صعب جدا علي نفسي أن أكتب هذه السطور عن أبي الحبيب مثلث الرحمات الأنبا أنجيلوس… لكن عزائي الوحيد أنني أشعر بوجوده معي في كل لحظة وأشعر أيضا بأنه لا يوجد عندي ما لا يعرفه الناس عنه فقد كان كتابا معاشا يراه الجميع..
الكتابة عن هذا الناسك.. الزاهد العابد.. الراهب الحقيقي والخادم الأمين تحتاج إلي صفحات كثيرة لأنه لم يمر يوم من أيامه علي الأرض دون أن يعمل فيه من أجل اسم المسيح أو أحد من أولاده.
ولد هذا الأسقف القديس (وبحق هو قديس) في 1933/8/1 بمدينة الزقازيق, كان أبوه المقدس برسوم يعقوب وقد سماه ##متري## وكان هذا الأب شماسا قديسا, فخرج هذا الابن شماسا – مذبحيا – محبا للخدمة. وكانت الأمانة هي سر حياته… ترهب بدير السريان في 1972/10/1 ورسم قسا في 1973/6/3 وقمصا في 1976/7/1, وسيم أسقفا في 1976/11/14 كأول أسقف للشرقية ومدينة العاشر من رمضان.
حياته وخدمته كانت حافلة فيها الطول والعرض, فيها العمق والعلو والارتفاع, لكن ما أصعب أن نتكلم عن هذا الجبار البأس – من يقدر أن يتكلم عن أكثر من خمس وستين سنة خدمة وتعبا وبذلا؟!… إنه تاريخ طويل مكتوب في السماء في سفر الحياة بحروف من دموع وآلام وعرق ودماء.. إنها حياته التي سفكت علي مذبح الخدمة وتصاعدت رائحتها كبخور طيب مقدس… إنه شمعة أنارت في وسط الظلام الدامس. إنه رسول وسفير.. وكيف لا؟ ألم يكن اسمه ##ملاك## لأن كلمة أنجيلوس معناها ملاك, فجاءنا في الشرقية حاملا رسالة الملكوت, وسعي كسفير عن المسيح طالبا: ##تصالحوا مع الله##.. إنه التاجر الذي عرف كيف يتاجر بالوزنات ويربح لسيده.. احتمل الكثير من الضيق وكان شعاره دائما من أجلك نمات النهار كله.. هو الراعي الصالح الذي اهتم بخلاص كل إنسان في المسيح.. كان هو الشرقية, وكانت الشرقية هو. فحينما تقول أنا من الشرقية يقول لك مستمعك إذا أنت من رعية الأنبا أنجيلوس.
كان عنيفا في صومه وزهده. وكنا نستغرب فيه هذه القوة العظيمة.. كان المثل الأعلي للكاهن كما يجب أن يكون في الحشمة – والوقار والورع والخشوع والسجود والركوع والصلوات الهادئة العميقة.. حينما يصلي في المطرانية لا يمكن أن تصلي معه في رفع بخور باكر, فهو وحده الذي يفرش المذبح – يوقد الشورية – يبدأ صلاة رفع بخور باكر – حريصا جدا علي أن يقول الشماسة كل الذكصولوجيات – يتابع باستمرار القداسات المبكرة – يحرص علي ميعاد إنتهاء القداس. ولما كنا نستغرب أنه يرفع بخور باكر ونحن معه في الكنيسة ككهنة – يقول: علشان ما أنساش ##الأواشي##.
جال في الإيبارشية مرات ومرات. علي قدميه تارة – وراكبا حمارا تارة أخري حتي أنه قال لشعب هذه المناطق: ربنا لا يسمح بمرض أحد منكم, لأنكم بهذه الطريقة لا يمكن أن تسعفوه لعدم وجود المواصلات##.
استلم الإيبارشية وفيها عدد من الكهنة يعد علي أصابع اليد الواحدة – وعدد من الكنائس أيضا تعد علي أصابع اليد الواحدة, لكنه عاش حياة الكفاح والنضال والصراع من سيامة كنهة يحتملون هذه الظروف الصعبة, إلي مبان, إلي تعليم.. ووفق بشفاعة العذراء الطاهرة أمه.
كان في المطرانية نعم المضيف, يكرم ضيفه الإكرام كله, يستقبل زائريه ويحتفي بهم ويسأل عن أحوالهم – يقدم لهم ##الشاي## ولابد أن يضع هو ##السكر## في الشاي بيديه ولا يسمح لأحد ما كان بغير ذلك, ثم يقوم في نهاية الزيارة بتوديعهم بشخصه وليس آخر سواه.
احتمل الألم والمرض صابرا شاكرا فطوباه.. والآن أقول له آن لك أن تستريح – وأن تسعد بالراحة الدائمة وبصحبة الأبرار والقديسين.
ياسيدنا الأنبا أنجيلوس
واصل صلواتك عنا ومن أجلنا واسأل المسيح إلهك الذي أعانك أن يعيننا كما أعانك. وهنيئا لك استقبال للشهداء لك في عيد الشهداء.