفتح تلك الكنائس, فما فتح فعليا من هذه الكنائس يحصي علي أصابع اليد الواحدة!!
من داخل الملف
* إذا قلبنا في هذا الملف الضخم.. ما أكثر الكنائس التي تجذب انتباهك؟
** توجد كنيسة في الرحمانية قبلي مركز نجع حمادي مغلقة منذ عام 1975 وبالرغم من صدور قرار بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة, إلا أن الجهة الإدارية متمثلة في سكرتير محافظ قنا لم ينفذ هذا القرار بفتح الكنيسة, أيضا هناك خمس كنائس في محافظة المنوفية أصبحت تمثل خطورة داهمة علي المصلين ولكن حتي هذه اللحظة لم يصدر قرار بتنكيس تلك الكنائس, وأيضا كنيسة القديس أبانوب بقرية فزارة التابعة لمركز القوصية وهي مغلقة منذ عام 1995 التي قدم لها طلب تحت رقم 37 بتاريخ 21 مارس 2011 وحتي الآن لم يستجب إلي فتحها, وهناك أيضا كنيسة السيدة العذراء بالمنشاة الكبري مركز القوصية وهي مقامة بالأمر الملكي في 8 يونية 1909 وقد شملها القرار الجمهوري رقم 226 لسنة 1990 ببعض التوسعات وإنشاء دار مناسبات, وقدمت تلك المستندات حيث تحتاج إلي تنكيس, وحتي هذه اللحظة لم يحرك المجلس أو الإدارة الهندسية بمحافظة أسيوط أي أوراق لصالح ترميم الكنيسة بالرغم من خطورة الأمر علي المصلين, أيضا كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بالرحمانية قبلي مغلقة منذ عام 1985 ولم تفتح حتي الآن, وهناك كنيسة الأنبا بولا وأنبا أنطونيوس بالخطارة دشنا مغلقة منذ 51 عاما أي أكثر من نصف قرن.
الدواعي الأمنية
* هل الكنائس التي قدمت طلبات لفتحها حاصلة علي تراخيص؟
** كافة الكنائس التي قدمت طلبات فتحها, قدمت أوراق الرسم الهندسي لها, والقرار الجمهوري الصادر بإنشائها, وترخيص الإدارة الهندسية, وكلها شيدت تحت سمع وبصر الدولة, وليس بخفي أن جهاز أمن الدولة كان يفرض مبالغ علي بناء الكنائس لمصلحة الجهاز قاصدا من ذلك فرض الجزية علي الأقباط بشكل حديث, وكانت قيمة تلك المبالغ تحدد حسب إمكانية كل مطرانية, وفي الوقت الذي كان يحدث فيه هذا كانت الكنائس تغلق أيضا بمعرفة جهاز أمن الدولة وهو ما يعرف إعلاميا بـدواع أمنية.
* كيف يمكن أن نصدق أن قرار الموظف المختص أقوي من قرار المجلس العسكري؟
** غالبا ما تكون قوة قرار الموظف المختص تستند إلي شعبية إسلامية متطرفة, فتطغي علي قرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وهذا ما يحتاج إلي توعية سياسية وفكرية ودينية للشعب من القاع إلي القمة.
المتعصبون
* كيف يمكن مواجهة الرفض الشعبي لوجود كنيسة؟ ولماذا تغلب الطابع السري في أذهان البعض عما يدور بالكنائس؟
** المواجهة تكون بالتعليم والتوجيه والتثقيف وزرع محبة الآخر, والكنائس الآن أصبحت مفتوحة علي الفضائيات ولم يعد هناك ما يمكن أن نسميه أسرارا, فلا مجال لنشر الإشاعات والمشكلة الحقيقية في التعصب الفكري وهو لاذي يحفز التيارات الإسلامية السلفية وغير السلفية علي مناهضة الكنائس بالرغم من أن كافة الكنائس أصبح بها مجمعات خدمية للمنطقة التي توجد بها الكنيسة, وهي تخدم كل المصريين دون النظر إلي الدين, فالكنائس تقدم الآن خدمات لمحو الأمية للمنطقة كلها دون تفرقة, وكذلك الخدمات الطبية, وغير ذلك, وأكثر الطبقات في مصر التي ترفض فتح الكنائس أو بناءها هي الطبقات المتعصبة التي يشوبها الجهل المطبق للعلاقات الدينية, وأيضا التي تنصب من نفسها وكالة من الله علي الأرض تتحكم فيها وتكفر فيها الآخر دون بحث أو تنقيب في عقائد الغير.
* في رأيك ما الدور المفروض علي الأقباط القيام به في هذه المرحلة؟
** علي الأقباط أن يحاربوا بلغتهم وثقافتهم ومواطنتهم ضد أي نوع من أنواع التمييز التي تفرض عليهم قهرا, وإن كنا قد بدنا في فتح الملفات المسكوت عنها منذ عام 1952 – طوال نظام يوليو – فعلي الأقباط أن يثبتوا مواطنتهم بأنفسهم فالحرية لا تمنح والحقوق لا تمطر بها السماء ولكن تطالب بها وتنتزع فلا يضيع حقا وراؤه مطالب.
بيان من أسيوط
في أسيوط تقدمت مطرانية الأقباط الأرثوذكس ببيان للواء قائد المنطقة الجنوبية العسكرية, أوضحت فيه أن من بين 11 كنيسة بمدينة أسيوط توجد 3 كنائس ترجعإلي القرون الميلادية الأولي وغير مفتوحة لصلاة القداس الإلهي والعبادة بصورة منتظمة لأن المباني في حالة يخشي عليها من الانهيار وهي كنائس رئيس الملائكة بشارع أبوسعدة غرب البلد, والشهيد سيداروس بشارع السلادية أول أسيوط, ودير وكنيسة القديس يوسف بداخل جبانة النصاري بمنطقة الوليدية.
وأشار البيان إلي أن في مركزي البداري وساحل سليم 17 كنيسة إلي جانب دير مارمينا والبابا كيرلس بالجبل الشرقي بالوادي الأسيوطي, كما أشار البيان إلي مواقع 19 كنيسة بقري بمركز أبوتيج في درنكة ودير درنكة وريفا ودير ريفا ودير الزاويا وموشا وشطب والمطيعة وقرقارص وباقور وأيضا بمدافن أسيوط.
وشدد البيان علي أن مجمل الكنائس ودور العبادة مطرانية أسيوط والتي تحتاج بصورة عاجلة إلي الترميم وإعادة البناء لها ولملحقاتها عددها 11 من جانب 8 تحتاج إلي أسوار وأعمال أخري, إضافة إلي دير القديس أنبا فام الجندي بقرية موشا الحلفا وهو دير أثري لا تقام فيه الشعائر الدينية حاليا بسبب تهدم مبانيه وأسواره.
من جهة أخري أشار البيان إلي احتياج 13 منطقة بالمطرانية إلي بناء دور عبادة وخدمات, فرغم التوسعات العمرانية طوال 50 عاما لم تبن كنيسة جديدة تابعة لمطرانية الأقباط الأرثوذكس بأسيوط.
وفي أسقفية القوصية أوضح مصدر كنسي بأن دار خدمة المسنين بمركز المنشاة الكبري والتي تهدمت مبانيها, جرت محاولات منذ عام 1992 لإعادة بنائها وافتتاحها للخدمة ولم تفلح المحاولات, كما لازالت كنيسة الشهيد أبانوب بقرية الفزارة مركز القوصية مغلقة لدواع أمنية منذ عام 1995, وأوضحت مطرانية ديروط بأنه لازالت كنيسة الشهيد مارجرجس بنزلة مصطفي بديروط مغلقة أيضا لدواع أمنية منذ أكثر من 20 عاما.
وفي مطرانية منفلوط رغم عدم وجود كنائس مغلقة إلا أن مصدر كنسي أوضح بأن مبني للخدمات الكنسية الكائن بحي السلام بندر منفلوط لازال مغلقا منذ أوائل التسعينيات رغم الحكم الصادر لصالح المطرانية عام 2009 في الطعن علي قرار الغلق.
فرحة لم تتم
القصة الغريبة كانت في مطرانية أبوتيج والغنايم وصدفا, فبعد الفرحة التي غمرت شعب كنيسة العذراء بمدينة صدفا – والمغلقة منذ عام 1995 – بصدور قرار المجلس العسكري بإعادة افتتاحها إلا أن الوضع لا يسمح إطلاقا بإقامة القداسات والشعائر الدينية لأنها مهدمة تماما, كما صرح القس ويصا كاهن الكنيسة – وللكنيسة قصة إذ يرجع إنشاؤها إلي القرن الثامن عشر الميلادي وما بين عامي 1993 و1994 تهدمت حوائطها ومذابحها وأصبحت آيلة للسقوط بفعل الزلازل والسيول التي شهدتها المنطقة, ووقتها تقدمت الكنيسة بطلبات الإحلال والتجديد لمأمور مركز صدفا وقتئذ, وما بين شد وجذب المسئولين اضطر المأمور إلي كتابة تقرير بأن المكان لا يصلح ترميمه وأيدت أمن الدولة قرار عدم الترميم, ومن يومها أغلقت الكنيسة, إلي أن تم إخراج ملف الكنيسة عقب أحداث إمبابة, فتبين للمجلس العسكري أنها لم تغلق لدواع أمنية ولا يوجد مشاكل طائفية بالمنطقة فأصدر قراره بفتح الكنيسة, لكن الفرحة لم تتم, فالمباني تحتاج إلي هدم وإعادة إحلال.
** واختتم القس ويصا حديثه قائلا: جار استخراج الترخيص بإعادة البناء, وتبقي أيضا المشكلة في كنيسة مارجرجس بالغنايم التي أغلقت منذ قرابة 20 عاما ولم يصدر لها قرار بإعادة فتحها حتي الآن!!
أمنية لأسقف المنيا
وحول ملف الكنائس المغلقة بالمنيا قال الأنبا مكاريوس الأسقف العام لإيبارشية المنيا وأبوقرقاص إن هناك نحو 50 مكانا معدا للصلاة مغلقا بالرغم من إنشائه بالفعل ومقدم بتلك الأماكن طلبات رسمية لأجهزة الدولة.
وأشار الأنبا مكاريوس في صدد حديثه عن الكنائس المغلقة إلي أن هناك أيضا 140 قرية بإيبارشية المنيا وأبوقرقاص وحدها بلا كنائس, مضيفا أن المسودة المطروحة لقانون البناء الموحد لدور العبادة تنطوي علي شروط مجحفة لا تقل في تعجيزها عن بنود الخط الهمايوني الذي كان يهدف لعرقلة بناء دور عبادة للمسيحيين, وأعرب نيافته عن أمنيته في أن تعيد الحكومة النظر في تلك المسودة بعدما رفضها كل العقلاء في المجتمع.
** من جهة أخري أكد الدكتور إيهاب رمزي المحامي أن مركز سمالوط بالمنيا وحده يشتمل علي 35 طلبا مقدما للجهات الأمنية والتنفيذية للسماح بافتتاح كنائس مقامة بالفعل وأخري لترميم أو توسعة لكنائس قديمة ضاقت بالمصلين, ويري رمزي أن عدة أسباب أوجدت ما سمي بأزمة بناء الكنائس منها القرارات العنترية للشرطة وأمن الدولة سابقا وعدم تقدير احتياجات الآخر إلي جانب عدم وجود أي مسلك شرعي قانوني للمطالبة بهذا الحق سوي عن طريق المطالبة من الأمن.
وأشار الدكتور إيهاب رمزي إلي أنه خلال الأسبوع الماضي صدرت قرارات بافتتاح 4 كنائس بمحافظة المنيا منها كنيستان في مركز سمالوط وأخري ببني مزار وأخري بمركز ملوي, ويري رمزي هذه بادرة أمل طيبة من مجلس الوزراء وأن الحوار مع مجلس الوزراء مثمر وعلينا أن نتحاور ولا نيأس.
أما عزت إبراهيم الناشط الحقوقي بمركز الكلمة لحقوق الإنسان بملوي فقد صرح أن مركز الكلمة لحقوق الإنسان قد تبني عمل دراسات ميدانية لموضوع الكنائس المغلقة وشارك نشاطون في بعض الوقفات الاحتجاجية, وأشار إلي أن أصعب ما في الأمر بالنسبة لدور العبادة والسماح للمسيحيين بممارسة شعائرهم الدينية أن الحكومة وأجهزة الدولة تتحسب لردود الفعل من بعض التيارات المتشددة وأحيانا تماطل في قرارات حاسمة خوفا من غضبة تيارات التشدد, الأمر الذي يكسبهم قوة فوق القانون ويزيد المتشدد تشددا والمتعصب تعصبا, وتبطل سيادة القانون وقوته ودائما ما كان الأمن يرفض إقامة الكنائس بحجة أن الحالة الأمنية لا تسمح واكتشفنا أن عددا كبيرا من هذه الأزمات كان مفتعلا من النظام السابق, فمثلا كنيسة السيدة العذراء والقديسة دميانة بمنطقة الملكية بمدينة ملوي والمغلقة منذ 25 عاما مغلقة لأسباب أمنية بالرغم من أن نحو 95% من أهالي تلك المنطقة مسيحيون.. فأين المشكلة في افتتاحها.